الديمقراطية التوافقية .. حاجة مرحلية

حسن أحمد اللوزي

 - لا شك أن الديمقراطية بكل الصفات التي يمكن أن تلحق بها باستثناء «الديمقراطية المركزية» هي خلاصة الثمار الإيجابية للتجربة الحضارية الإنسانية في الحكم في ظل الأنظمة المتصدرة لمشهد التطبيق الرشيد على كو كبنا الصغير.
حسن أحمد اللوزي –
لا شك أن الديمقراطية بكل الصفات التي يمكن أن تلحق بها باستثناء «الديمقراطية المركزية» هي خلاصة الثمار الإيجابية للتجربة الحضارية الإنسانية في الحكم في ظل الأنظمة المتصدرة لمشهد التطبيق الرشيد على كو كبنا الصغير.
وقد أوصلت الفلسفة الفرادانية إلى تغليب الحرية الفردية في النموذج الأفضل أو الأجلى بدون مبالغة كما بالنسبة للتجربة الأمريكية!! فلا مجتمعات حرة بدون الفرد الحر أولا وبدون شيوع وهيمنة الحرية الاقتصادية متضافرة بالحرية السياسية والحرية الثقافية وهي الحقيقة التي أوصلت البعض إلى توهم نهاية التاريخ وإغلاق مسيرة الحضارة الإنسانية عند هذه العتبة أو الرابية الكوكبية لولا الأزمات الاقتصادية العاصفة التي فتحت ثغرات كبيرة في مسألة الثقة المطلقة بنجاعة الحرية في هذا المفهوم الذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة ربما تأتي على الأخضر واليابس خاصة وأنها لا تضع الحساب الإنساني والعقلاني لمطلب العدالة الاجتماعية الذي لا يمكن أن يتحقق أبدا بصورة تلقائية إلا في الأحلام الوردية.
ولا شك أن هذه الحقيقة – أيضا – هي التي جعلت الحياة السياسية والحكم المثالي الرشيد موضع تساؤل عميق أثمر رؤية إنسانية جديدة توجهت بقوة نحو «الديمقراطية الاجتماعية» خاصة في الدول الإسكندنافية وألمانيا الاتحادية وفرنسا ويبدو أن معظم الأنظمة اليوم في القارة الأوروبية تسير في هذا الطريق بعد تأرجح طال بين الديمقراطية الليبرالية الصارخة والديمقراطية الاجتماعية الناهضة التي تجعل من هدف العدالة الاجتماعية في صدارة الحكم الرشيد وبدون تفريط في الحريات ومجتمع الحريات وتعادل الحقوق والواجبات وصار الكثيرون يبحثون عن الطرق والوسائل التطبيقية التي يمكن أن تؤدي إلى النجاح المنشود للديمقراطية الاجتماعية ونجاعتها في التغلب على كثير من مشكلات الديمقراطية نفسها ومن أساسها والاقتراب أكثر فأكثر من العدالة التي هي أساس الحكم بل وسيادة روح العدالة في صياغة العلاقات الجديدة بين السلطات في الدولة وتكوينات المجتمع والفرد بصورة خاصة.
ومع ذلك فإن الطريق أمامهم واضحة والهم الأكبر الذي يجمعهم هو السهر على صيانة الرابية الحضارية التي وصلوا إليها والتنافس من أجل تطويرها في الاتجاه الذي يكرس الحكم الرشيد ويخدم العدالة وينتصر لها اجتماعيا أولا لكن السؤال هو : ماذا بالنسبة للذين يعيشون في السفح من الرابية¿ والديمقراطيات الناشئة مع اضطرام التوجهات العولمية والتنظيرات الإلحاقية – إن صح التعبير – وإذا كانت الديمقراطية الاجتماعية هي البديل التطويري المهم الذي انبثق وئيدا ومتدرجا من رحم الديمقراطية الليبرالية في القارة الأوروبية فما الذي يراد إنتاجه في الشرق الأوسط الكبير¿ وفي بقاع العالم الأخرى في السفوح! ولا حسد بالنسبة لأهل الرابية¿! أو ماذا بالنسبة لنا في الديمقراطيات الناشئة¿ وبلادنا واحدة منها وهي تواجه الاختناقات الحادة وتفاقم الأزمات السياسية المدمرة¿ مع اضطراب الفهم لعلاقة السلطة بالمعارضة ولحقائق الحياة التعددية وفي صدارتها القبول بالآخر ورفض احتكار الحقيقة والمصلحة والمعرفة وكلها مرتبطة بمفهوم السلطة بالإضافة إلى انعدام روح القبول بنتائج آلية التنافس الواضح والمحكم من أجل الوصول إلى مبدأ التداول السلمي للسلطة باعتبارها من أهم الأسس الدستورية في النظام الديمقراطي وتطبيق الحكم الرشيد.
ومع ذلك كله يتردد مؤخرا وبصورة ملحة مصطلح الديمقراطية التوافقية في حديث عدد من المفكرين السياسيين بفضل التوجه السياسي القائم والتفكير جديا للاحتكام إلى الحوار ومبدأ التوافق لتطبيق مبدأ الشراكة في إدارة دفة الحكم في ظل وفاق وطني بين كافة الأطراف السياسية الفاعلة والمؤثرة إيجابا في الحياة السياسية وما يمكن أن نسميه بالحركة العقلانية الوفاقية وبهدف تمكين التعددية السياسية في البلاد من النضوج المتدرج وكمرحلة تاريخية تقود إلى ما يمكن تسميته بالنضوج الديمقراطي التعددي وبما يحقق التشكل الطبيعي والحقيقي لمكونات المجتمع السياسية بين يمين ويسار ووسط وسيادة الروح الديمقراطية في عقلية ونفوس وضمائر السياسيين كلهم!! وامتلاكهم القدرة على القبول بنتائج الانتخابات العامة بكل الرضى والاطمئنان والتحصن من أمراض الشعور بالإقصاء والهامشية!! والتعافي من صور الاختناقات السياسية المربكة والأزمات المعطلة التي أضرت بكثير من الديمقراطيات الناشئة – كما هو الحال بالنسبة لبلادنا – وأدت إلى اضطراب الفهم لعلاقة السلطة بالمعارضة ولحقيقة الحياة التعددية التي لا

قد يعجبك ايضا