يصف وسائل الإعلام بأنها تعيش حالة من الإرباك والضعف المؤسسي



< الصحفي اليمني يواجه تحدياٍ في التحول من كائن حبري إلى كائن رقمي
< الخطاب الإعلامي يتسم بالتكهنات والتخمينات والتنظيراتش ويفتقر إلى المعلومات
يذهب العديد من الباحثين إلى أن الإعلام هو انعكاس للواقع (أي مرآة عاكسة للواقع) وبهذا المعنى فإن هيبة الدولة يفترض أن تكون موجودة وأن وسائل الإعلام ستساعد لتعزيز هذه الهيبة عند المواطنين من خلال القيام بعملية التوعية وتقديم المفاهيم المتعلقة بذلك.
ويرى الدكتور علي البريهي أستاذ الإعلام والاتصال كلية الإعلام جامعة صنعاء أن وسائل الإعلام ليست وحدها المسؤولة عن هيبة الدولة وفرض النظام وتطبيق سيادة القانون بل إنها تعمل ضمن منظومة متكاملة تْكون في مجموعها ما يعرف بالدولة أو مؤسسات الدولة وهذا يعني أن كل هذه المكونات يجب أن تؤدي وظائفها في سياق الدولة المؤسساتية بما في ذلك وسائل الإعلام فضلا عن أنها ستعمل على نقل هذه الأدوار أو الوظائف ونشرها وإيصالها إلى المواطنين من أجل خلق حالة من التفاعل معها وحشد الرأي العام المؤيد لها .

تقرير / عارف الأتام
نقل فعاليات الحكومة
ويضيف البريهي في ورقة عمل بعنوان “دور الإعلام في إعادة هيبة الدولة وفرض النظام وتطبيق سيادة القانون على الجميع دون استثناء” أن أهمية دور الإعلام تتجلى في تعزيز احترام الدولة من خلال توجيه السلوك العام للمجتمع باتجاه احترام القانون وتطبيقه والتوعية بأهميته في تنظيم شؤون الناس وتحقيق العدالة والمساواة وتبرز أهمية ذلك الدور من خلال نقل الفعاليات الإيجابية التي تمارسها الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة كنماذج تؤسس للسلوك القدوة في احترام القوانين وتطبيقها من قبل الجهات الرسمية فوسائل الإعلام تمثل حلقة وصل بين الحكومة والشعب وتعمل باتجاهين.
الأول نقل فعاليات الحكومة ونشاطها إلى الشعب ليتسنى له مراقبتها وتقويمها والثاني نقل متطلبات واحتياجات الشعب إلى الحكومة لتتمكن من عكسها كبرامج وسياسات وخطط لغرض تلبيتها وتحقيقها ويتمتع الإعلام بقدرات هائلة في مخاطبة الإنسان بهدف التأثير عليه عبر إقناعه أو خداعه أو تضليله فيعمل ما بوسعه للتأثير في المخيال الإنساني عن طريق تصنيع قيم ومفاهيم ومضامين ورؤى تكوْن إطاراٍ للتفكير والتذكر والتصور ومن ثم التمثلات.

طغت الترهات
ü وانتقد البريهي في ورقة العمل التي قدمت بندوة “دور الصحافة والإعلام في تعزيز قيم التعايش والسلام ومكافحة الفساد” وسائل الإعلام: يصبح من المهازل والسطحية أن يقف إعلامنا الراهن عند تفاصيل صغيرة يعتبرها مسائل معقدة وذات أهمية قصوى مثل انشغاله بمتابعة كتابة الصحفي (س) عن المسئول (ص) وتقوم الدنيا ولا تقعد في هذا الشأن وكأن محور العمل الإعلامي العربي واليمني خصوصاٍ هو إفساح المجال للمهاترات بحيث طغت هذه التراهات على الوظيفة الحقيقية للإعلام المرتبطة بعملية الإبداع المتصلة بالحرية بشكل أساسي وبقدر توسيع مساحة الحرية يتسع مجال الرؤية وتتجلى العملية الإبداعية في أروع صورها لا سيما أننا في عصر نشهد فيه عملية تحول كبرى لواقعنا الإعلامي التقليدي لينصهر ضمن واقع إعلامي معولم وهذا الأمر شكل تحدياٍ حقيقياٍ ويلقى بظلاله على الصحفي نفسه فبعد أن كان الصحفي إذا جاز التعبير كائنا حبريا هو الآن في طريقه رويداٍ رويداٍ ليتحول إلى كائن رقمي معلوماتي وخصوصا أننا في عصر ثورة المعلومات والاتصالات الإعلامية التي يسرت للجمهور إمكانية التعاطي مع كم هائل من القنوات التلفزيونية الفضائية وحررته من العدد المحدود من المحطات المحلية وأتاحت له حرية اختيار برامجه من بين مئات البرامج والمواد الإعلامية المختلفة والمضامين المتنوعة التي تنقل عبر شاشات التلفاز و من خلالها يتم التأثير عليه وفقا لأهداف واستراتيجيات مرسومة قد لا تخدم التوجهات الوطنية المنشودة . وعلى هذا الأساس فإن الإعلام الوطني وتحديداٍ المرئي( التلفزيون) يتوجب تغذيته بالمفيد وفق خطط علمية تدرس الإنتاج ونوعيته ومضامينه وأهدافه وترسم له سياقاٍ معرفياٍ وثقافياٍ واضحاٍ وما لم يتم ذلك تحول التلفزيون إلى جهاز يدمر أكثر مما يْعمر.
وحول أهمية وسائل الإعلام في إحداث عملية التغيير يرى أن وسائل الإعلام تسهم بشكل كبير في دعم عملية التنمية حيث تسهم بشكل كبير في تشكيل المخيال الجمعي للجمهور وتعمل على زيادة منسوب الوعي لدى المواطن المستهدف من الرسالة الإعلامية وعلى هذا الأساس فإن حسن استغلال هذه الوسائل وتوظيفها بشكل صحيح يسهم في إحداث عملية التغيير داخل المجتمع لاسيما أننا في وقت بات البث عبر الأثير اللا متناهي يصل إلينا بسرعة ويصنع ثقافتنا وقيمنا وأنماط عيشنا.

تفتقر للحرفية والمهنية
ü ويرى البريهي أن مستوى واقع الإعلام اليمني -الصحافة و الإذاعة والتلفزيون- يعتريه العديد من المشاكل منها :احتكار الملكية للوسائل (السمعبصرية) دون السماح لمنظمات المجتمع المدني أو المواطنين بامتلاك هذه الوسائل وفق ضوابط وقواعد مهنية وأخلاقية محددة فقد درجت هذه الوسائل على تأدية وظيفة مرسومة ومحددة (خدمة السلطة أو النظام الحاكم وتناست تماما وظائفها الثقافية والتوعوية والتنموية) وافتقار هذه الوسائل للحرفية والمهنية والكوادر المؤهلة والمتخصصة ويغلب على هذه الوسائل الطابع التقليدي والخطاب الإنشائي بعيدا عن العمل المنهجي المخطط وكأنها تعمل في عصر ما قبل الفضائيات والصحافة الإلكترونية وثورة المعلومات.
ويقترح الدكتور في الندوة التي نظمتها وزارة الإعلام في الفترة المنصرمة بعض الحلول لمعالجة المشاكل التي تعتري الصحافة والإذاعة والتلفزيون وجوب تحويل آلية عمل الإعلام المرئي والمسموع إلى نمط التنافسية وفقا لضوابط ومعايير وميثاق شرف ملزم وتأسيس هيئة وطنية مستقلة ومتخصصة لإدارة الشأن الإعلامي وبما يضمن تحقيق تنمية ونهضة الوطن والابتعاد عن الخطاب الدعائي وتلبية احتياجات المجتمع بشكل أساسي والاحتكام إلى الجمهور -المتلقي- واحترامه وتقديم المضامين المناسبة له. وإتاحة المجال للتنافس وتيسير الوصول إلى المعلومات والبيانات والاستفادة من هذه الوسائل في خلق ثقافة مواطنة متساوية واحترام الحقوق والحريات ودعم وسائل الإعلام المختلفة وتمكينها من كشف مظاهر الفساد ومحاربته ووضع ميثاق شرف مهني للصحف تلتزم به بعيداٍ عن المناكفات الحزبية وتحريم استغلال الصحف لتحقيق مآرب شخصية على حساب مصلحة المجتمع والتعامل مع تنوع الصحف كعامل إثراء معرفي وثقافي وفكري لخدمة اليمن وضرورة التزام كافة الصحف بالمعايير المهنية والعلمية والأخلاقية.
الإعلام وهيبة الدولة
ü وحول إعادة هيبة الدولة واحترام القوانين يذهب البريهي إلى أن للإعلام قدرة كبيرة على التأثير في المواطنين كونه الأقدر على الوصول إليهم ومخاطبتهم بسهولة ويسر وتقديم الرسائل المناسبة التي تعمل على استمالتهم نحو أهداف وخطط مدروسة ومحددة ويمكن أن يلعب الإعلام دوراٍ مهماٍ في تعزيز احترام الدولة من خلال : تعزيز مفاهيم الدولة ككيان سيادي يمثل الوطن بكل فئاته وشرائحه وبالتالي فإن الحفاظ على الدولة يمثل ضرورة وجود وانتماء وهوية حيث أن تعزيز مفاهيم الدولة كثابت في الثقافة اليمنية يؤسس للاستقرار والتنمية والنهضة ويسعى إلى تحقيق الكرامة اليمنية ككيان واحدي لا يتغير بتغير السلطة وآلية الحكم أي بمعنى أن الدولة ثابت سيادي والسلطة متغير انتخابي وترسيخ ثقافة الدولة ككيان توحيدي جامع يتساوى في الناس بالحقوق والواجبات ويتشاركون جميعاٍ في بنائه والحفاظ عليه وتحسين صورة الدولة وتقديمها بشكل ملائم وأكثر مصداقية أمام الرأي العام وكسب ثقته ومساندته للتوجهات والبرامج الإستراتيجية للدولة.
أما دور الإعلام في تطبيق النظام واحترام القوانين فيؤكد أن للإعلام دوراٍ كبيراٍ في تشكيل عملية الوعي المجتمعي ويساعد على نشر وتعزيز ثقافة وقيم التعايش والحوار وتأسيس نسق ناظم للحياة والعيش الآمن من خلال التأكيد على مجموعة من القواعد والمعايير القانونية اللازمة لتنظيم الشأن الحياتي والحقوقي في المجتمع ويمكن تحقيق ذلك من خلال: نشر ثقافة الحقوق بين المواطنين وتأكيد التمسك بها وممارستها وتعزيز أهمية مفهوم تطبيق النظام وانعكاساته الإيجابية على حياة المجتمع وغرس ثقافة احترام القوانين وتحويلها إلى سلوك فعلي باعتبارها قواعد منظمة للحياة الآمنة والمستقرة وتأكيد أن احترام القوانين وتطبيقها يمثل المرتكز الفعلي لمفهوم الدولة المدنية الديمقراطية العادلة وهو احترام للحقوق الفردية والجمعية واحترام للحريات العامة.

مساندة وتعزيز
ü وبخصوص تعزيز السلوك الإيجابي نحو الدولة يجزم البريهي بأن الإعلام يستطيع وبما يتميز به من قدرات تأثيرية أن يعزز السلوك الإيجابي تجاه الدولة وأن يخلق استجابة كبيرة من قبل المواطنين لتمثل رافعة حقيقية لمساندة وتعزيز توجهات الدولة التنموية وإحداث تحول حقيقي نحو عملية الإنتاج والتغيير الإيجابي ويمكن تحقيق ذلك من خلال: حث المواطنين على التعاون والتفاعل مع مشاريع الدولة التنموية ودعمها والحفاظ عليها وتعزيز قيم المشاركة الإيجابية في دعم توجهات الدولة ومساندة خططها وأهدافها الرامية إلى تطوير المجتمع وتنميته وتعزيز ثقافة الحفاظ على ممتلكات الدولة وحمايتها وعدم العبث بها أو الاعتداء عليها وتعزيز ونشر المفاهيم التنموية وأهميتها في تحقيق التنمية واحترام وتبجيل الجهد المجتمعي في مساندة الدولة وتحقيق الاستقرار.
وفي ما يتعلق بدور الإعلام في تعزيز الأمن المجتمعي وإبراز هيبة الدولة يرى البريهي أن هيبة الدولة ترتبط بشكل مباشر بمدى تحقيق الأمن للمجتمع إذ أن أهم عوامل نجاح الدولة يتمثل من خلال تأمين حياة الناس وخلق البيئة المستقرة التي تساعد على إحداث حراك اقتصادي نشط على كافة المستويات وتعزيز عملية الاستثمار وكذلك تبادل واستهلاك السلع فضلاٍ عن أن تحقيق الأمن ترتبط به كل مفاصل عملية التنمية وصون الحقوق واحترام الكرامة وبالنتيجة احترام هيبة الدولة.

غموض وضبابية
ü وفي تشخيصه لواقع وسائل الإعلام في اليمن يرى البريهي ضرورة الانطلاق من أبعاد ومرتكزات هذا الواقع بعدها الأركان الأساسية التي يتكئ أو يستند عليها الخطاب الإعلامي في اليمن والتي تشكل في مجموعها الإطار العام الذي تنتظم فيه العملية الإعلامية والاتصالية وتتحدد فيه النشاطات والمنطلقات والأهداف والغايات وهي على النحو الآتي :-
اولاٍ الفلسفة الإعلامية : يكتنف الإعلام اليمني الرسمي وغير الرسمي غموض وضبابية في الأسس و المبادئ والمنطلقات حيث يصعب تحديد أولويات العمل لدى وسائل الإعلام في اليمن وابتعاد الفلسفة الإعلامية عن التعبير عن ذاتنا واحتياجاتنا وعدم وضوح آليات ومرتكزات الخطاب الإعلامي ويتطلب إصلاح ذلك : تحديد إطار جمعي شامل للتنوع الفكري في اليمن ووضع أسس واقعية للخطاب الإعلامي وتلبية الاحتياجات المجتمعية والمواءمة بين مفردات الخطاب الإعلامي ووظائفه.
ثانياٍ السياسات الإعلامية : تتحدد السياسات وفقاٍ للأسس والمبادئ الفلسفية للإعلام كونها البرامج التطبيقية للفلسفة الإعلامية بمعنى : كيفية صنع السياسات الإعلامية وكيفية توظيفها لتحقيق الأهداف والمبادئ والأسس الفلسفية وتحديد الآليات والأدوات اللازمة لتحقيق أبعاد الفلسفة الإعلامية والابتعاد عن الارتجال والعشوائية والتناقض وتأسيس سياسة متوازنة وتفعيل النظام المؤسسي للإعلام والتخطيط السليم عند رسم السياسات وبما يساعد على تحقيق أهداف فلسفة الإعلام.
ثالثاٍ الإطار القانوني(التشريعي): يعد التشريع الناظم الفعلي الذي يحكم عمل المؤسسات الإعلامية ويؤطرها ويساعد على تحقيق ما تذهب إليه الفلسفة الإعلامية وفي اليمن ينظر إلى التشريع – بسبب تجاوزه وتجاهل قيمته وأهميته-كقيد يعيق تطوير وتحديث الواقع الإعلامي ويكبل الحريات ويضعف التفاعل الإيجابي البناء وأن مهمته عقابية فقط لذلك نحتاج إلى: تفعيل القانون بشكل حقيقي وتطوير البيئة التشريعية لتستوعب التحولات الكونية وتفعيل الرقابة والمحاسبة والشفافية.
رابعاٍ البيئة الإعلامية والاتصالية الأساسية : تشير الدراسات والإحصائيات إلى ضعف الإمكانيات التكنولوجية والكوادر البشرية المؤهلة والمدربة للقائمين على الاتصال وتداخل المهام في إطار المؤسسة الواحدة (سياسية اقتصادية إعلامية) وفي دراسة أجرتها وزارة الإعلام عام (2004) تبين أن عدد الحواسيب المتوفرة في المؤسسات الإعلامية الرسمية لم يتجاوز الـ (243) جهازاٍ فقط وأن إجمالي عدد الخوادم الشبكية المتوفرة لكافة الوسائل الإعلامية (26) خادماٍ وهي التي تربط كافة وسائل الإعلام بعدد من شبكات معلومات معظمها داخلية. وبالنسبة للكوادر البشرية المؤهلة في مجال الإعلام يشهد الواقع نقصاٍ حاداٍ وتبلغ نسبة الكوادر المؤهلة 2و3 من إجمالي العاملين في المؤسسات الإعلامية إذ اقتصر التأهيل على التعامل مع الكمبيوتر فقط أما من حيث المؤهلات العلمية العالية فالنسبة أقل من ذلك بكثير. وهنا يستلزم الأمر : توفير تكنولوجيا الاتصال والإعلام وتقنياتها بحسب الحاجة إليها وتوفير الكوادر البشرية والإمكانيات المادية اللازمة.
خامساٍ الممارسات الإعلامية في الواقع الفعلي : وهي محصلة انعكاس لما هو قائم فعندما تشهد أركان ومكونات الواقع الإعلامي اختلالات وتشوهات تكون الممارسة مشوهة وناقصة وبتلمس الواقع يتضح أن : الممارسات الإعلامية تعيش حالة من التقاطعات والصراعات وطغيان السياسي فيها على كل ما سواه مما أفقدها تأثيرها على المتلقي وافتقارها إلى الأفكار والبيانات والمعلومات وتلبية احتياجات الجمهور واختلال البيئة الإعلامية وتشوهها بسبب التعتيم وحجب المعلومات وبروز الخطاب الإعلامي القائم على التكهنات والتخمينات والتنظيرات المنبثقة من صالونات المقيل أو دهاليز ومطبخ السياسة المحكومة بالعقلية الأمنية المنغلقة. أما بالنسبة للإذاعة والتلفزيون فهما محكومتان بتأدية وظيفة محددة ترسمها السلطة وحدها بسبب سيطرتها عليها واحتكار امتلاكها لها.
سادساٍ ضعف الإمكانيات المادية المتاحة للمؤسسات الإعلامية : هذا الأمر يضعف من قدراتها على العمل الإعلامي المهني الموضوعي ويدفعها إلى تقديم مواد وبرامج ضعيفة غير مدروسة ولا تلبي احتياجات الجمهور المستهدف.

قد يعجبك ايضا