عن الجريمة التي هزت وجدان العاصمة 

الدكتور عبدالعزيز المقالح


الدكتور/ عبدالعزيز المقالح

د.عبدالعزيز المقالح
   منذ زمن هابيل وقابيل حتى الآن والأرض مسرح لأكثر العروض وحشية ودموية . وعلى الرغم من اتصال السماء بالأرض من خلال الرسل والأنبياء . إلا أن الإنسان هو الإنسان تتغير ظروفه ومعالم حياته من حال إلى حال ولا تتغير نوازعه وطموحاته التي قد تلتزم الخير حينا ولكنها تلتزم الشر في أغلب الأحيان . ولا يبدو إنسان العصر الحديث مختلفا عن إنسان القرون الأولى رغم كل ما توفر له من أساليب التعليم والتطور التقني فقد توفر له بالمقابل المزيد من أساليب الشر وآلياته المتطورة التي جعلته – إلا من رحم الله – يزداد وحشية وبعدا عن قيم الخير والمحبة وعن قيم الحق والسلام . وما نشهده ونسمعه ونقرأه عن حوادث مرعبة يصنعها الإنسان لنفسه وللآخرين تشيب له الجبال وتتكدر الصخور! وهل هناك أفظع وأبشع من أن يقتل الابن أباه والأخ أخاه والرجل أمه.

   إن الزمن لم يعد غريبا وحسب وإنما صار مريعا ومخيفا. وما حدث في هذه العاصمة منذ أيام من قتل الابن لأبيه وأخته وأخيه ومن نجاة الأم من القتل بأعجوبة لهو أحد المنكرات غير المسبوقة في تاريخ الأرض وتاريخ الإنسان وفي تاريخ هذه المدينة العامرة بالمساجد والمآذن والمدارس والجامعات والمكتبات . ولو حدث ذلك في زمن الغابات والكهوف البدائية لكان موضع استهجان ورفض وإدانة ولاقشعرت منه جلود الحيوانات فضلا عن البشر فكيف في عصر العلوم الشاملة والمعرفة المتكاملة . والسؤال الدائم الذي لا مفر منه هو: من أين أتى هذا الانحدار في القيم والأخلاق¿ هل من خلل في هذه المؤسسات الروحية والتربوية¿ أم من هجمة بعض القنوات التلفزيونية التي أفسدت الهواء والفضاء¿ أم من الخلافات السياسية التي أشاعت خطاب العنف وابتعدت بالناس عن مناقشة أمورهم الحياتية بقدر من العقلانية والحب للناس والولاء للوطن¿

   هل أقول إن الإجابة الصحيحة لن تستقيم ولن تكون على درجة عالية من الموضوعية إلا إذا حـملت مسئولية تدهور القيم وإنهيار الأخلاق كل هذه الجهات بوصفها مسئولة عن غياب روح التسامح وانعكاس ذلك على الشارع والبيت وعلى مرافق الحياة مما جعل العدوانية المحرك والمحفöز للانتقام من القريب والبعيد على السواء هي الطابع السائد في المجتمعات عامة والمجتمعات المتخلفة خاصة وما يترتب على ذلك كله من انفعالات هستيرية واندفاع جنوني إلى القتل والتخريب والتحلل من كل الروابط الإنسانية بما في ذلك رابطة الأبوة والأمومة والأخوة وهي أعلى وأسمى الروابط في المجتمعات الإنسانية والحيوانية أيضا .

   لقد حزنت كثيرا لمصرع المخرج الإذاعي المتميز والإنسان النبيل عبدالرحمن عبسي على يد أبنه وحزنت لمصرع بقية أفراد الأسرة المنكوبة لكن حزني يبقى أعظم لما وصلت اليه القيم الأخلاقية والروحية في بلادنا من هبوط وتسفل ومن موت للضمير الفردي والجمعي وتزايد ظواهر الفتك والقتل استجابة لمشاعر شاذة وغريبة وغير مسبوقة ومثيرة لأقصى درجات الحسرة حيث بات قتل الابن لأبيه والأخ لأخيه من الممكنات التي لا يحول دونها وازع ولا رادع . كما بات الاختطاف وقطع الطريق وقتل المواطنين الأبرياء عملا سياسيا مرحبا به من بعض الأطراف التي أعماها الحقد وفقدت أدنى حد من الإيمان بالله وبالوطن والإنسان ويسعدها لاشك هذا الجو المشحون بالكره والنقمة والحقد والانتقاص من قيم الأخوة والمواطنة وما يتعارض مع كل القيم والتقاليد والأعراف.

سلمى الخيواني في دوائر الماء :

   إصدار جديد لمكتبة البردوني في مدينة ذمار يتمثل في المجموعة القصصية الأولى للمبدعة سلمى الخيواني. ورائعة هذه الاستعارة البديعة التي حملها العنوان (دوائر الماء) حين جعلت من الإبداع ماء ومن تشكلاته إلى دوائر فيها الطويل والقصير والقصير جدا . وكأننا ونحن نقرأ المجموعة ونتابع قصصها المختلفة الأحجام نتابع دوائر الماء وهي تتسع وتضيق . وهكذا هو هذا العمل الفني الذي أبدعته القاصة سلمى الخيواني بقصصه وأقاصيصه وما تشكله من دوائر تصل في نهايتها إلى درجة من التركيز والتكثيف .
 
تأملات شعرية:

آه واحسرتاه 

على زمن الغاب

ذاك الذي لم يكن يقتل الابن فيه أباه

ولم تكن الطائرات تبيد الملايين

في طلعة واحدةú.

آه واحسرتاه

على بلد نضب الحب جفتú ينابيعه

في صدور بنيهö

ولم يبق فيها سوى بؤر

لروى حاقدة.

    

قد يعجبك ايضا