كان وقبائلها«29»
والوطن يبكي بغزارة
كي يبدو على قيد الحياة..
كان الوهم
يتزين بالأمجاد الورقية
ويرفع أنخابه عاليا
ويهرق جرار خموره الحلال
على الطرقات المؤيدة لأعمدة دخانه
وفوق رؤوس أوثانه
ويرقص مبتهجا
بأول قطفة من بستان ربيع أعنابه
ويوزع على المشردين
أقساطا من النشوة العابرة
وكؤوسا طافحة بالفراغ المؤجل
وبهتافات منقوعة بطلاء الأزقة الخلفية..
كان الوهم
يبتسم مثل »جنتلمان«
ويطلب من »دافنشي« رسمه
بتقنية غامضة
وبوضعية مثل »الجوكندا«
كي يسوق نفسه
في انتخابات الشظايا القادمة..
كان النخاس
يستعيد ماضيه الاستعماري
ويخفي غبار اللعنات
من وجهه المكدود
ومن تاريخه المبطوح على بطنه..
كان النخاس
يعرض على الجوعى بضائعه
ويبيع عبيد الأيديولوجيا بأسعار بخسة
ويعرض غلمان الأحزاب للمزاد العلني
ويدعو الفرنجة للفرجة
على أجساد جواريه العارية..
كان النخاس
يعمل في جميع المهن الواطئة
ويصرح لقنوات العهر العربية
بمدى تعبه في الأعمال الإضافية
وفي البحث عن حمير قوية
تقوم بمهام ليلية
في غرف نوم أمراء الحرية..
كان الضوء
ينأى بنفسه عن الصراع
مع عبدة الظلام
ويؤجل ثأره من أذناب الغسق
حتى يرى فجره.
كان الضوء
يتجنب خوض الحوارات العقيمة
ويشيد بدور الشموع
في التصدي لكثافة ظلام الخونة
ويشد آزر بريق عابر
بموعد رحب للتعارف
ويلوح بإعجاب لوميض مبهر
يتقدم باتساع نحو الجهأت الأربع
ويمر من جوار تجمع السفسطائيين
وجموعه المكفهرة دون أن يمنحهم نظرة..
كان الضوء
يتعوذ من شر الظلام ومكائده
ومن شر العيون المطفأة
ومن شر دواب الرؤوس الظلامية
ويرفض أن يتوقف أمام حواجز الكآبة
أو يرد على أسئلة الأفكار المعتمة
أو يعود من حيث أتى..
كان الضوء
يعلن حضوره بقوة النور
وينأى أن يدلي برأيه
في الحوارات الرخوة
بين عميان البصيرة
وبين إمعات المسيرة
بين المفردات الكسيحة
وبين المعاني الهزيلة.
كان الضوء
يعرف إلى أين مساره
ويدرك أنه دوما على حق
وأن أصابعه في نهاية المطاف
سترفع شارة انتصاره..
كان الابتذال
يطالب »اليونسكو« بالمحافظة على إنجازاته
وبإدراجها ضمن التراث العالمي
وبتخصيص يوم عالمي
للاحتفال به وبأحفاده..
كان الابتذال
يبشر جميع الموبقات
بميلاد عصر يحترم حقوق الأقليات
وبدعم دولي لجميع الساقطين
في حصة الأخلاق العامة
والتربية الوطنية
وجميع الساقطين
من قيد الانتماء
والهاربين من الطابور الصباحي
في حضرة الوطن..
كان الهشيم
يؤول خطى أولاده
ويطرف لعرافة الشارع
كلما أخبرته بجنوح الرياح إلى السلم
وتوبتها من مطاردة خفاياه..
كان الهشيم
يسف طموحاته في وجه الصمت
ويزعق بغطرسة مزركشة
متحديا جميع الأنظمة
أن تجادله أو تنازله أو تواجهه
أمام جمهور الفضائيات
أو أن تسابقه
في مضمار الأقدام السريعة
أو تشد معه حبل الواقع..
كان الشهيد
ينتظر تفسيرا لمعنى شهادته
وينتظر تليفونا ساخنا
يخبره بمنحه حقيبة وزارية
في الحكومة الجديدة..
كان الشهيد
يبعث بقبلاته إلى متراسه الوطني
وإلى ابنه الرضيع
ويوصيه بأداء الصلوات الخمس
ونافلة من أجل الوطن..
كان الشهيد
ينتظر تليفونا
ليرد عليه مبتسما :
دمي منحني أشرف المناصب
وجعلني من المكرمين..
كان اليأس
يطالب بلجنة تحقيق دولية
في اغتيال أحلامه القديمة
ومعرفة منú هو المخطط الداهية
لقلع أنيابه وتبديد ألوانه الباهتة
ومنú جعله يحبو على أربع
ويعترف للأمل بهزيمته الكبرى..
كان الممنوع
يروي سيرته على »الأصمعي«
ويشذب شواردها مع »الثعالبي«
ويستعين بالجاحظ لرفدها بخفايا الحيوان
ويستشير سيبويه في