تتعالى الأصوات المطالبة بتوثيق وتقييم الأضرار التي لحقت بالمعالم والمواقع الأثرية والتاريخية في بلادنا بعد استهدافها من قبل طائرات العدوان السعودي الذي امتد غيه ليشمل كافة مجالات الحياة بصورة لم يسبق لها مثيل , ومع كثرة حالات الاستهداف للمواقع والمعالم الأثرية والتاريخية وتعاظمها لتشمل العديد من المحافظات اليمنية ( صنعاء – عدن – تعز – صعدة – الحديدة – حجة- مارب- لحج- ذمار- الضالع ) وغيرها من المحافظات إلا أن الملاحظ أن الجهات المعنية لم تقم بما يجب لتوثيق وتقييم الأضرار التي لحقت بهذه المواقع وفق دراسات دقيقة وزيارات ميدانية من قبل لجان متخصصة .
وزارة الثقافة من خلال القائم بأعمال الوزير الأخت هدى أبلان نائب وزير الثقافة كلفت لجنة برئاسة الدكتورةامة الملك الثور وكيلة الوزارة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية هذه اللجنة المشكلة من الوزارة وهيئتي الآثار والمدن التاريخية مهمتها تتخلص في متابعة وتقييم الأضرار التي لحقت بالمعالم والمواقع جراء العدوان وتشمل هذه الأضرار أيضا تلك التأثيرات التي يمكن أن تحدث لهذه المواقع جراء المواجهات المسلحة وأيضا التواصل مع الجهات والمنظمات الدولية المعنية بحماية التراث لنقل الصورة كاملة حول الأضرار واستهداف مواقع التراث العالمي خاصة بعد تلك النداءات التي وجهتها اليونسكو وهي المنظمة العالمية المعنية بالتراث والتي دعت فيها الى ضرورة تجنيب مواقع التراث الثقافي باليمن أي استهداف أو اعتداء موجهة النداءات ومخاطبة ما تسمى بدول التحالف .
وبالنظر إلى موقف منظمة اليونسكو حول استهداف مواقع التراث اليمني من قبل طائرات العدوان فقد أشاد الكثير من المهتمين بموقف اليونسكو حيث قال رئيس الهيئة العامة للآثار مهند السياني: إن اليونسكو ومن خلال المدير العام التنفيذي تفاعلت وتعاونت بشكل كبير مع الجهات المعنية باليمن وكان تفاعلها كبيرا إزاء ما تعرضت له المواقع الأثرية في اليمن من عدوان وعقدت العديد من اللقاءات على مستوى مجلس الإدارة وتم مناقشة وضع مواقع التراث اليمني في ظل العدوان وبالفعل تشكر اليونسكو على جهودها وتعاونها مع اليمن وتراثه وحضارته في مثل هذه الظروف الحالكة .
نداء عالمي
من جهته أكد رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية ناجي ثوابة أن هيئته قامت بالتواصل مع المنظمات الدولية وعلى رأسها اليونسكو وتم إبلاغ هذه المنظمة بحجم التأثيرات والأضرار التي وصفها بالكبيرة سواء في مدينة صنعاء القديمة او غيرها من المدن والمعالم التاريخية وقد تبنت اليونسكو توجيه نداء عالمي للحفاظ على التراث الثقافي اليمني وعقد اجتماعين الأول كان في ألمانيا وحضره مجلس إدارة اليونسكو وفي الاجتماع تم التأكيد على ضرورة إقامة اجتماع استثنائي خاص لتدارس أوضاع التراث اليمني يدعى إليه كافة الجهات والشخصيات الدولية المعنية بالتراث العالمي وبالفعل عقد هذا الاجتماع قبل قرابة شهر ونصف في باريس وقد قدمت في الاجتماع أوراق عمل لخصت فيها الأضرار والأخطار التي يواجهها التراث في اليمن .
ويتفق مع هذا الطرح مدير عام الآثار والمتاحف في مارب مبخوت مهتم والذي نالت محافظته النصيب الأوفر من استهداف المواقع الاثرية من قبل طائرات العدوان التي لم تتوقف ولازالت مستمرة إلا أن مهتم يشيد بموقف اليونسكو الذي تجسد من خلال ذلك الاجتماع الموسع الذي عقد في في باريس وقدم فيه تقريران الأول حول المواقع التاريخية والثاني حول المواقع الاثرية وما حل بهما من دمار وخراب جراء الاستهداف من الجو .
سلبية وخفوت
وإذا كان البعض بنظر إلى موقف اليونسكو بنظرة إعجاب ورضى فهناك معنيون ينظرون إلى دورها بسلبية وخفوت ومنهم وكيلة الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية أمة الرزاق حجاف والتي تنظر إلى أن دور اليونسكو لم يكن يرتقي إلى ما هو مطلوب منها أو يجسد المسؤولية الملقاة على عاتقها وضربت مثلا بما حدث من عدوان على حارة القاسمي بصنعاء القديمة وما صدر من بيان عن منظمة اليونسكو حول هذا الاستهداف الأليم حيث وصفت جحاف ذلك التصريح عن اليونسكو بالهزيل وبأنه لا يرتقي إلى مستوى الجريمة التي وقعت في هذه المدينة (صنعاء القديمة) كما انه لم يحمل أي إدانة للمعتدين فقط اكتفى التصريح الذي صدر على لسان المديرة التنفيذية لليونسكو بالشعور بالحزن والأسى على خراب تلك المباني التاريخية .
ودعت جحاف اليونسكو إلى تفعيل وتنفيذ لوائحها وقوانينها المتعلقة بالاعتداء على مواقع التراث الإنساني .
الأضرار المعلنة متوقعة
وبالعودة إلى توثيق وتقييم الأضرار التي لحقت بمواقع التراث الثقافي جراء العدوان الذي استهدف الكثير منها وأيضا جراء المواجهات المسلحة وان كانت المواجهات المسلحة لا تخلف أضرارا وخرابا كما تخلفه صواريخ الطائرات المعادية , وهنا يؤكد عدد من المهتمين أهمية توثيق وتقييم الأضرار والدمار في المواقع التي تم استهدافها ويشير البعض إلى أن الجهات المعنية لم تقم بدورها في تقييم الأضرار وتوثيقها في كافة المواقع التي تأثرت بالقصف , معتبرين أن ما ينشر من إضرار في المواقع والمعالم التراثية معظمها متوقعة بمعنى أنها غير دقيقة لأنها لا تستند على دراسة ونزول ميداني لتلك المعالم عبر لجان متخصصة .
وهنا يؤكد العديد من المسؤولين ان عوامل عدة حالت دون توثيق وتقييم الأضرار عبر نزول ميداني للجان متخصصة حيث يقول رئيس الهيئة العامة للآثار: إن توثيق وتقييم الأضرار في كافة المواقع المستهدفة يحتاج إلى توفير إمكانات مادية تغطي نفقات مثل هذه الأعمال التي تشكل فيها الزيارات الميدانية ابرز الأشياء وهو ما تحاول الهيئة المطالبة لتوفيره منذ بدء العدوان من قبل الجهات المعنية إلا أن الظروف الراهنة التي تعيشها البلد والتي أدت إلى ندرة في الموارد المالية للدولة جعلت من الصعوبة بمكان الحصول على تلك المبالغ التي حاولنا أن تكون غير مبالغ فيها بل بالحد الأقصى ناهيك طبعا عن الظروف الصعبة التي يمر بها صندوق التراث الثقافي .
التقييم المتخصص للأضرار يتعذر حاليا
ويقول رئيس هيئة المحافظة على المدن التاريخية: إن الهيئة ونظرا للحاجة الملحة التي تفرض سرعة توفير مبالغ مالية لانقاذ تلك المنازل التي تضررت بفعل الاستهداف الذي تعرضت له حارة القاسمي بصنعاء القديمة وهذه المنازل بحاجة الى تدخل سريع لإنقاذها من الاندثار ولهذا قامت الهيئة بتوفير مبلغ من موازنتها المحدودة أصلا خصصته لمعالجة الجدران الأكثر تضررا (تدعيم -صيانة)كمرحلة أولى خاصة مع هطول الأمطار التي قد تساهم سلبا في سقوط بعض تلك المنازل .
ويقول مدير عام الآثار بمحافظة مارب: إن تقييم الأضرار وتوثيقها حاليا يمثل صعوبة بالغة بحكم الأوضاع الأمنية التي تمر بها المحافظة ونحن بالكاد نحاول ان نرصد الأضرار في معظم المواقع التي تم استهدافها ضمن نطاق مارب بصورة سريعة وعن بعد نلتقط الصور والتي تكون في المجمل غير واضحة والطيران مستمر في التحليق دون توقف في سماء مارب فكيف يمكن لفريق أن يوثق ويقيم ويتنقل بين المواقع والمعالم المتضررة في مثل هذا الجو غير الآمن حتى وإن توفرت الإمكانات المادية وهي مطلوبة فمن سيرضى ان يغامر ويعمل بمثل هذه الأجواء غير الآمنة خاصة أن تقييم الأضرار في المواقع الأثرية تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين .
وقال : أثناء حديثكم معي الطيران الآن يحلق وبكثافة في سماء المحافظة التي تحيق بها الأخطار من الأرض والجو .
لم يختلف كلام مدير عام الآثار والمتاحف بمحافظة تعز بشرى الخليدي عن زميلاها في محافظة مارب خاصة فيما يتعلق بالخوف من الحالة الأمنية غير المستقرة وصعوبة دخول الأماكن التي تتواجد فيها معالم تاريخية وأثرية متضررة لأن تلك المعالم تقع مناطق مواجهات والطيران مستمر بالتحليق.
إلا أنها أضافت انه بحاجة ماسة إلى توفير بعض المبالغ لتوفير وسائل أمان لبعض المعالم والمتاحف وقد تم الرفع بتلك المطالب العاجلة إلى ديوان عام الهيئة بصنعاء وننتظر توفيرها خوفا أن تتعرض المتاحف إلى النهب والسرقة أما عملية التوثيق للإضرار لاسيما في قلعة القاهرة المعلم الذي تعرض للكثير من الغارات لا يمكن ان يتم تقييم الأضرار التي نتوقع أن تكون كبيرة إلا بعد أن يعود الأمان إلى ربوع الوطن وفي المقدمة تعز.
استمرار العدوان أبرز المعوقات
وبدوره مدير عام الآثار والمتاحف بمحافظة عدن محمد السقاف يتفق تماما مع زملائه ويقول: إن هدوء الأوضاع نسبيا وتوفير الإمكانات المادية يعدان أبرز الأشياء الملحة لبدء الجان المتخصصة في الآثار إعمالها في تقييم وتوثيق الأضرار وهي ضرورة لابد منها ولكن في ظل الأوضاع الأمنية الحالية وعدم توفر الإمكانات المادية فمن الصعوبة بمكان نزول أي لجان متخصصة للمواقع المستهدفة .
مدير عام فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بمحافظة صعدة عبده جتوم الذي اضطر إلى ترك صعدة القديمة باحثا عن الأمان له وأفراد أسرته بيد انه يحاول عبر التواصل مع بعض الأشخاص من سكان صعدة القديمة لمعرفة بعض المعلومات حول حجم الأضرار في تلك المدينة التاريخية الهامة , يقول: إن الحديث عن لجان ميدانية لدراسة وتقييم الأضرار في مدينة بحجم صعدة القديمة وفي مثل هذه الظروف الأمنية التي تمر بها صعدة التي بات كل شيء فيها أهدافا للطائرات التي لا تتوقف عن التحليق فوق سماء صعدة .