شيطان التكنولوجيا وجاهليتنا الحديثة..!!
عبدالله الصعفاني
مقالة
عبدالله الصعفاني
“خلاص”.. لم تعد الأم مدرسة.. ولم يعد الأب جامعا.. راحت على الأب والأم والمعلم.. وأعلن شيطان تكنولوجيا الإعلام الجديد أنه سيتولى التربية والتعليم وصياغة العقل والوجدان والضمير..
ذات يوم ذهب أحدهم إلى قاض في ذمار واشتكى له قائلا: لقد قام أخي بضربي في الرأس وهذا هو الدم. فأجاب عليه بلغة القضاة:”مش معقول.. أخ يفدج أخوه.. ما ينبغيش”.
فما كان من الأخ “المفدوج” إلا القول: “لقد انبغى يا قاضي”..!!.
أما اليوم فقد اقتربت الساعة.. الولد يرد على عمل وسهر والده بقتله وقتل أخيه وأخاه والصاحب يقتل صاحبه وزوجته وطفلته وفي سجلات الأمن والمباحث والقضاء والنيابة جرائم تجعل الضمير يتمنى التشييع بليل.
مثل هذه الجرائم كانت استثناء إذú أسس لها “قابيل” عن جهل فصارت اليوم ظاهرة توجع القلب وتمزق العقل ويتشظى لها الضمير.
جرائم تزهق فيها أرواح الأب والابن والأم والأخ والأخت بعضها تنال من النفس وبعضها لا تراعي عرضا ولا يردعها دين أو أخلاق..
وأقف هنا عند هذا الحد من البكاء على الحليب المسكوب لأشارككم نقاش السبب الذي يخفف العجب دون أن يرفع عن عقلاء وزعماء الأمة العتب.
لم يعد بمقدور الأب والأم والمدرسة إن وجدوا فعلا مقاومة هذه الموجات العالمية الهادرة عنفا وجنسا وانحلالا وإرهابا وتطرفا .. الأمر الذي أوقع المنظومة الأخلاقية للكيان الاجتماعي العربي في خطر.. كان الشباب يبحثون عن ساعة عنف في دار للسينما فصار العنف والفجور يحاصر الطفل والشاب في غرفة الطعام وغرفة النوم حيث يكفي أن تفتح فضائية من مئات الفضائيات أو تضغط على زر الانترنت فتقول شياطين الدم والعري والفساد الشامل “شبيك لبيك” كوارث الدنيا بين يديك.
لقد أسميناه انفتاحا على الآخر فإذا هو مجرد غزو ثقافي ساحق ماحق بجرعات العنف والتخريب والاستلاب.. أعمال درامية ولقطات مكثفة تستهلك الفطرة السوية تغتال الضمير.. تصادر العقل وتخدش الحياء وبوسائل إبهار ماحقة.. ومن الواضح أننا سمحنا للفراغ أن يتوسع بشكل مذهل فجاء من يملأ هذا الفراغ بثقافة غريبة أفسدت ذائقة الأطفال وشوهت عقول الشباب وعجلت بهرم الكبار.
وكان يمكن أن تستفيد الأمة من تكنولوجيا الإعلام فتحارب التطرف والغزو وتحارب الذوبان الثقافي الشامل في الآخر لكن ما حدث هو افتتاح عشرات المحطات الفضائية التي تراوح بين الاستنساخ للثقافة الغربية التي صار الإعلام والفن العربي يقلدها بعبط تحت بيرق الانفتاح على الآخر وافتتاح فضائيات تنبش القبور وتذكي الصراعات.. سنية وشيعية صوفية وسلفية سعيا للمزيد من التشكيك في تاريخينا وديننا ورموزنا والتشعب في الفتوى والصراع المذهبي والتكفير وإثارة النعرات الدينية والطائفية.. وطبيعي أن يكون لكل ذلك تأثير على مجمل أشكال السلوك الفردي والجمعي.
لقد كان المأمول أن ننهل من تراثنا الغني بالقيم فإذا بنا نقع فريسة سلطة إعلام التكنولوجيا الغازية وسلطة جاهليتنا الحديثة..