الصحة النفسية.. ونفحات رمضانية إيمانية
د. عبد الإله حسن الإرياني

د. عبد الإله حسن الإرياني –
الطمأنينة والراحة صفتان يستشعرهما بعض الصائمين خلال شهر رمضان ومن معين فوائد الصيام ينهلون دروسا في الصبر والحلم والاتزان النفسي والسلوكي خالعين ثوب الماضي وما علق بالنفوس من مساوئ واختلالات مؤدين ما عليهم من صيام وصلوات وطاعات مكثرين من الدعاء والتسبيح والاستغفار وقراءة القرآن والتقرب إلى الله بالنوافل والأعمال الصالحة.
فهكذا تبنى مصالحة حقيقية مع النفس ولسوف يكتشف الصائم المقبل على الله أن إرادته قوت وبمقدوره الانكفاء على حل مشاكله بنفسه والتغلب على ما كان يقهرها وينغص عيشه ويقلق راحته من آثار ومتاعب نفسية وفكرية..
وإذا كان الذي ذكرت من فوائد الصيام عائد بالنفع على النفس والبدن فهل ثمة فوائد أخرى نفسية للصيام تفيد المرضى النفسيين تحديدا¿ وما مدى هذه الاستفادة¿
تساؤلات نطرحها ونعرضها على الدكتور/عبد الإله حسن الإرياني – استشاري الأمراض النفسية والعصبية- بينها وفسرها بقوله:
للصيام فوائد صحية كثيرة وعظيمة فمن خلاله يحكم الصائم السيطرة على النفس والسلوك ويجنبهما الانفلات والانغماس في الأهواء والملذات ويعيد إلى الصائم زمام التحكم والاتزان وذلك لمن أثمر فيه ونال من فوائده.
وفي واقع الأمر لا تعبر الصحة النفسية عن الخلو من الأمراض النفسية- كما يعتقد البعض- وإنما معناها أوسع وأشمل تتحدد فيها ثقة الإنسان بنفسه وتمكنه من إحداث التوافق والتناغم بين قدراته وطموحاته ومثله وعواطفه وضميره من أجل تلبية متطلباته وقدرته على متابعة حياته بشكل طبيعي بعد التعرض لأي صدمة أو ضغط نفسي.
أما المرض النفسي: فهو حالة من عدم التكيف والتوائم مع المجتمع والأسرة ناتج عن إصابة الإنسان بالاضطراب. وهذا الاضطراب له أسبابه ودوافعه إما لأسباب بيئية مرتبطة بأساليب التربية والتنشئة أو لأسباب وراثية وبيولوجية .
وبحسب التقديرات فإن من بين أربعة أشخاص يرتادون المرافق الصحية واحد منهم على الأقل يعاني من اضطربات نفسية أو عصبية أو سلوكية.
من هذه المعطيات حول المرض النفسي تظهر حالة من المرض لدى الإنسان يصعب معها مجاراة المجتمع وقصور في التكيف -على غير العادة- مع ما يقوم به ويفعله الناس وبالتالي حدوث تراجع وضعف في قدرته على الأداء الفاعل في العمل والإنتاج.
هناك خلط غلب على الناس فيه عدم التفريق بين المرض النفسي والعقلي بل ويعتبرهما البعض جنونا وهذا ليس صحيحا على الإطلاق حيث لا توافق بينهما.
فالمرض النفسي خفيف مقارنة بالمرض العقلي ويخلط فيه المريض بين الواقع والخيال مدركا الحالة التي هو فيها قادرا على شرح معاناته وآلامه النفسية ويسعى للخروج من معاناته وليست لديه أعراض مثل الضلالات الفكرية أو الهلوسة السمعية أو البصرية.
بينما المرض العقلي من الحالات القاسية على المريض وتحدث نتيجة عوامل متعددة منها – بالطبع- عامل الوراثة وعوامل بيئية أخرى ويتسم بشدته. كما أنه بحاجة لفترة علاج طويلة .
وبالنسبة لحالات(الاكتئاب – الهوس- القلق- الفصام- الوسواس) فهي أنماط من الأمراض النفسية وأسبابها خليط يجمع بين الاستعداد الوراثي والأسباب البيئية والاجتماعية ولكن لكل مرض علاجه على حده ولا مجال لذكر كل واحد منها في هذا السياق حتى لا يطول شرحها.
إن المرض النفسي أكثر قابلية للشفاء وتشكل نسبة الشفاء فيه ما بين(70-80%) تقريبا أما المرض العقلي فقد يحتاج إلى تأني وعلاج مكثف وغالبا بصورة دائمة ومنتظمة.
وبين هذا وذاك تشيع الإصابة بالأمراض النفسية على أوسع نطاق. إذ تشير الإحصاءات في العالم إلى وجود نسبة عالية جدا من المرضى المصابين بأمراض نفسية والمكتئبين نفسيا تصل إلى(20%).
ومن الخطأ اعتبار المرض النفسي مسا شيطانيا أو حالة تلبس للجن بالإنس الأمر الذي يدفع ببعض المرضى النفسيين إلى الخجل من التحدث عن معاناتهم وعدم البوح حتى للأطباء المختصين.
فالأمراض النفسية ليست من أعمال الجن أو الشياطين وإنما أمراضا قابلة للعلاج والشفاء وعلى الناس ألا يظلوا حبيسي الماضي بموروثاته الخرافية من حقبö الجهل والتخلف والتي لا صلة لها بالتشخيص للأمراض النفسية وغير معتمدة على العلم والطب والتخصص وينصرفوا- أيضا- عن الكهانة والشعوذة ولا يصدقوا ما يدعيه الدجالون لأن الطبيب النفساني وحده المناط بتشخيص الأمراض النفسية ووضع الخطة العلاجية الملائمة والكفيلة بشفاء المرضى النفسيين بدليل أن الكثير ممن عانى مرضا أو مشكلة نفسية تعافى بعد تلقيه للعلاج على يد أطباء متخصصين وقد طور العلم في السنوات الأخيرة الكثير من الأدوية التي تساعد في علاج هذه الأمراض.
وبهذا القدر ننتقل إلى الحديث عن صيام رمضان وما فيه من فوائد كثيرة على النفس ا