رمضان مدرسة لتهذيب الأخلاق وتعديل السلوك وكسب الفضائل

رمضان شهر سمو الأخلاق وتهذيبها وتزكية النفوس وصقلها فمن لم يسمة بنفسه وأخلاقه في هذا الشهر الكريم فمتى¿ فالإنسان الذي لا يربي نفسه ويزكيها بالأخلاق الفاضلة كما يزكيها بالعبادات والطاعات والمناجاة وقراءة القرآن يكون قد خسر خسراناٍ مبيناٍº ذلك أن الأخلاق لها أهمية عظيمة في الإسلام فقد حصر رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- مهمة بعثته وغاية دعوته بكلمة عظيمة جامعة فقال فيما رواه البخاري في التاريخ وغيره: “إنما بْعثتْ لأتمم مكارم الأخلاق”. حول هذا الموضوع التقينا بالدكتور عبدالرحمن الوعيل أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء فإلى التفاصيل.

في البداية تحدث الدكتور عبدالرحمن الوعيل أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء بقوله: ليس الصيام مجرد عبادة يؤديها المسلم المكلف كي ينفض عن كاهله المساءلة عنها أمام مولاه – سبحانه وتعالى- كما أنه ليس تعذيباٍ له بحرمانه من طعامه وشرابه وملذاته المشروعة طوال النهار بل هو مدرسة كبيرة لصفاء النفوس وتزكيتها وتربيتها وهو كذلك مدرسة لتهذيب الأخلاق وتعديل السلوك وكسب الفضائل فمن أجل ذلك عقب الله تعالى على آية فرضية الصيام بقوله: (لعلكم تتقون) البقرة / 183. وقد قسم بعض العلماء الصوم إلى ثلاثة أقسام: صوم العموم وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من أذان الفجر إلى أذان المغرب وصوم الخصوص وهو كف القلب والجوارح عن المعاصي وسوء الأخلاق من الكذب والخيانة والرياء والنفاق والأذى باليد أو اللسان والفحش وقول الزور وصوم خصوص الخصوص وهو كف القلب عن الهمم الدنية والشواغل الدنيوية والإقبال على الله (عز وجل) بالكلية.
مدرسة التغيير نحو الأفضل
ويضيف الدكتور الوعيل: ومن هنا نستطيع أن نقول: إن شهر الصيام يعتبر مدرسة التغيير إلى الأفضل كونه يعتمد على زمن معين للتغيير والتعديل ولا يتم ذلك إلا إذا توفرت النية الصادقة نحو التهذيب تلك النية التي نسميها بالعزيمة القوية والإخلاص الصافي والهمة العالية. وتتم معرفة الأخلاق وتعديلها ببساطة عن طريق الاقتداء بالمصطفى – صلى الله عليه وسلم – لأن الله تعالى بعثه لنا معلماٍ ومزكياٍ ومتمماٍ لمكارم الأخلاق ولا يتم ذلك إلا عن طريق تتبع سيرته القولية والفعلية قال تعالى: {لِقِدú كِانِ لِكْمú في رِسْول اللِه أْسúوِةَ حِسِنِةَ لمِنú كِانِ يِرúجْو اللِهِ وِالúيِوúمِ الúآخرِ وِذِكِرِ اللِهِ كِثيرٍا} [الأحزاب: 21].
معالجة الأخلاق السيئة
ويضيف أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء: ولكثرة الأخلاق السيئة التي تنخر مجتمعاتنا وتهدد كيانها فإننا سنتكلم عن بعضها مع كيفية معالجتها في حياتنا وبالذات في رمضان مع إضافة سلوكيات وأخلاق تكاد تكون نادرة في مجتمعنا وحث عليها المصطفى – صلى الله عليه وسلم –
1 – حفظ اللسان من قول الزور والترهيب منه: يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: “مِنú لِمú يِدِعú قِوúلِ الزْور وِالúعِمِلِ به فِلِيúسِ للِه حِاجِةَ في أِنú يِدِعِ طِعِامِهْ وِشِرِابِهْ” والمعنى: أن الصوم إذا لم يحجز صاحبه عن شهادة الزور وقول الزور فإنه صوم لا طائل منه وما استفاد صاحبه سوى الجوع والعطش وهو ما يؤكده قول النبي (صلى الله عليه وسلم): ” رْبِ صِائمُ لِيúسِ لِهْ منú صيِامه إلاِ الúجْوعْ وِرْبِ قِائمُ لِيúسِ لِهْ منú قيِامه إلاِ السِهِرْ ” [سنن ابن ماجه] ومن علامة قبول العبادة أن يظهر أثرها في سلوك الإنسان وفي أخلاقه وفي تصرفاته فتتحول مراقبته لله التي عاشها معنىٍ ومبنىٍ في صيامه إلى مراقبة دائمة لله (عز وجل) في تحركات الإنسان وثكناته وسره وعلنه وعمله وإنتاجه وبيعه وشرائه وسائر تعاملاته مع خلق الله أجمعين.
2 – النهي عن الرفث والطيش والغضب في رمضان: فيما روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم ــ مرتين ــ والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها) فهذا حديث جليل القدر يبرز القيمة الأخلاقية للصوم ويجعل من الصائم إنسانا عفا نبيلا تحجزه فضائله وتمنعه شمائله أن يشارك في لغو أو يرد على إساءة لأنه صائم ومن ثم فهو إنسان رباني لأنه يحجز لسانه عن كل إساءة وتطاول ابتغاء مرضاة الله ويمنع نفسه كل متعة ولذة ابتغاء وجه الله فما أخلق أن يتولى الله مكافأته بيديه ويعطيه الجزاء الأوفى.
أخلاق رمضانية
وأما الأخلاق التي لا نجدها عند كثير من الناس ونحن بحاجة ماسة إليها فقد عددها الدكتور عبدالرحمن الوعيل قائلاٍ: كم من الناس قد غفلوا عن تحسين أخلاقهم في رمضان ولم يعلموا أن رمضان محطة لتعديل السلوك وتصحيح الخلق ومنها:
1 – الصبرº فالصيام هو شهر الصبر لما فيه من صبر الإنسان عن رغبات النفس وشهواتها وطلبات الجسم من الأكل والشرب وغير ذلك مما أحله الله تعالىº وللصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله تعالى وصبر على محارم الله تعالى وصبر على أقدار الله وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم إن كانت متفرقة في شهور أخر فإن فيه صبراٍ على طاعة الله وصبراٍ عما حرم الله تعالى على الصائم من الشهوات وصبراٍ على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن.
2 – مراقبة الله تعالى في السر والعلنº ومعنى المراقبة هي علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.. والمراقب هو من يعلم أن الله عليه رقيب ومن قلبه قريب يسمع أقواله ويرى أفعاله ويعلم أحواله وأنه مطلع عليه في كل وقت وحين فيحمله هذا على أن يحفظ الله تعالى على مجاري الأنفاس في كل لفظة وكل لحظة وزمان ومكان فالصيام علاقة بين العبد وربه الذي يراقبه قبل أن تكون علاقة بين الفرد والجماعة.
3 – التواضعº فشهر رمضان يعلمنا حقا درس التواضع لأنه يجعلنا نجوع مثل المساكين الجائعين فيجعلنا في رتبة مشابهة لهم كأننا لا نجد مثلهم ما نسد به رمقنا فنشعر بوحدة العناء و المشاركة في تحمل الجوع و الظمأ معهم لأن التكبر صفة ذميمة ولأن الإسلام ينبذ الخيلاء والتكبر والاستعلاء على الناس وشهر رمضان شهر العبادة و سمو الأرواح عن التكبر أو التجبر فالناس جميعا في إقبال على الله بروح الإخاء و التضامن والتساوي حيث أن المساجد في شهر رمضان تعج بالمصلين الذين يركع و يسجد غنيهم وفقيرهم سواسية أمام الله و أصحاب الجاه والسلطان مع من لا سلطان لهم و لاجاه كلهم مع بعضهم البعض يسجدون لله الواحد القهار. وعلى كل مسلم التحلي بالتواضع مهما كانت ثروته ومهما كان المنصب الذي وصل إليه في المجتمع.
4 – صلة الأرحام والتراحم: وعليك أخي المسلم أن تصل الأرحام فرمضان شهر التعاطف والمرحمة فقد حذر المولى – سبحانه وتعالى – من قطع الرحم قال تعالى: {فِهِلú عِسِيúتْمú إنú تِوِلِيúتْمú أِنú تْفúسدْوا في الúأِرúض وِتْقِطعْوا أِرúحِامِكْمú (22) أْولِئكِ الِذينِ لِعِنِهْمْ اللِهْ فِأِصِمِهْمú وِأِعúمِى أِبúصِارِهْمú} [محمد: 22 23] وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم وصلة الرحم للأقربين تطيل في العمر وتبسط في الرزق وتقوي الصلة بين العبد وربه وموجبة لشيوع المحبة والرحمة بين الناس وتكون صلة الرحم بزيارتهم وتفقد أحوالهم والسؤال عنهم والتصدق على فقيرهم والاهتمام بأحوالهم والنصح لهم.
5 – الجود والإنفاق: قال المولى – عز وجل – {وِمِا تْقِدمْوا لأِنúفْسكْمú منú خِيúرُ تِجدْوهْ عنúدِ اللِه هْوِ خِيúرٍا وِأِعúظِمِ أِجúرٍا} [المزمل: 20] وقال عز من قائل: {مِثِلْ الِذينِ يْنúفقْونِ أِمúوِالِهْمú في سِبيل اللِه كِمِثِل حِبِةُ أِنúبِتِتú سِبúعِ سِنِابلِ في كْل سْنúبْلِةُ مائِةْ حِبِةُ وِاللِهْ يْضِاعفْ لمِنú يِشِاءْ وِاللِهْ وِاسعَ عِليمَ} [البقرة: 261] فالصيام يدعو إلى إطعام الجائع وإعطاء المسكين وإتحاف الفقير وشهر رمضان هو موسم للمتصدقين وفرصة سانحة للباذلين والمعطين
وقد روى البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: “كِانِ رِسْولْ اللِه – صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ – أِجúوِدِ النِاس وِكِانِ أِجúوِدْ مِا يِكْونْ في رِمِضِانِ حينِ يِلúقِاهْ جبúريلْ وِكِانِ يِلúقِاهْ في كْل لِيúلِةُ منú رِمِضِانِ فِيْدِارسْهْ الúقْرúآنِ فِلِرِسْولْ اللِه – صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ – أِجúوِدْ بالúخِيúر منú الريح الúمْرúسِلِة”.
ويختم الدكتور الوعيل بقوله: وهناك الكثير من الأخلاق بحاجة بيانها من تعديل وتهذيب وتزكية وترغيب وخاصة في شهر الصيام ذلك الشهر الكريم ففيه تضاعف الحسنات وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر وفيه كثرة العبادات والحسنات وهو خير الشهور عند الله تعالى ولكن المقام يضيق بنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قد يعجبك ايضا