رسائــل مــن صنعـــاء



محمــد جميـــح
الذي قال إن الحكمة يمانية صدق وصدق كلمته اليمنيون على الرغم من أنني على المستوى الشخصي كنت قد بدأت أشك في أن الحديث يشمل اليمنيين اليوم. يوم 21 فبراير (شباط) 2012 وبينما أنا واقف في طابور الاقتراع لأمارس حقي في الانتخاب خرج أحد المواطنين بعد أن غمس إبهامه الأيسر في قارورة الحبر وما إن دلف خارج باب المركز الانتخابي حتى رفع يديه إلى السماء ودعا في لهجة صادقة «يا رب اجعل هذا اليوم يوم فرج… تعبنا». التفت إلى مصدر الصوت كان الرجل قد ولانا ظهره ماضيا خارج المركز الانتخابي لمحت مؤخرة رأسه البيضاء تذكرت رجلا تونسيا آخر وضع يده على رأسه وهو ينشج «هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية». نعم رأيت صنعاء وقد تدلت على جبينها الجميل خصلات بيضاء جراء أحداث العام الماضي ابيض شعر صنعاء خلال عام كما لم يبيض خلال آلاف السنين من تاريخها العريق. وبين «تعبنا» اليمنية و«هرمنا» التونسية تختصر أسفار من معاناة وتطلعات شعوب ما بين الماءين.
رسالة 2
> الساعة الثامنة مساء في بهو فندق تاج سبأ أتجاذب أطراف الحديث مع عضو مجلس اللوردات البريطاني البارونة إيما نيكلسون حول اللحظات المروعة التي مرت بها في أحد مراكز الاقتراع في محافظة عدن بعد أن أطلق متطرفون في الحراك النار على المركز أثناء وجودها فيه مع عدد من المسؤولين. اتهمت البارونة عناصر متطرفة من الحراك بالقيام بمحاولة ترويع الناخبين لتعطيل عملية الاقتراع. قالت نيكلسون «رسالتي للمتطرفين في الحراك الجنوبي: لقد فشلتم» ذكرت نيكلسون لي أن الحراكيين طلبوا اجتماعا خاصا معها بعد أن ساءهم كلامها الصريح عن فشلهم ردت «أعطيتهم إيميلي وعنواني للتواصل وحددت لهم اجتماعا آخر كررت فيه الرسالة ذاتها: لقد فشلتم فشلتم لأن الناس ذهبوا للاقتراع رغم تهديداتكم بالقوة لمنعهم وفشلتم لأن الانتخابات نجحت». أضافت نيكلسون: «لا نريد أن نستثني الحراك من الحوار ولكن نريد أن نوصل له رسالة قوية مفادها أن اللجوء إلى العنف مرفوض». وقالت نيكلسون أيضا: «هذه فرصة تاريخية لليمنيين عامة وللجنوبيين بشكل خاص لأن الرئيس الآن من الجنوب ورئيس الوزراء من الجنوب وكثير من وزراء الحكومة من الجنوب». وقالت أيضا: «اليمن بحق قائد بلدان الربيع العربي». قلت لها أريد أن أراك في لندن لنكمل هذا الحديث. قالت «سنلتقي حتما». وكنت معها في لقاء قصير على الهواء وكررت الكلام نفسه. طبعا ما ذكر منشور في الصحافة المقروءة والمرئية. غدا سيقول الحراكيون التقدميون جدا إن البارونة واحدة من «الدحابشة» بانتقادها للذين حرقوا خيام شباب الثورة في عدن والمكلا وأحرقوا صحيفة «أخبار اليوم» في الضالع وأطلقوا النار على ضيوف اليمن ووزرائها في مراكز الاقتراع يوم 21 فبراير الماضي. هؤلاء «السلميون» الذين يعتمدون سياسة إضرام النار يمتون بنسب إلى عبس وذبيان قبل مئات السنين في الوقت الذي ينادون فيه بدولة عصرية.
رسالة 3
> الشكوك حول تواطؤ قيادات أمنية ومحلية في عدن في تيسير حصار مسلحي الحراك لمركز جميل غانم للاقتراع في عدن هذه الشكوك فيما يبدو أصبحت شبه مؤكدة. قالت وزيرة حقوق الإنسان التي حوصرت مع البارونة البريطانية في المركز المذكور إنه بات من المؤكد أن قيادة الأمن في المحافظة ورئاسة المجلس المحلي ضالعة في الأمر بشهادات موثقة. قلت في نفسي إن وزيرة حقوق الإنسان من اللقاء المشترك المعارض ولا بد من التثبت من هذا الاتهام. ذهبت إلى من أثق بهم في المؤتمر فأكدوا ذلك. هذه القيادات لا تريد أن تهدأ عدن بالذات لأن هدوءها يعني وقف المبالغ الضخمة التي تصرف لها لمواجهة تأزم الوضع الأمني الذي سعت هي لتأزيمه على ما يبدو. في تصوري إذا صحت هذه الأخبار – وهي شبه مؤكدة – فإنها كارثة وطنية تقتضي إقالة فورية لهذه القيادات وتقديمها للمحاكمة بتهمة جنائية وهي التورط في قتل مدنيين سقطوا في عدن يوم الاقتراع وتهمة سياسية تتعلق بالتحريض ضد وحدة البلاد.
رسالة 4
> يوم السبت 25 فبراير حضرت جلسة البرلمان اليمني التي أدى خلالها الرئيس عبد ربه منصور هادي اليمين الدستورية من مكان قريب رأيت وسمعت الرئيس يقول: إن التغيير قد اكتسب شرعية شعبية غير قابلة للإنكار أو التشكيك. وهذه رسالة قوية لبعض مراكز القوى في طرفي حكومة الوفاق مفادها أن من لا يزال يفكر بعقلية بلطجية فإن عليه أن يضع نفسه في مواجهة الشعب الذي تدافعت ملايينه للتصويت. هي رسالة كذلك لبلاطجة الحراك الذين أرادوا تعطيل عملية الاقتراع كما أنها رسالة لبلاطجة الحوثيين الذين اختطفوا محافظة صعدة بأنهم سيوضعون قريبا على المحك وأن صعدة لا بد أن تعود إلى الجمهورية اليمنية لسبب بسيط وهو أنها لم تعد جزءا من الإمامة المتوكلية ولن تكون جزءا من هلال إيراني في المنطقة. كان الرئيس هادي يقسم بالله العظيم على أن يفي بم

قد يعجبك ايضا