
معين النجري –
لقد أصبح رمضان موسما لتشويه صورة اليمن واليمنيين على بعض شاشات الفضائيات العربية, ويبدو أننا أصبحنا نتقبل ذلك بكل أريحية, بل وربما نشارك الآخر الضحك على خيبتنا.
حتى كاد يرتبط معيار نجاح وفشل الحلقة بمستوى المسخرة والسخرية من أبو يمن.
سيقول أحدهم ما الذي يمكننا عمله (ما باليد حيلة) وسنتجرع هذا الواقع في ظل ضعف وهزال الفضائيات اليمنية رغم تعددها.
لكن ما لا يجب تقبله أن يتحول فقر اليمني وتلقائيته وبساطته إلى خميرة يلعب عليها أبناء اليمن أنفسهم وبطريقة أبشع بكثير مما نفذه الأشقاء في شبه جزيرة العرب إنها الإهانة والاستهانة بل هو الهوان.
مجرد عتاب
المبدع فهد القرني خير من استغل واقع حال المواطن في بعض المناطق اليمنية المنكوبة بفعل أبنائها ليمعن ويتفنن في نقل صورة غاية في السوء والتشويه من خلال مسلسله (همي همك).
لقد كتبت مدافعاٍ عن هذا العمل في نسخته الأولى لأنه كان يحمل قضية وقبلته في الثانية لأنه ركز على واقع مؤلم تعيشه بعض المناطق رغم حجم المبالغة في كثير من التفاصيل وقلنا إن العمل الإبداعي يبالغ أحياناٍ بغرض الترفية وأحياناٍ ليضمن وصول الرسالة التي أرادها العمل , ولكن بشرط ألا يصل إلى حد الإسفاف كما يحدث الآن في مسلسل (همي همك) بنسخته الأخيرة.
لا ادري كيف سمح القرني لنفسه أن يصل إلى هذا المستوى رغم أن بإمكانه أن يواصل مسلسل الإبداع دون أن يضطر إلى تلك المشاهد التي تسيء له أولاٍ باعتباره يمنياٍ قبل أن يكون ممثلاٍ إلا إذا فكر القرني بمصلحته الشخصية وقدمها على سمعة الوطن وأبناء البلدرغم أنني لا أرى أي مصلحة شخصية يمكن أن يحققها القرني أو فريق عمله من هكذا تشوه.
بين تهامة والقاهرة
لقد كان فهد القرني ذكياٍ جداٍ في فتح باب جديد وإحداث نقلة مهمة في المسلسل من خلال الانتقال من تهامة إلى القاهرة عبر بْعد مهم للغاية يناقش فيه ظاهرة سفر اليمنيين للعلاج في مصر بعد أن فقدوا الثقة بالطب اليمني , رغم إن المسلسل لم يحاول أن يتطرق إلى معاناة المرضى مع المستشفيات المحلية والتي لا يمكن لأحد إنكارها, بل حاول المسلسل منح المستشفيات ثقة أكبر عندما قال الطبيب المعالج ل(شفيقة) في اليمن (لا داعي للسفر إلى الخارج لأنهم لن يقدموا لها أكثر مما سنقدمه لها نحن).
لقد كان من الضروري أن ينقل المسلسل ولو صورة عن ما يعانيه المرضى اليمنيون في مستشفيات اليمن قبل أن يضطروا للسفر إلى الخارج.
على كل حال كانت هذه النقلة ممتازة استطاعت أن تنقل المشاهد بسلاسة من مشاكل القرية وطفاح وحالة الثورة ضد الظلم وأروقة المحاكم _وهذه بالذات بحاجة إلى قرن من المسلسلات الدرامية لتعالج مشاكل اليمني مع المحاكم و القضاء_ إلى جو القاهرة وما يواجهه المريض من عوائق وهموم.
وهنا لنا وقفة فالمسلسل إلى الحلقة (17) لم يتطرق إلى المشاكل الحقيقية التي تواجه المرضى اليمنيين في مستشفيات وشوارع القاهرة كما هي .لقد كان المسلسل أكثر رفقا ومراعاة لمصر وأهلها من مراعاته لمشاعر اليمنيين وواقعهم.
حركات زائدة
أتمنى أن تتاح لي فرصة ثانية لأتناول المسلسل بعد أن نصل معه إلى الحلقة الأخيرة لكنني اكتب اليوم على ما وقعت عليه العين حتى الآن.
لا أحد يستطيع إنكار النجاح الذي حققه الفنان نبيل الآنسي من خلال شخصية زنبقة فهو مبدع حقيقي واستطاع أن يتقمص الشخصية , لكن النجاح الذي حققه في الموسم الأول و الثاني يكاد أن يتلاشى تحت ضربات زنبقة في النسخة الأخيرة حيث فقد حضورها البسيط وتلقائيتها التي اتسمت بها في النسخة(1و2) من المسلسل وبدت هنا أكثر تصنعا لتفقد جزءاٍ كبيراٍ من مصداقيتها مع المشاهد.
النقطة الثانية التي استغرب كثيراٍ كيف فاتت على المخرج وطاقم العمل بالنسبة لشخصية زنبقة هي في المبالغة الفجة في التحركات الجسمانية التي لا تكاد تخلو منها حلقة في المسلسل.
فالمبالغة في التشقلب وتقليد حركات أفلام الكارتون لا تتوافق مع شخصية المرأة الريفية البسيطة ولم تمنح الشخصية أي تطور بل أفقدها جزء من شخصيتها التي أحبها المشاهد.
وبمناسبة الحديث عن شخصية (زنبقة) وقع المؤلف في تناقضات ربما لم يلاحظها المشاهد العادي منها على سبيل المثال كيف لشخصية لا تعرف الثلاجة وتدهشها مناظر مدنية بسيطة جداٍ وعادية أن تتحدث عن المصارع العالمي جون سينا وتحاول تقليده.
أيضاٍ من الإيحاءات التي قدمها القرني ولم يكن موفقاٍ فيها وقد لا تكون مقبولة من شخصية شوتر الرجل البسيط المكافح والمنكوب بأبنه و بنته بالإضافة إلى ما يعانيه من ظلم كباقي أفراد قريته, الإيحاءات بأن شوتر رجل يحب النساء ومزواج, فبعد زواجه بالثانية يْبدي رغبته بالزواج من المعلمة ولو لم يكن عن طريق الحوار كما تٍبدي المعلمة المصرية ميلها إليه بطريقة غير موفقة البتة.
إبداع حقيقي
الكتابة عن المسلسل تحليل أو انتقاداٍ بغرض التطوير لا الإساءة و التشويه بحاجة إلى مساحة اكبر وتناولات عديدة قد يكون لنا معه لقاء آخر لكن الإبداع الذي يستحق الإشارة إليه هنا هو مستوى المصداقية و القدرة العالية التي فاجأتنا بها الفنانة نجوى الجبلي في دور شفيقة .
ركزوا على ملامح هذه الفنانة وهي تؤدي دورها وستجدون فنانة حقيقية وقدرة عالية على تقديم دورها كما يجب . لقد أقنعتنا بها إلى درجة يصعب تخيلها خارج الدور أو أنها مجرد ممثلة تقدم دورها في مسلسل ومن ثم تعود إلى شخصيتها الطبيعية. أتمنى لهذه الممثلة رعاية أكبر وأن تْمنح مستقبلاٍ مساحة أوسع لتخرج كل ما عندها من قدرات.