مرض السياسة وكابوسها
صولان صالح الصولاني
صولان صالح الصولاني –
لا يختلف يمنيان على أن الحديث والنقاش في الشأن السياسي أصبح يقض مضاجعنا ويداهمنا في منازلنا ومجالسنا ومقار أعمالنا وأثناء تنقلاتنا عبر باصات الأجرة وكأنه مرض معد أصيب به غالبية الناس وتتمثل أعراضه في الهذيان ووجع الرأس وضيق في النفس و.. إلخ والقلة المتبقية من أبناء مجتمعنا اليمني برغم عدم إصابتهم بهذا المرض (الخبيث) لكنهم في المقابل لم يسلموا من كابوس السياسة الذي يترصدهم في حلهم و ترحالهم.
لا أخفيكم بأنني ذات مرة قررت أن أتخلص من هذا الكابوس السياسي ولو ليوم واحد فقط مستغلا عزاء أهل الجيران في الحي الذي أسكنه عندما مات قريبهم رحمة الله تغشاه والذهاب لتقديم واجب العزاء في أحد الأيام لأنني كنت أجهل أن مرض السياسة وكابوسها قد غزى حتى مجالس العزاء حيث أبى أربعة من المعزين اثنان منهم كانا جالسين بجانبي عن يمين وعن شمال واثنان أمامي إلا أن يستخذدموا حق النقض الفيتو ضد قراري «المنكوب» من خلال برنامجهم السفري «الاتجاه المعاكس» الذي أداروه باقتدار ولم يحتاجوا لفيصل القاسم ولا لقناة الجزيرة لإجراء الحوار بينهم.
وبرغم حرصي الشديد على التزام الصمت للخروج بأقل الخسائر إلا أن الأربعة اصروا علي إصرارا” مباغتا” حتى ولو لم تكن هناك معرفة بيننا من قبل بأن أكون ضيف النقاش لإبداء رأيي وموقفي من الحديث السياسي الحامي الوطيس الذي دار بينهم ما بين مؤيد ومعارض فاشترطت منهم في المقابل عدم المعاطعة لأن موقفي مستقل ومحايد فوافقوا على ذلك ثم بدأت سرد رأيي بحرية وكأني ألقي خطابا سياسيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أو أمام مجلس الأمن الدولي كممثل (حصري) لبلادنا فقلت لهم :
“لقد توصلت إلى قناعة شخصية مفادها ألا انخرط في أي حزب أو تنظيم سياسي وألا أقحم نفسي في أي صراعات سياسية من التي شهدتها بلادنا في الآونة الأخيرة… وحتى الربيع العربي- ذائع الصيت وحديث الساسة والقنوات الإعلامية- الذي اعتقدته في بادئ الأمر بأنه أحد الفصول الأربعة لم أعد أصنفة إلا على أنه (كذبة العصر) أو (كذبة ابريل) أو أي كذبة من كذبات القرن الحادي والعشرين.
وموقفي من جميع الأطراف السياسية المتصارعة أثناء الأزمة محايد في بعض الأحيان وفي الغالب كنت أتخذ شعار “لا أرى” لا أسمع لا أتكلم”.. ويكون في علمكم انه لم تطأ قدماي أي ساحة من الساحات والميادين التي شهدت مظاهرات واعتصامات وحتى احتفالات منذ بداية الأزمة وحتى الآن كما أنني قاطعت صلاة الجمع المذيلة بالشعارات والكلمات الرنانة التي عادة ما كانت تقام في الساحات والميادين العامة خلال الأزمة سواء مع هذا الطرف أو ذاك بقدر مقاطعتي للمنتجات الدنماركية أثناء نشر صحفها الإعلامية للرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبينا محمد «صلى الله عليه وآله يعجبه يضرب برأسه» ثم غادرت قاعة العزاء بعد تعرضي لذلك الـ “كمين” والـ” رازم” السياسي الغادر والجبان وحسبي الله ونعم الوكيل.
إنه لمن المفارق أن تستطيع الحكمة اليمانية تجاوز الخلافات التي عصفت بالبلاد على مدى العام الماضي لكنها عجزت إلى حد الآن عن إيجاد الوسائل والأساليب التي تقي المجتمع من كابوس السياسة ومرضها الذي استشرى في أوساطه بفعل تأثيرات الأزمة.
وأنوه هنا بأن المجتمع اليوم أحوج ما يكون إلى من يغرس فيه حب الولاء للوطن وروح الأخوة والود والتراحم في ما بين أفراده وإبعاده عن المهاترات الحزبية والسياسية الضيقة التي لاتخدم سوى أعداء هذا البلد والأمة العربية والإسلامية بأكملها.