في مديح القراءة والإبداع



في السابع من شهر ديسمبر العام 2010 ألقى الروائي ماريو فارغاس يوسا خطاب «استقباله» في مؤسسة نوبل بمناسبة فوزه بجائزتها لعام 2010. وكان الخطاب تحت عنوان: «في مديح القراءة والإبداع». وتحت هذا العنوان صدر الخطاب في كتاب صغير والصادر عن «فارار ستروس جيرو نيويورك 2011م».
ويبدأ المؤلف-الروائي الشهير ماريو فارغاس يوسا حديثه بالقول انه منذ سن الخامسة شرع بالقراءة التي حولت حياته وموضحا أنه كان تلميذا في مدرسة كوشاباما في بوليفيا. وكان ذلك أهم حدث حصل له كما يؤكد طيلة حياته.
 وذلك أن «الحلم تحول إلى حياة». فالقراءة- برأيه- توقظ الشهية لعمل الخيال المبدع وتدفع الى الخوض في منعطفات عالم خيالي. وبذلك المعنى أصبح يوسا منذ ذلك التاريخ كاتبا ولا يتردد يوسا في القول ان أفضل ذكريات طفولته في بوليفيا كانت «ذكريات القراءة» لا ذكريات «رفاق المدرسة».
ويضيف يوسا في سياق حديثه بهذا الخصوص:» .. بعد حوالي 70 سنة أتذكر جيدا كيف أن سحر ترجمة كلمات الكتب إلى صور غير حياتي وحطم حواجز المكان والزمان سامحا لي بأن أقطع البحار برفقة القبطان نيمو في غواصة تعمقت مائة ألف قدم تحت الماء (…) أو أن أتجول في شوارع باريس برفقة جان فالجان بطل رواية البؤساء لمؤلفها فكتور هوغو».
ويبين يوسا أن القراءة كانت سبيله كما يقول لولوج عالم الأدب منذ الطفولة. ومما يتذكره بشأن والدته أنها قالت له لاحقا بأن كتاباته الأولى تمثلت في تصور تتمات للقصص التي كان يقرؤها ذلك على أساس أسفه كون أنها انتهت أو لأنه كان يريد لها نهاية أخرى. ويضيف: «ربما أن هذا ما فعلته طيلة حياتي من دون معرفة ذلك عبر إطالة زمن قصص مغامرات الطفولة بينما كنت أكبر وأنضج وأشيخ».
ويذكر المؤلف أن أبطال طفولته كانوا يحملون أسماء: ارتانيان بورتوس نيمو أحدب نوتردام كازيمودو.
وغيرهم من «شخوص» الروايات الشهيرة. وكذلك يشير إلى أولئك الذين يسميهم «معلميهم» في عالم الكتابة ابتداء من غوستاف فلوبير الذي اكتشفه في العام 1959 عندما قدم إلى باريس. ولا يتردد في القول إنه عندما قرأ «مدام بوفاري» رواية فلوبير الشهيرة قرر أن يصبح كاتبا. إذ بهره كما يقول أسلوبها الواقعي ولكنه جيد الحبك في الوقت نفسه بحيث إنه يخلو تماما من «الحشو غير المفيد».
ويرى الحائز جائزة نوبل أن «الأدب الجيد يبني جسورا بين البشر المختلفين وعبر دفعنا نحو الإحساس بالمتعة أو بالألم أو بالدهشة إنما يقوم بتوحيدنا فيما هو أبعد من اللغات والمعتقدات والعادات والأحكام المسبقة التي تفصل بيننا». ويشرح أن البشر مهما اختلفت أوطانهم وأفكارهم وانتماءاتهم المختلفة يعرفون القشعريرة نفسها كما الحال عندما تتجرع ايما بوفاري السم أو تلقى آنا كارنينا بنفسها أمام عربة القطار أو يصعد جوليان سوريل إلى المقصلة.
ومن أحلام الشباب التي يعود لها ماريو في خطاب ستوكهولم تأكيده أنه كان يحلم كثيرا بالذهاب ذات يوم إلى باريس حيث كان «مأخوذا بالأدب الفرنسي. ويقول انه كان يعتقد أن العيش في باريس واستنشاق الهواء الذي كان قد ملأ رئتي بلزاك واستندال وبودلير وبروست سيساعده على أن يصبح كاتبا حقيقيا. ويضيف يوسا في هذا الخصوص:
«أن عدم خروجي من البيرو بلاده – يعني أنني لن أكون سوى شبه كاتب لأيام الآحاد والعطل». ويشير في هذا الصدد بشكل صريح وبنوع من الاعتراف بالجميل أنه مدين كثيرا للأدب الفرنسي. ويذكر أنه عاش في فرنسا عندما كانت في ذروة ازدهارها الأدبي والفكري. وكان كتابها المشهورون يحملون أسماء سارتر وكامو ويونيسكو وسيوران وغيرهم.
ويحدد المؤلف مديحه للخيال المبدع بالقول ان الإبداع الخيالي الأعمال الروائية عامة- هو أكبر وأسمى من مجرد «التسلية». فهذا الإبداع يحوم في عوالم الحب والمغامرة والحياة. و»يتمرد» بالضرورة ضد التفاهة ولكن هذا لا يمنع «الأدب العظيم» من أن يكون مسليا. والمثال الذي يسوقه المؤلف على ذلك هو أن أعمال دستويفسكي «مسلية جدا».
ويقول في أحد جمل هذا الكتاب- الخطاب: «إن الكتابة تجعل من الموت استعراضا عابرا».

قد يعجبك ايضا