صلاة العيد.. رسالة الثبات في وجه التطرف والعدوان

رغم لهيب التوقعات التي تحفل مواقع التواصل الاجتماعي ويحفل بها حديث الشارع اليمني بتفجيرات قد تطال المساجد في صنعاء صبيحة أيام عيد الفطر المبارك إلا أن روحانية وسكينة طقوس صلاة العيد مرت كما توجبها بهجة الصباحات الفرائحية لكل عيد فطر على مر السنوات الماضية في عاصمة الحضارة والتاريخ.. يأتي مبتهجا بعد ليله الساهر بالحياة التجارية والاستعدادات العيدية والصاخب بفرح وسهر منازل مدينة سام بن نوح (صنعاء) وضجيج أسواقها المعهود على مر العصور يمر كعادته – في مغبر الظروف وفي اخضرارها- متزراٍ شجن الإنسانية وكرنفال الطفولةـ ورسالة السلام والتسامح وروحانية التسابيح ليستزيد من روح صنعاء عبقاٍ وحياة وعطراٍ  لا تمحوه تناقضات الأحوال..  

صلاة العيد في صنعاء في هذا العام تختلف تماماٍ عن سابقاته – رغم مروره بنفس السكينة والأمان النابعين من التسليم بمشيئة الله وملكيته وحده للحياة والموت- بما شهدته من احتشاد يعكس الإصرار على استمرار الحياة ومشروع البقاء أكثر من كونه انعكاساٍ لأجواء العيد الفرائحية ليحمل طقس صلاة العيد في هذا العام – الأسوأ في تاريخ المساجد في اليمن والمنطقة الإسلامية- الثبات الاجتماعي على قيم الرسالة المحمدية والسلام والتسامح والسمو على الصغائر والجراحات كما يأتي معبراٍ أيضاٍ على الثبات الإيماني الظاهري والضمني في نفوس فوضت أمرها إلى الله ومضت في حال سبيلها بين لهيب الإرهاب وتحديات التطرف والعدوان الذي استبد كيده بأجواء وأحياء ومنازل ومصانع وجسور وجامعات اليمن منذ ما يقارب الأربعة الأشهر وأوصله غيه إلى استكثار هدنة إنسانية كجزء من أخلاق المحاربين يعيشها اليمن البلد العربي الأصل والمنبع والإسلامي ريادة وقيما وفتوحات في أرجاء الأرض..
يقول الحاج علي الصافي – في حي العدل الجامعة: مظاهر صلاة عيد الفطر هذا العام تأتي في ظروف استثنائية حيث ورمضان شهد أكثر من 10 علميات تفجير واستهداف للمساجد في مسعى فاشل -وسيتحتطم على صخرة الوعي اليمني- لزرع بذور الفتنة الطائفية واشعالها بين اليمنيين في الوقت الذي يعيش فيه اليمنيون أخوة متحابين لا يفرق بينهم  أي مذهب أو حزب أو قبيلة ولا يمكن للعصبيات أياٍ كان نوعها أن تفت في تسامحهم وتعايشهم..
وأضاف: ورغم المخاوف وزلازل الفزع والرعب التي زرعتها جرائم التطرف والإرهاب والعدوان -خصوصاٍ خلال العام الذي انقضى بصلاة عيد الفطر المبارك- في نفوس المجتمع إلا أنهم لم يغيروا من تعلقهم بالمساجد لا في رمضان ولا في هذه المناسبة العظيمة فقد لاحظنا إقبالاٍ كبيراٍ كسر المخاوف لتعبر صلاة العيد عن التماسك الاجتماعي ووحدة الصف اليمني وتسامي الفرقاء على كل الخلافات وكان الزحام والتصافح في كل الجوامع حتى التي تعرضت للاستهداف قبل وخلال شهر رمضان المبارك..
على المستوى الشعبي جسدت صلاة العيد في كل مساجد أحياء وحواري صنعاء معاني ودلالات الصبر والصمود والإصرار على البقاء واستمرار الحياة على أوجها رغم آلة العدوان وطائراتها الحديثة ورغم تزايد حرب التطرف والإرهاب الذي يشن أبشع حملات التنكيل والتشويه للإسلام وباسم الإسلام ورغم حالة العسر التي يشهدها المجتمع نظرا للحصار الشامل الذي طال كل مقومات الحياة..
هذا ما يراه التربوي محمد البكري – تربوي قديم في مجال التربية الاسلامية- مؤكداٍ أن استشعار اليمنيين لحجم المأساة التي تحيق بالوطن وبمقدراتها وبالأهم من هذا كله هو النسيج الإجتماعي اليمني الذي يتعرض لأعتى محاولات التفكيك بتأجيج أسباب النزاعات والصراعات جعلهم يقاومون هذه الأخطار بالالتزام بطقوس العبادات كما كانوا بل وبأكثر حضوراٍ في هذه المناسبة العظيمة..
وأضاف البكري : من الملاحظ هذا العام في خطب صلاة العيد في أكثر من مكان أن الخطاب تراجع عن كثير عن حدة التناول لأسباب الخلافات التي نشأت منذ خمس سنوات مسعيضاٍ ذلك بالتركيز على معالجة الخلافات وطمس آثار جراحاتها بين أبناء الوطن بمختلف مشاربهم السياسية والعقدية منوها إلى أن مساجد العاصمة شهدت زحاما استثنائيا هذا العام نظرا لظروف البلد التي تستدعي التلاحم.
على الصعيد الرسمي أيضاٍ أدت قيادات اللجنة الثورية وأمانة العاصمة وقيادات المجالس المحلية واللجان الشعبية في المحافظات الأخرى طقوس صلاة العيد على مستوى عالُ والحضور والاهتمام الذي فاق الأعوام السابقة نظرا لما تمر  به البلاد من ظروف صعبة وتحديات إرهابية ومحاولات عدوانية لشق الصف اليمني وتهديد الوحدة الوطنية ففي الجامع الكبير بالعاصمة صنعاء أدى رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي وقيادات أمانة العاصمة ومجالسها المحلية صلاة عيد الفطر المبارك  والاستماع إلى خطبتي العيد التي ألقاها فضيلة العلامة أكرم أحمد الرقيحي الذي استعرض المعاني والدلالات السامية لعيد الفطر المبارك الذي يأتي بعد أن أتم المسلمون فريضة الصوم التي تبث روح التآخي والتآزر والتكافل والتراحم. مشيرا إلى أن مناسبة عيد الفطر هي مناسبة عظيمة جعلها الله سبحانه وتعالى لتشكروه وتعظٍموه وتعزروه وتوقروه وتقبلون فيه إلى طاعة الله وتحسنون فيه إلى الفقراء وتقبلون فيه على الأرحام فجعل الله عز وجل هذا اليوم صدقة الفطر حتى إذا ما قضى المسلمون صلاة عيدهم خرجوا جميعا إلى صلة الأرحام وزيارة الأصحاب والأصدقاء والإخوان والجيران ” فالرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ) هكذا يقول النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وحول ما يعيشه اليمن من حصار وعدوان قال خطيب صلاة عيد الفطر العلامة الرقيحي: وجه تحالف العدوان السعودي طائراتهم لسفك دماء أبناء اليمن ووجهوا بوارجهم لحصار الشعب وحصار أكثر من 25 مليون مسلم وسفك دمائهم والعبث بالبلاد وهم يتعبدون ويتهجدون ويقومون ويتروحون في ساحات المسجد الحرام وعند الكعبة المشرفة وقف النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذات يوم أمام الكعبة مخاطبا لها قائلا ” ما أعظمك وأعظم حرمتك وما أطيبك وأطيب ريحك والذي نفس محمد بيده لحرمة المسلم أعظم عند الله منك دمه وماله وإني أظن به خيراٍ لتهدم الكعبة حجراٍ حجراٍ أهون عند الله من إراقة دم مسلم هكذا قال عليه الصلاة والسلام إن كان لهم آذان وعقول يفقهون بها”.
وأكد أن هناك من يمول ويدعم ويغذي بفكره وماله وسلاحه وطيرانه الأعمال الإرهابية ونشر الفوضى والتخريب هنا وهناك من بلدان المسلمين .. مبينا أن العدوان السعودي كشف حقده وغيظه على الشعب اليمني بشن حرب ظالمة وعدوان غاشم . لافتاٍ إلى أن هذا التجبر والطغيان لن يزيد أبناء اليمن إلا تمسكا وثقة بالله سبحانه وتعالى وتوكلا عليه وصمودا وصبرا وثباتا .. مشددا على ضرورة تكاتف الجهود في سبيل تجاوز التحديات والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
وحول مساعي العدوان إشعال فتائل الفتن الطائفية في اليمن قال الرقيحي: إن هناك من يغذي الاقتتال والفتنة الطائفية في اليمن تحت مسميات مختلفة وإن لم توحد الجهود والصفوف للجبهة الداخلية فستكون الطامة التي ستقضي على الجميع فهم لا يميزون بين الجنوب والشمال والشرق والغرب “.
ودعا العلامة أكرم الرقيحي كافة أبناء الشعب اليمني إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة والاعتصام بحبل الله جميعا والتآخي وتعزيز السلم الاجتماعي ونبذ كافة أشكال العنف والفرقة والخصام والإرهاب وثقافة الكراهية والبغضاء بين أبناء الأمة.
هذا الحال من الحضور والاستشعار لما تمر به اليمن من أخطار لم يكن في أمانة العاصمة بل شهدته كل محافظات الجمهورية على مستواياتها الشعبية والرسمية لتحمل صلاة العيد رسالة ثبات اليمنيين وعزيمتهم واعتصامهم بحبل الله وصمودهم أمام العدوان والإرهاب والأخطار التي تحدق وتتربص بوحدة الصف اليمني وأمنه وسلمه الاجتماعي..

قد يعجبك ايضا