متابعة/صادق هزبر –
تعد مدينة صنعاء التاريخية من اهم وأبرز المعالم التاريخية اليمنية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي ونظرا لأهمية هذه المدينة فقد حظيت بالاهتمام العالمي واهتمام المنظمات الدولية المهتمة بالتراث اكثر من اهتمامنا نحن اليمنيين بل واكثر من اهتمام الجهات الحكومية بها وقد حدد البروفسور رونالد لوكوك كيفية الحفاظ على هذه المدينة حيث يقول البروفسور رونالد في احدى الدراسات المقدمة لإحدى الفعاليات لإنقاذ مدينة صنعاء التاريخية بعنوان حملة الحفاظ على مدينة صنعاء القديمة أنه تم الحفاظ على مدينة صنعاء القديمة لحسن الحظ نظراٍ للفرصة التي أتاحها الأتراك لفصلهم المدينة الجديدة عن القديمة في القرن السادس عشر وباعتبارهم كياناٍ سكانياٍ غريباٍ لم يستطع الأتراك الاندماج بسهولة مع الحياة المزدحمة في مركز المدينة القديمة حول سوق الملح .
لقد عاش الوالي التركي في قلعة ( قصر السلاح ) في طرف المدينة وخلق مركزاٍ للحياة التركية ببناء المقاهي والمساجد الجديدة على طول الشارع الجديد المشجر الذي أنشأه ويربط القلعة بالبوابة الشمالية للمدينة بالقرب
الأتراك تبدو وكأنها بنيت بكثرة في الجهة الغربية خارج أسوار المدينة ( القديمة ) كفلل على البساتين في منطقة تبدو بشكل واضح أنها كانت حدائق عامة ( متنزهات ) خصبة (مقاشم ) لأهل صنعاء . خلال فترة الوجود التركي الثاني تقريباٍ من عام 1872م فما بعد اختار الأتراك تلقائياٍ نفس المناطق التي تتواجد فيها المساجد التركية والفلل المنخفضة كمركز معيشي لهم وعندما برزت الحاجة لأنواع جديدة من البناء تنامى ذلك خارج أسوار المدينة كالمستشفى والمدرسة التركية بالقرب من الجهة الغربية للمدينة بهذه المباني التي تبدو وكأنها كالعقد استمر الحكام اللاحقون بتطوير معظم أعمال البناء الجديدة بالقرب من الجهة الغربية للمدينة وهذه المنطقة كانت هي نفسها التي اختارتها الحكومة اليمنية بمساعدة مصرية بعد بدء قيام الثورة وعام 1962م لبناء الطرق رباعية الصفوف لمركزها التجاري المخطط حديثاٍ لصنعاء ورغم أنه وفي خضم سير العمل فإن مجموعة من بوابات المدينة في الطرف الغربي للمدينة القديمة دمرت إلا أن المدينة القديمة قد تركت على حالها إجمالاٍِ ولذلك فقد قام عدد من رجال الأعمال القادمين من عدن بأخذ بيوت وإنشاء أعمال تجارية جديدة خارج المدينة القديمة وهكذا أصبحت المدينة الجديدة المركز الرئيسي للنشاط التجاري الحديث في اليمن مخلفةٍ المدينة القديمة للحرفيين ورجال الأعمال المحليين والتجار . أما عدد السكان فقد كان داخل أسوار المدينة كبيراٍ جداٍ نحو (30 ألف نسمة تقريباٍ ) وكان نمط الحياة في الأحياء راسخاٍ لدرجة أن وجود المدينة الحديثة بجوارها لم يؤثر تأثيراٍ كبيراٍ على التقاليد والعادات التقليدية للمعيشة والعمل كما كان متوقعاٍ لقد كان هذا أحد أسباب بقاء الفن المعماري للمدينة بشكل جيد جداٍ حتى وقت لاحق لكن في نهاية السبعينات أظهر كل ذلك بعض التغيرات كما واجهت المدينة القديمة هجوماٍ شرساٍ فأغنياء المدينة القديمة بدأوا بالنزوح خارجها وانشأوا لأنفسهم مساكن جديدة حديثة في المناطق المفضلة لدى الدبلوماسيين الأجانب ورجال الأعمال الأغنياء الجدد وبالتالي فإن ساكني المدينة القديمة هؤلاء يملكون أكبر وأجمل البيوت القديمة والتي إما تركت فارغة وبهذا فإنها في بضع سنوات تعرضت للدمار بسبب الإهمال او ما هو أسوأ من ذلك تم تأجير البيوت الكبيرة منها على شكل شقق منفصلة للفقراء الذين ليس لديهم اهتمام بالحفاظ على واجهاتهم المنقوشة بشكل جميل ونوافذها وقمرياتها والأعمال الخشبية .
بعض أفضل المناطق تحولت تدريجياٍ إلى أحياء فقيرة ويبدو أنه سوف يتم هنا إتباع نفس النمط الذي حدث للقاهرة واسطنبول القديمتين ما لم يكن بالإمكان صياغة خطة عملية تؤمن إعادة إحياء الاعتزاز بالحياة في البيوت القديمة وبحسب اعتقادي فإن مثل هذا البرنامج كان يجب ان يسبقه دراسة مستفيضة للعديد من جوانب المشكلة بما يمكننا من اتخاذ قرارات حول الخطوات التي يلزم اتخاذها ونحن محتاجون لدراسة ما يلي :
تطلعات السكان نحو أساليب حياة جديدة قد يتم إرضاؤها .
– وسائل تطوير المباني بدون إفسادها كإدخال المطابع والحمامات العصرية .
– طرق التحكم بالمباني في المدينة القديمة بواسطة التشريعات.
– تأثيرات تركها الأجانب في الأحياء التقليدية للمدينة القديمة .
– السماح باستخدام الأجانب ولكن بعد نقاش مستفيض كوكلاء للمباني الفارغة حتى يتعافى السكان المحليون من نظرتهم السلبية.
• تجاه البيوت التقليدية وأساليب الحياة التي يعتبرونها (عتيقة الطراز) .
• حتى ذلك الوقت من المعتقد أن ذلك سيحتاج إلى جيل بكامله حتى يتم تغيير هذه النظرة.
• وسائل السماح للحركة المرورية داخل المدينة القديمة والتي يمكن تحقيقها بعدة طرق:
• توفير مداخل جديدة لا تتعارض مع نمط الشارع التقليدية تسهل الدخول لمناطق مواقف السيارات في نطاق 400 متر على الأقل من كل بيت هذه المداخل سوق تسمح أيضاٍ بدخول سيارات الأجرة بالقرب من منازل السكان .
• السماح للمركبات الصغيرة ذات الحجم المحدد سلفاٍ بدخول الشوارع التقليدية خلال ساعات محددة أما خلال ساعات الذروة لاستخدام المشاة فستبقى الشوارع القديمة خالية من العربات .
• تزويد المدينة القديمة بوسائل نقل عامة وسيارات أجرة تستخدم الشوارع التقليدية مع تقييد لحجم المركبات ( باصات صغيرة – سيارات أجرة – شاحنات صغيرة ) وتقييد سرعتها بـ 30 كم في الساعة كحد أقصى ومنع ضجتها بإصدار أصوات أبواق المركبات والتحكم بكاتمات صوت المحركات وبالذات الموتوسيكلات .
• وسائل إمداد الطاقة الكهربائية وخطوط الهاتف داخل المدينة القديمة والتي يفضل أن تكون تحت الأرض .
• أهمية تطوير وسائل الصرف الصحي والمجاري وهذه الأخيرة ( المجاري ) على درجة كبيرة من الأهمية لعلاقتها بالبعض في صنعاء الخطير للمياه ذلك أن الصرف الصحي كان غير عملي نتيجة زيادة التعداد السكاني والصناعة في المدينة فقد جفت الآبار التي تم حفرها وأدى ذلك إلى إنخفاض منسوب المياه في فترة السبعينات بمعدل 20 متراٍ وهذا شكل خطورة على عدم كفاية المياه الجوفية في المستقبله القريب وبالرغم أنه يوجد هناك دليل على وجود مياه جوفية أكثر من مستويات أبعد من الأرض ستتطلب إعادة حفر معظم الآبار في المدينة لكن الخبراء يؤكدون أن سعة المياه ستكون مشكلة متفاقمة خلال السنوات القليلة القادمة .
• أثنى على الطرق للصرف الصحي في صنعاء العديد من الزوار من دول أخرى في العقود الأولى للإسلام وخلال العصور الإسلامية الوسطى وبالأخص فقد اثنوا على نظافتها وخلوها من الروائح . هذه المميزات تم تحقيقها عبر فصل مراحيض الفضلات التي يتم إسقاطها في أقبية مغطاة عن الفضلات السائلة التي يتم تصريفها بشكل منفصل إلى خنادق صرف المياه المستعملة وكان يتم تجفيف الفضلات الإنسانية بهواء صنعاء الجاف ليصبح عديم الرائحة ( وبالتالي كان يتم أخذه حرقه كوقود للحمامات العامة ثم يستخدم رماده كمادة سماد ) أما السائل فقد كان يتم شطفه بالماء بعد كل استخدام للحمام فيتبخر سريعاٍ في القنوات والمصارف من دون أن يخلف وراءه أية روائح . ومن وجهة نظر صحية فإن عنصر التجفيف الكامل للحمامات ومصارفها قلل بشكل كبير مخاطر انتشار الأمراض لكون أغلب الجراثيم لا تستطيع البقاء في الظروف الجافة وهكذا كانت النتيجة نظام استخدام صحي قد يكون بفاعلية ونظافة أي نظام آخر للمجتمع التقليدي . لكن بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية who فإن شبكة المجاري المائية في الأنسب فقط لصنعاء بناء على ذلك تم إقناع البلدية بإدخال شبكة مجاري أرضية ونظام جديد وأقنع مالكي المنازل بمد أنابيب في قنوات المياه القديمة لفصل السوائل عن الفضلات داخل المجاري ولسوء الحظ فلقد كانت النتائج سيئة في البداية لسببين هما :
1- مكان التقاء الأنابيب الجديدة بطوابق الحمامات القديمة كان مفصلاٍ ( مخططات ٍ ) بشكل سيء بسبب خروج نصف السائل على خارج الأنبوب وبالتالي فإن الفراغ ما بين الأنبوب والجدار كون نباتاٍ فطرياٍ أخضر أبقى الرطوبة لفترة طويلة بما يكفي لانبعاث روائح قوية .
2- هبوط معنويات السكان حيث ظنوا أن أنظمتهم الصحية التقليدية كانت غير كافية فتوقفوا عن إصلاحها بشكل ملائم . الزوار الجدد حكموا على النظام الصحي من خلال الروائح التي كانت تصدر من أسوأ الأحياء الفقيرة بصنعاء التي احتضنت فيما سبق أجمل البيوت القديمة ومن خلال المجاري العامة المشبعة التي فشلت الجهات المسئولة عن المساجد الأوقاف بشكل مخجل .
في الحفاظ عليها نظيفة لتزايد عدد السكان في عام 1978م تم التصويت لصالح صنعاء في اليونسكو لحمايتها وترميمها وفي ذلك الوقت كنت مشاركاٍ في أعمال صيانة لدى العديد من الدول الإسلامية كعْمان والكويت بالإضافة إلى دول أخرى كان بعضها لصالح اليونسكو بالإمارات العربية والبحرين .
قبل ذلك بست سنوات كنت عضواٍ في حملة كامبريدج الكشفية لدراسة اليمن وبالتحديد صنعاء وهو عمل استمررت بأدائه كمدير أبحاث لدى جامعة كامبريدج في الفترة التي تخللت ذلك وقمت بزيارة مطولة عام 1973م وما تلى ذلك من السنوات اللاحقة لقد كان أحد أهداف هذا العمل إعداد منشور عن مدينة صنعاء مع البروفسور اربي سرجنت كما كنت أعمل مع السيد Michael well bank وفريقه عن القاهرة القديمة وقدمت لهم النصح بخصوص صنعاء حيث كلفت اليونسكو شركة shark land cox التي كنت عضواٍ بإعداد تقرير لحماية المدينة ولاحقاٍ تم تعييني كمنسق لدى اليونسكو لتدشين الاستعدادات لإعلان الحملة والبدء بإجراء دراسات في اليمن أفضت إلى برنامج مفصل لصالح الحملة أعدته خلال الفترة 80-1982م وأثناء ذلك واجهنا نحن العاملين في مجال الصيانة العديد من وجهات النظر المربكة حول ما يجب ان تكون عليه أعمال الصيانة وكان منها ما يلي :
– الموقف المعماري : يركز هذا على الصيانة العلمية التي بها أصبح كل ما هو جديد مختلفاٍ إلى حد ما عن الأصل هذا الموقف قد تجسد بشكل واضح في أعمال المرممين المعماريين خصوصاٍ في إيطاليا ولطالما بدا قبيح المنظر وغير ذي إحساس فني فقد افسد شكل وخطوط المباني وخلق انطباعا غير متذوق للفن المعماري وكان المبرر وراء ذلك علمياٍ بحتاٍ .