المصلحة الوطنية تلزم جميع القوى السياسية بالحوار والاتفاق لإخراج البلد من وضعه الراهن المزري الخطير الذي بات يهدد كيانه ووحدته ونسيجه الاجتماعي ووضعه الاقتصادي .. ولكن رغم الحوارات المتتابعة وبعض الاتفاقيات الموقعة سابقاٍ بين المكونات إلا أن الواقع على الأرض يشهد أزمة تلو أزمة.. وما يرافقها من صراعات مسلحة وحشد هنا وهناك, مما يجعل المرء يتساءل هل أصبح هناك انفصام بين ساسة الأحزاب تقدم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة¿!.. أي ما الفرق بين الانتماء للوطن والولاء للأحزاب¿.. التفاصيل في سياق الاستطلاع التالي:
ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ أصيل ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺯﺭﻋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ أو ﺍﻛﺘﺴﺎﺑﻪ لأﻧﻪ ﻳﻨﻤﻮ ﻭﻳﺘﺮﻋﺮﻉ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻮﻱ ﻣﻨﺬ أن ﺗﺘﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﺒﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﺭﺽ بلدﻩ ﻭﻣﻮﻃﻨﻪ. ﻭﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ إنساني ﻋﺎﻡ ﻭﻻﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ أْمة ﺩﻭﻥ أخرى, كان هذا مستهل حديث الدكتور خالد المطري -جامعة صنعاء- الذي واصل كلامه مبينا الفرق قائلاٍ: “أما ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ أو ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻓﻬﻮ ﺻﻔﺔ ﻣﺆقتة ﻭﻏﻴﺮ أصيلة ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻛﺘﺴﺎﺑﻬﺎ ﻭﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ ﻓﻲ أي ﻭﻗﺖ لأﻧﻬﺎ ﻭإﻥ ﺍﺭﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻳديوﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻛﺎﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻛﻴﺔ أو الليبرالية الرأسمالية … إﻻ أن ﻃﺎبعها ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻼﻳﻤﻜﻦ ﻣﻘﺎﺭﻧﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﺍﻟﻤﺘﺴﻢ بالأصالة ﻭﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺒﻞ, ﻓﺎﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﻤﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻮﻻﺀ ﻟﻤﻮﻃﻨﻪ ﻻ ﻳﺮى ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﺑﺪيلاٍ ﻭإﻥ ﻧﺎﻟﻪ الأذى ﻭﻭﺍﺟﻪ شظف ﺍﻟﻌﻴﺶ, أو ﻗﻴﺪﺕ ﺳﻠﻄﺔ ﺣﺎﻛﻤﺔ ﺣﺮيته .. ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ أو ﺍﻟﻤﻠﻤﻮﺱ ﺣﺼﻮﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ الأمريكية أو الأوروبية أو جنسية ﺑﻠﺪ ﻋﺮﺑﻲ ﺷﻘﻴﻖ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺜﺮﺍﺀ ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ فإﻥ ﺷﻌﻮﺭﻫﻢ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻻ ﻳﺘﺒﺪﻝ إلى ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺎﻟﻮﺍ ﺟﻨﺴﻴﺘﻪ”.
ﻭيضيف: إﻥ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺮﺣﻠﺔ أو ﻇﺮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ وإنما ﻟﻪ ﺍﻟﺼﺪﺍﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻟﻜﻮﻥ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻭﻝ ﻳﺘﻨﺎﻓﻰ مع ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﺤﺮﻛﺎٍ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ الأوطان ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻛﻴﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ أي ﻋﺪﻭﺍﻥ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻳﺴﺘﻬﺪﻓﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﻧﻌﺎﻧﻴﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﻭﺻﺮﺍﻉ ﻭﻗﺘﺎﻝ إﻻ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ, ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺣﺎﺿﺮﺍٍ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻤﻨﺘﻤﻴﻦ للأﺣﺰﺍﺏ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻟﻤﺎ ﻭﺟﺪ ﺧﻼﻑ أو ﺍﺧﺘﻼﻑ لأﻥ الأﻫﺪﺍﻑ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﺋﺬُ ﻣﻮﺣﺪﺓ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ.
الأساس والجزء
من جانبه يرى الدكتور عبد الباسط الحكيمي -جامعة صنعاء- أن الفرق بين الولاء الوطني والانتماء الحزبي يكمن في أن الأول أشمل وأعم من الثاني بمعنى أن الولاء الوطني هو الأساس والركيزة الأولى لوصف الشخص بالوطنية أما الانتماء الحزبي فيعني الإيمان بفكرة ضيقة تؤمن بها فئة معينة داخل المجتمع كما أن الولاء الوطني تعد فكرة عامة يفترض أن يؤمن بها كافة أفراد المجتمع لأن ذلك يعني تقديم الوطن على الحزب, تقديم الفكرة العامة على الفكرة الضيقة, تقديم الإيمان بالكل على الإيمان بالجزء ومن ثم يجب تقديم الولاء الوطني على الانتماء الحزبي في كافة الظروف والأحوال وفي كل زمان ومكان أما إذا ساد العكس أي تقديم الانتماء الحزبي على الولاء الوطني سيسود الفساد في الأرض ويعم الخراب أرجاء الوطن وتدب الفتنة بين مكونات المجتمع, لأن كل جماعة ستسعى لتكريس نفسها والتمترس خلف فكرتها وهذا سيترتب عليه الصراع على المصالح, والسعي إلى استجلاب المصالح الضيقة, والتفريط بمصلحة الوطن, ومصلحة الكل, أي التفريط بالمصلحة العامة مما يؤدي في النهاية إلى هدم وتدمير الوطن بسبب تشرذم الولاءات وتضاربها كل يسعى إلى تحقيق الفكرة الضيقة التي يؤمن بها على حساب الفكرة العامة, والعمل على فرض تلك الفكرة الصغيرة على الجميع, مما يجعل الجماعات الأخرى تقاوم ذلك ليس دفاعاٍ عن مصلحة الوطن بل من أجل مصالحها الذاتية, فيحصل الاقتتال وما إلى ذلك من كوارث في أرجاء الوطن وفي الختام نجد أن الولاء الوطني عامل موحد بينما الانتماء الحزبي عامل مقسم.
حالة غير ثابتة
من جهته يرى الدكتور أمين الجبر -جامعة ذمار- أن الفرق بين الولاء الوطني والانتماء الحزبي كالفرق بين أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان المرء إلا بها وبين فريضة الحج التي لا تلزم إلا من استطاع إليها سبيلاٍ, وبالتالي لا مجال هنا للمقارنة الموضوعية بين الأمرين حيث الأول: أساس الهوية وجذر الانتماء لا يمكن للمرء أن يعيش بدونهº فضلاٍ عن أنه يمثل الحالة الحاضنة والوجودية للثانيº إذ لولاه لتعذر واستحال وجود الثاني وفق منطق التوالي وناموس التتابع, بينما الثاني: ما هو إلا رباط سياسي وإطار عقدي إيديولوجي تستحثه اللحظة السياسية وتمنتجه راهنية الواقع القابل للتشكل والتعدد والتبدل, بمعنى أنه حالة غير ثابتة, قابلة للتجاوز والتجدد, بل وإمكانية إعادة النظر فيه سيما في حالة النضوج وسعة الأفق والإدراك لدى الإنسان التي تحتم عليه النظر إلى الولاء الحزبي والتعدد السياسي كحالة استثنائية غير جدية, وليست يقينيات أو مطلقات يحرم الخروج عنها أو التمرد على التزاماتها باعتبارها ليس نشازا عن قانون النسبية. من هنا يمكن الجزم أن الولاء الوطني مقدم – في كل الظروف والأحوال – على الانتماء الحزبي شرعاٍ وديناٍ وثقافة انتماء. وبالتالي فإن على القوى السياسية اليوم أن تجزم وتؤمن بتقديم الولاء الوطني على الانتماء الحزبي قبل أي حوار ونقاش .. وذلك إن أرادوا إخراج وإنقاذ البلد مما هو فيه..