من لم يعلمه الزمن ..يعلمه اليمن!
–
يوسف الديني
اللحظة الدراماتيكية – على طريقة تسليم شعلة الأولمبياد – التي سلم فيها الرئيس اليمني السابق – أو الباقي أو المجاز لكن حتما ليس المخلوع بالصيغة التي يتخيلها الثوار – تبدو أقرب إلى روح السينما الأمريكية التجارية المعتمدة على تكثيف اللحظة العاطفية ولو بشكل مفتعل لكن أداء الرئيس علي عبدالله صالح كان متميزا بغض النظر عن أي معيار تقييمي آخر سوى أن الرجل كان أذكى الحكام المثار عليهم وربما يرجع ذلك للخبرة الطويلة التي مارسها كضابط إيقاع بين المتناقضات القبائل والمثقفين والاشتراكيين والانفصاليين وحتى الحوثيين.
لقد كان صالح رجل التفاصيل الصغيرة في الداخل حيث أطلق رجال عائلته والمقربين منه لإحكام القبضة الأمنية والاقتصادية وحتى العلاقات بين الفرقاء كما كان رجل الشعارات الكبيرة في الخارج حيث التلويح والضغط بكارت «القاعدة» للغرب والدول المجاورة وبث القلق حول انفجار الأوضاع بسبب ما آلت إليه الحالة اليمنية اقتصاديا حيث استطاع أن يتنصل من مسؤولية الدولة ليجعل المجتمع الدولي يشعر بتأنيب الضمير السياسي تجاه تقصيره في اليمن الذي بات أكثر خطرا وتهديدا مع هجرة «القاعدة» إليه وأكثر استقطابا للتحالفات السياسية بعد دخول المحور الإيراني له عبر بوابة الحوثيين العريضة والغامضة. ومن الجدير بالذكر أن المحور الإيراني بدأ يتخطى ارتكازه على الحوثيين في اليمن لينتقل إلى مجموعات وأطياف من المعارضة النخبوية والتي تضم لفيفا غير مؤثر من الصحافيين والناشطين ذوي الميول اليسارية والناصرية الذين استطاع صالح باقتدار تهميشهم بل وجعل الشارع الثائر يلفظهم.
أزعم أن دهاء صالح السياسي مكنه حتى من التحكم في إيقاع الثورة وإن كان خطؤه الاستراتيجي ارتباكه في تقديره حجم أنصاره وقدرة الغضب السياسي في الشارع على التحول إلى براكين مشتعلة متى ما سال الدم وإن كان الأكيد أن جزءا من تصاعد الثورة اليمنية كان مناطا بالخارج وسرعة المبادرة الخليجية ودقتها ووحدة النسيج اليمني بسبب رافعة القبيلة حتى بين «الإصلاح» و«اللقاء المشترك» والقبائل إضافة إلى الارتدادات «المعنوية» لباقي الثورات على اليمن.
من رئيس مثار عليه إلى مستهدف بالتفجير إلى رئيس مؤقت إلى معزول إلى حاضر كنظام ومؤسسة وغائب كشخص تبدو سيرة الرجل السياسية بحاجة إلى دراسة أوسع لا سيما أن «حفلة» الأمس رغم رومانسيتها الرمزية فإنها لحظة استحقاقات كبرى لليمن الجديد بدأت تطلق صافرات الإنذار لدول الجوار وعلى رأسها بالطبع السعودية المعنية بشكل جوهري وأساسي باليمن. فمسلسل التفجيرات القاعدية الشهير بدأ والرغبة في الانفصال بدت أكثر من ذي قبل لدى الجنوبيين وحتى الشارع اليمني بدأ يشعر بأن غنائم ثورته لم تطله أبدا.
في كلمته قال عبدربه منصور هادي الرئيس الجديد «كل ما أتمناه أن أقف بعد عامين في مكان علي عبدالله صالح وأن يقف الرئيس الجديد في مكاني وكل طرف يودع الثاني وهذه سنة الحياة في التغيير». التركيز على الرئيس القادم والتمحور حوله هو مطلب الجميع لكنه ليس ما سيعيد عافية اليمن فالاستحقاقات الأمنية والاقتصادية والوحدة أهم بكثير من أي تغييرات شكلية نحن نعلم أنها لم تطل ولن تطال الجيش وإن كانت هناك عمليات تنظيف واسعة لمرافق الدولة تشبه إلى حد ما طريقة «الطلاق الإيجابي» الذي حدث مع الرئيس.
هذا الطلاق الإيجابي تصر المعارضة على تصويره خلعا وتمضي في المطالبة بضرورة هيكلة القوات المسلحة وإقصاء عائلة صالح عن الجيش والأمن وكما جاء على لسان أحد أقطاب المعارضة «لقد انتخبنا هادي ليكون رئيس اليمن لا موظفا عند علي عبدالله صالح».
أعتقد أن ثمة مغالطات كبيرة في فهم طبيعة علاقة الرئيس بالمكونات السياسية للمجتمع اليمني وهو أمر تكاد ينفرد به اليمن دون غيره وهو ما تحدثت عنه في مقال سابق عن مفهوم الشكلانية السياسية في اليمن وأنها قائمة على «قبلنة» الدولة الحديثة أكثر من تمدين القبلية وهو نموذج إلى حد كبير يشبه مشروع الأسلمة الذي تتبناه جماعات الإسلام السياسي وإن كان بشكل أكثر انفصالا عن أي رؤى آيديولوجية ضيقة.
من جهة ثانية فإن بقاء عائلة الرئيس وهو شكل من أشكال بقاء الرئيس نفسه بات مطلبا أمريكيا بالدرجة الأولى بعد أن شكلت تهديدات عودة «القاعدة» إلى المشهد جدية أكبر خلال الأسابيع الماضية والأمر المرشح للتصعيد متى استطاعت «القاعدة» تنفيذ ضرباتها وخلق الفوضى من جديد.
الرؤية الأمريكية الجديدة لليمن تتلخص في إيجاد خطط طويلة المدى لإعادة تأهيل المؤسسات العسكرية بطريقة تمكنها من التصدي لـ«القاعدة» وهي خطط تذكرنا بأخطاء الأمريكيين في أفغانستان وذلك بالتركيز على الأمن وإغفال مسببات انفجار الأوضاع وهي اقتصادية بامتياز في اليمن كما أن مغامرة الأمريكيين بإرسال فرق عسكرية صغيرة لإنفاذ ضربات لـ«القاعدة» أو حتى نشر طائرات من دون طيار ست