إليه.. بعد رحيله
أحمد عبده سيف
أحمد عبده سيف –
كان نبأ رحيله ثقيلا بالرغم من تهيؤ نفوس عارفيه لذلك.. وعند سماعي للخبر حمدت الله وصليت على خير الخلق وقلت اللهم بحق غناك وفقره وقوتك وضعفه وعزتك وهوانه اشمله بعفوك ورضوانك.. وأن تزيد من إحسانك بأن تسكنه فسيح جنانك.
لم تكن تربطني بالحاج الوالد أحمد هائل سعيد علاقة تذكر بل إني لم التق به إلا مرتين بفعل الصدفة التي أبقت له مكانة وأثرا.. وبالرغم من ذلك تساءلت إن كان حزني كبيرا.. وألمي ثقيلا بهذا القدر فما مقدار الحزن والألم الذي ألم بأسرته الصغيرة فدعوت بأن تعصم قلوبهم بالصبر على فقدانهم هذا الرجل الاستثنائي الذي أثر في حياة المجتمع بدور وطني واسهام إنساني مباشر وغير مباشر علمته تجاربه حسن تقدير وعظم نعم الله.. وفي مقدمتها نعمة العقل وأيقن بأن عليه التعبد بها تقربا إلى الله وتوظيفا لحقه منها حتى تميز برغم انتمائه لجيل لم تهيئه أقداره لنيل المعرفة والتأهيل المناسبين ولبيئة لم تقو على التحول.. لترقى إلى مستوى التمتع بالآدمية.
ومنذ قدر له التساكن مع رحلة اعتلال طويلة ومؤلمة.. حاولت الزيارة ولم أوفق لأني لم أكن مؤهلا لها ثم أردت وداعه فخانتني ظروفي ولم أتمكن ورغبت بالتعزية به عبر قريب من الأسرة ففاجئني بعد تعزيته شخصيا وقولي له وعظم الله لنا الأجر.. فقال “مازحا” وإن تدعو لي بعظم الأجر فذلك مفهوم ولكن أن تدعو بتعظيم أجرك ففيه “كبر” ووجدتني أرد جادا إن كان الراجي رحمة ربه قد عاش حياته بماله وجاهه وعزه معكم.. فقد أضحى بعد وفاته بلا مال ولاجاه ولا نفوذ.. وغدا مثلنا طامعا برضاء الله ورحمته..
رحمك الله يا حاج أحمد هائل فقد كنت رجلا استثنائيا قل نظيرك.. أعملت عقلك حتى أرهقته في زمن عجز فيه غيرك عن إدراك قيمة العقل ولم يحسنوا توظيفه وقبلوا بإهمال وترحيل أدمغتهم إلى الآخرة كما وهبت.. لتكون أدلة إدانة ومصدر ويل.. وعملت بصمت من موقعك فأكثرت من الانجاز دون جلبة أو صخب في ذات الوقت الذي تبارى فيه غيرك على اجتذاب الأضواء بدون استحقاق يذكر.. ولم تشغلك الدنيا بلذاتها الزائلة ولم تأبه للشهرة بما يترتب عليها بل حرصت على أن تبلغ السعادة مع كل نجاح تحققه… عشت إنسانا بدون ظلال وأنت من كان ظلك وارفا وكنت معتدا بخياراتك مقنعا لمن يعملون معك وقد كان بينهم الأمي وحامل الدكتوراة وصاحب التجربة والخبرة.. وقنعت باستغناء نفسك عن بهارج وملذات الدنيا وابتليت بمرض رجوت أن تكون قد صبرت عليه وأجرت.. حتى رحلت عن دنيانا زاهدا بها.. وتركت كل شيء وراءك طمعا برحمة ربك ورضاه.. وآملا بأن يبقى أولادك قناديل