صنعاء – سبأنت: كتب المحرر السياسي
يقف اليمن اليوم على أعتاب عهد جديد بعد أن أرست ثورة الـ 21 من سبتمبر واقعا جديدا يرتكز على أعمدة متينة تستوعب كل مسيرة التطور في المجتمع اليمني التي حدثت خلال العقود الماضية وينطلق من رؤية ثاقبة تستلهم تطلعات الشعب اليمني وتدفع نحو ترجمة رؤية الإجماع الوطني لصناعة اليمن الجديد المعبر عنها في الوثيقة النهائية لمخرجات الحوار وإتفاق السلم والشراكة الوطنية.
إن عظمة هذه الثورة الوليدة لا تكمن في كونها إمتدادا لثورة الـ11 من فبراير التي جاءت لتعبر عن الإرادة الشعبية التواقة للتغيير ومكافحة الفساد وإرساء أسس النزاهة والشفافية والحكم الرشيد بل ولتشكل محطة انطلاقة جديدة وقوية للثورة اليمنية العظمية (26 سبتمبر و14 أكتوبر ) فحسب وإنما في كونها أسهمت في انقشاع ركام عتاولة الفساد والإفساد الذين شكلوا بنفوذهم لعقود مضت منظومة قوية تسخر مصالح البلد لخدمة مصالحهم الشخصية وعائقا أمام تسريع وتائر التنمية وتنفيذ أية توجهات تنشد ترجمة الغايات والطموحات الوطنية لتحقيق التقدم والتطوير و الإزدهار للوطن والمواطن.
وكأي ثورة وليدة لا يمكنها أن تجد الطريق أمامها مفروشا بالورود بل وجدت واقعا مأساويا على الأصعدة كافة بعد أن وصلت البلد إلى حافة الهاوية ويتربص بها أعدائها من الداخل والخارج وماتنامي وانتشار وتوسع الآفة السرطانية لعناصر الفكر الضال والمتطرف من أعداء الحياة والانسانية المنضويين تحت مسمى “القاعدة” إلا واحدة من صور المخطط التآمري الذي كان يسعى للإجهاز على الوطن اليمني وجعله منطلقا لأنشطة أنصار الشر والجرائم الشيطانية
ليس لتشويه صورة الاسلام وقيمه النبيلة والسامية وأخلاقيات شعبنا اليمني الفاضلة فحسب بل ولإذكاء نار فتن الصراعات المذهبية والمناطقية بين أبناء الوطن الواحد وتقويض أمن اليمن واستقراره ولترجمة مخططات قوى الهيمنة الاستعمارية إقليميا ودوليا.
كما أن مافيا الفساد وقوى النفوذ لم تترك موقعا في الجهاز الإداري للدولة إلا وزرعت فيه خلاياها السرطانية التي سخرت الوظيفة العامة للدولة لمصالحها الحزبية والشخصية واتخذت منها وسيلة لنهب المال العام بطريقة منظمة الأمر الذي كان يهدد البلد بالانهيار في أية لحظة.
ولهذا فقد أعادت ثورة الـ 21 من سبتمبر الأمل لجماهير الشعب التواقة للحرية ولصنع الغد الأفضل ولتطهير جهاز الدولة من قوى النفوذ ومافيا الفساد والإفساد المنظم فضلا عن كونها أسست لواقع وطني جديد يقوم على الشراكة الوطنية وليس على الإقصاء ويستند على أسس التجربة الديمقراطية اليمنية الفريدة والمشهود لها عالميا واحترام حقوق الإنسان وحرية معتقداته السياسية وأيضا احترام حرية الصحافة والتعامل معها بمسؤولية
وليس من باب الصدفة أن تتعاظم التحديات والمخاطر المحدقة باليمن بعد بزوغ فجر هذه الثورة والتي وصلت إلى أشدها بالاستقالة المتزامنة لرئيس الجمهورية والحكومة في آن ما آزاح القناع عن المخططات التآمرية الداخلية والخارجية الساعية للدفع باليمن نحو الانهيار الشامل ليكون لقمة صائغة لعناصر الشر الشيطانية إلا أن قوى الثورة كانت مدركة لتلك التحديات واضطرت لمواصلة جهودها لإنقاذ الوطن مسنودة بإرادة جماهير الشعب فكان لجوءها إلى الإعلان الدستوري لتجنيب الوطن مخاطر الفراغ في السلطة وبالتوازي مع ذلك أتاحت الفرصة للقوى السياسية للتوافق على حلول للقضايا الوطنية العالقة في هذه المرحلة الحساسة.
وبالطبع فانه عقب تنفيذ أي عمل ثوري كبير يكون هناك أمور في غاية الأهمية يجب مراعاتها ويأتي في مقدمة تلك الأمور السياسة الخارجية للبلاد التي سيتم انتهاجها والطرق المثلى لتك السياسية ومدى مراعاتها للقوانين الدولية والعلاقات بين الأمم والشعوب.
ولهذا كان الإعلان الدستوري معبرا عن الرؤية الثاقبة التي تنتهجا قيادة الثورة لرسم معالم اليمن الجديد القائم على الشراكة الوطنية داخليا والعلاقات المتوازنة والندية خارجيا وذلك من منطلق ادراكها أن ثمة قضايا يجب التسليم بها ومن أولويات هذه القضايا استحالة العيش وبتقوقع ذاتي والانغلاق على العالم كون ذلك لم يعد في عالم اليوم معقولا ولا مقبولا خاصة في ظل العلاقات الدولية المتشابكة والمصالح المتبادلة بين الدول والأمم والشعوب الأمر الذي يحتم على كل دولة البحث عن الوسائل الناجعة لعلاقة تعاون مع الدول الأخرى لتحقيق المنافع والمصالح المشتركة والاستفادة مما وصلت إليه تلك الدول من تطورات كانت نتاجا لثورة معلوماتية جبارة حققت منجزات نوعية وطفرات علمية فائقة وكان الاستثمار الأمثل لها في الجانب الاقتصادي الذي أصبح في عالم اليوم يدير عجلة السياسة والقوة وواقع العلاقات الدولية بين الدول والأمم والشعوب .
اذ لا مكان لمن يتقوقع على ذاته وإغلاق حدود بلاده وأدار ظهره لما يعتمل اليوم من قفزات علمية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية سريعة ولن ينتظر العالم المتخاذلين والإتكاليين .. كما أن منطقات العصر وإيقاعاته قائمة على البحث عن نوعية علاقات دولية تتسم برؤيا براجماتية تؤمن منافع ومصالح مختلفة لمواطني البلد والوطن بكاملة وهذا ما فطنت إليه قيادة ثورة الــ21 من سبتمبر وبعد أن قطعت شوطا بارزا في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في البلاد ووضعت يدها على عوامل الانهيار الاقتصادي وتعاملت معها بمسؤولية وحكمة فشرعت في خطوة أخرى تالية في البحث عن القواسم المشتركة لعلاقات اليمن مع سائر البلدان الأخرى إيمانا منها بأهمية ذلك وانطلاقا من الثوابت الوطنية ورؤية الجمهورية اليمنية لمثالية تلك العلاقات القائمة على الأسس المتعارف عليها على المستوى الدولي المتمثلة في عدم التدخل في الشئون الداخلية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وتبادل المنافع ولما فيه خير بلادنا وسائر البلدان الأخرى .
سبأ