تأملات.. التنافس الهدام.. والتنافس البناء (2-2) 

محمد عبدالماجد العريقي


محمد عبدالماجد العريقي

 

محمد العريقي

عندما تكون الأفكار النظرية مستقاة من أرض الواقع فإنها تكون أكثر قابلية للمنطق وتقدر دور العقل في تحليل الوضع على ضوء المعطيات وبالتالي يصبح من السهل التوصل إلى نتائج وتبني قرارات عملية ويفتح إمكانيات فتح أفق للمستقبل ولا شك أن الكثير من الباحثين والمهتمين ومتخذي القرار يركزون على هكذا مواضيع وهذا ما جعلني استعرض باقي المقالة التي كتبها الدكتور إسماعيل الجند عام 1992م ولم يتاح نشرها في ذلك الوقت ووجدت أنها كانت تستشرف واقعنا الراهن.

وتركز المقالة حول ظاهرة التنافس الهدام والتنافس البناء وهناك فرق شاسع بين المصطلحين وهنا يواصل الدكتور الجند طرح رؤيته فيقول:

ربما لا يوافق الكثير على ما سأطرحه من تطور حول التنافس من حيث الأسلوب والشكل سواء لدى الأفراد أو التنظيمات السياسية في بلادنا إلا أن قناعتي التي دفعتني للكتابة حول هذا الموضوع والتي تبنيتها من تجربتي في الحياة منذ أن كنت طالبا صغيرا في بداية الستينات عاش ظروف الثورة وحصار صنعاء مرورا بدراستي الجامعية في تشيكوسلوفاكيا وأخيرا دراستي العليا في فرنسا هذا التنوع سمح لي بمقارنة أمور كثيرة والتعرف على بعض الأسباب التي أدت إلى أن تصبح تشيكوسلوفاكيا على ما هي عليه اليوم والمكانة التي تحتلها فرنسا بين دول العالم. ومن هذا المنطلق ورغم اختلاف شكل الحكم السياسي لليمن اليوم مع تشيكوسلوفاكيا في السبعينات وتقاربه من حيث المظهر مع ما هو موجود في فرنسا حاليا إلا أنني أجد أن التشابه بين سلوكيات أفراد المجتمع في بلادنا بصورة عامة أقرب منها لتلك التي عاشها الشعب التشيكوسلوفاكي في الفترة المذكورة فانعدام مبدأ الثواب والعقاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب والتوظيف غير المسئول واستخدام الوساطة والرشوة كوسيلة أساسية لشغل مناصب عالية في الدول وبقاء المسئول في منصبه طوال حياته وحل مشاكل الأفراد على حساب تعقيد مشاكل الوطن وغير ذلك من العوامل قد أثرت على سلوك الأفراد وقضت على التنافس البناء في تطوير قدرات الأفراد العلمية والإنتاجية والوظيفية والإبداعية وساد تنافس هدام تمثل في جمع المال بطرق غير شرعية وإفشال ومحاربة أعمال الغير إن وجدت إضافة إلى التنافس السلبي بين أصحاب رؤوس الأموال الذين حولوا أموالهم إلى قصور بدلا من تكوين الشركات والمشاريع الزراعية والصناعية التي ستعود فوائدها عليهم وعلى المجتمع وتضمن الاستقرار للجميع وهو السلوك الذي لمسته عند الفرنسيين. فالفرنسي يكتفي بأن يمتلك شقة أو منزلا متواضعا ليستثمر أمواله بشراء أسهم للشركات التي تعمل على تقوية الاقتصاد الوطني. صحيح أن أصحاب العقارات يحصلون على أرباح ولكن هل تضمن استمراريتها بدون وجود اقتصاد وطني قوي يثبت الاستقرار الاجتماعي. والأمثلة كثيرة في حياتنا اليومية على التنافس السلبي والهدام بين أفراد المجتمع وهذه أمور تدل على تدني مستوى الوعي لدى الناس وليس حسبما يطرحه السياسيون من أن شعبنا واع ولعل العدد الكبير من الأحزاب التي تكونت منذ 22 مايو لدليل واضح على ذلك.

إن جميع الأحزاب تعلن على لسان زعمائها وعبر الصحف التابعة لها أنها قد وجدت من أجل خدمة الشعب والجماهير وتحقيق العدالة والتقدم من خلال تقوية الاقتصاد وتطبيق القوانين العادلة مع أن الممارسات اليومية لا تدل على شيء من ذلك فالتنافس القومي الذي تمارسه هذه الأحزاب فيما بينها يكاد ينحصر على اصطياد أخطاء بعضها البعض وتسجيل أكبر عدد من الأعضاء أو الأنصار بغض النظر عن نوعيتهم ومواصفاتهم أو حتى قناعاتهم بالبرامج السياسية والاقتصادية إن وجدت بل إن كثيرا من المتحزبين تحل مشاكلهم الشخصية على حساب مصالح وطنية ومع أن غالبية الأحزاب مشاركة بصورة غير رسمية في الدولة فالجميع يستغلون مراكزهم لتوظيف أبنائهم الأمر الذي جعل مؤسسات الدولة ممتلئة بالبطالة المقنعة زيادة على ذلك منح الدرجات التي تحرم منها كوادر فنية مستحقة وكون السلطة وحدها هي هدف الجميع لذا يجد المرء أن بعض الأحزاب التي تعتبر نفسها معارضة تتجاهل بل وتساعد على انتشار الفساد والرشوة ومخالفة النظام والقانون معتقدة أن ذلك سيثير غضب الناس وسخطهم مما يسهل حصولهم على مكاسب انتخابية.

إن على الأحزاب والتجمعات السياسية في بلادنا أن تفهم أن مستقبل الشعوب يرتبط بحاضرها وأن اليمن لا يمكن بناؤه بالشعارات ولكن بالالتزام بأمور أساسية منها:-

1) التنافس الإيجابي والبناء بين هذه القوى ابتداء بكسب عناصر وطنية شريفة وصالحة قادرة على التنافس في ما بينها في الإخلاص وبذلك الجهود واحترام القانون والمال والممتلكات العامة ومحاربة الفساد والرشوة.

2) الاتفاق على استراتيجية عامة لفترة زمنية معينة تحدد الاتفاق المشترك للوضع الذي يجب أن يكون عليه اليمن اق

قد يعجبك ايضا