الفكر العربي المعاصر: المدلول والمصادر

بقلم: الدكتور جيلالي بوبكر


بقلم: الدكتور جيلالي بوبكر –
يمثل الفكر في حياة الإنسان الثقافية والحضارية والتاريخية العامل المحرك الذي يشكل الإنسانية بكل أبعادها في الفرد ويبني المجتمع والدولة والأمة ويحرك التاريخ ويصنع الحضارة …
من دون الفكر يبقى الإنسان رهينة لبهيميته لا تشغله إلا شهوته وحبيس حاضره في مستوى الحيوانية لا تهمه إلا لحظته الراهنة لكنه مخلوق مكرم بالعقل وقوى أخرى لا تحصى بها صار على ما هو عليه الآن من رفعة وسؤدد وسيطرة وتحكم.
* الفكر يصنع الإبداع بشقيه الكشفي والاختراعي والإبداع قوة لم تؤت لغير الإنسان ترتبط بالفكر تطوره وتجدده باستمرار والتقدم الذي أحرزه الإنسان في جميع ميادين الحياة عبر العصور وانتهى إلى ما يسمى بالثقافة والحضارة هو نتيجة للتقدم الفكري والعلمي والتقني الناتج عن قدرة الإنسان على الوصول إلى الجديد في النظر والعمل وذلك هو عين الإبداع وجوهره ولولا الإبداع ومن وراءه الفكر لبقيت الإنسانية على حالتها البدائية الأولى ولم تعرف الرقي والازدهار الحضاري.
* للفكر كيان فعال ومنفعل يتعاطى مع الواقع سلبا وإيجابا ويعكسه ويندمج فيه أو يقاطعه ويعاديه كما يتعاطى معه بعمق أو بدون عمق باندفاع أو بتبصر بجدية أو بدون جدية يهتم بشكله وصورته أو بمحتواه ومضمونه أو بهما معا يعامله بصدق وصراحة أو بنفاق وخداع يبقى دوره أساسيا في تغيير ظروف الحياة في مختلف جوانبها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها والجانب الفعال والمنفعل في الفكر هو وراء كل التغيرات التي تشهدها حياة الإنسان الفردية والجماعية سواء أكانت إيجابية أو سلبية.
* إن الفكر ميزة بشرية وجهد إنساني كرم الله به الإنسان وفضله على كثير من مخلوقاته فصار وراء كل ما صنعه الإنسان سواء في ميدان النظر أو في مجال العمل والفكر مرتبط بعوامل عديدة خارجة عن الإنسان وموضوعية وأخرى مرتبطة بذاته والفكر له كيانه ووجوده المستقل المتعدد والمتنوع في مجالاته و نتاجاته وهو معطى طبيعي بشري يقوم على الحرية والإبداع فالتعدد والتنوع والتطور في الفكر أمور طبيعية لا تسمح لنا بإخضاع الفكر لمنهج واحد ونمط واحد وفي مجال واحد ووفق إيديولوجية واحدة فالفكر أوسع عن أن يكون يساريا فقط أو يمينيا فحسب.
* الفكر يتعدد ويتنوع يتنوع بتنوع بيئات الشعوب والأقوام والأمم والمجتمعات الجغرافية والسياسية وغيرها وتنوع الثقافات والحضارات والفلسفات والديانات في هذه البيئات ويتعدد بتعدد مجالات الحياة التي تتميز بالتنوع والتداخل داخل المجتمع الواحد والبيئة الواحدة والحضارة الواحدة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ودينيا وفلسفيا وعلميا يتنوع بتنوع الوعي التاريخي والظروف التاريخية التي تعرفها الإنسانية عبر الحقب التاريخية المختلفة التي تمر بها جماعاتها الأمر الذي جعل بحوزة الإنسان أنواعا وأنماطا وأشكالا شتى من التفكير ذات معايير شتى في تصنيفها يعجز الإنسان عن الإلمام بها جميعا في وقت واحد.
* الفكر العربي الإسلامي نوع من أنواع الفكر التي عرفها تاريخ الإنسانية له منظوماته وخصوصياته ارتبط بالوجود العربي وبالوجود الإسلامي وتطور عبر العصور متأثرا بسائر التحولات التي عرفها الإنسان في حياته يتحدد بالتراث الإسلامي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية – المنظومة التأسيسية – وما انبثق عنهما من منظومات فكرية وعلمية وفلسفية منذ القديم حتى الآن كما يتحدد بالتراث العربي متمثلا في ديوان العرب قبل الإسلام وفي سائر عناصر الثقافة العربية الفكرية والدينية والأخلاقية والسلوكية التي جاءت وتطورت بعد الإسلام إلى يومنا هذا ويتحدد كذلك بما أفرزه امتزاج التراث العربي بالتراث الإسلامي بالفكر الإنساني القديم والحديث والمعاصر وبمشكلات وتحديات العصر الحاضر وتحولاته.
* الفكر العربي الإسلامي المعاصر جزء من الفكر العربي الإسلامي ككل بجميع منظوماته التأسيسية والتجديدية وبما فيه من عناصر ذاتية محلية وأخرى عالمية شمولية عامة ثوابت أو متغيرات هو جزء من الفكر الإنساني العالمي العام يعكس حياة الإنسان بجميع جوانبها في العالم العربي والإسلامي المعاصر ويصور المشكلات والهموم والتحولات والتحديات كما يعرض الجهود المبذولة والمحاولات القائمة والمواقف والاتجاهات والتوجهات في جميع مستويات الحياة فلا سبيل للاطلاع على أي مرحلة تاريخية إلا بالفكر ومن خلاله.
* نحتاج في هذا البحث إلى التعرض لمدلول الفكر العربي الإسلامي المعاصر من حيث كونه عربيا ومن حيث كونه إسلاميا ومن حيث هو منظومة فكرية عربية إسلامية فيها العناصر الذاتية المحلية وفيها الكثير من الجوانب الإنسانية المشرقة وغيرها ذات الطابع العالمي الشمولي العام ونتعرض لتياراته الكبرى التي انبثقت من التواصل بين الموروث والو

قد يعجبك ايضا