اليوم نشهد تمددا لمكون الانتقالي في حضرموت ونلاحظ الخطاب في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التابع للانتقالي وهو يستخدم مفردات ومصطلحات مستفزة وغير واقعية, فاليمن منذ عام 2011م إلى اليوم أي منذ عقد ونصف العقد شهدت تشظيا وانقساما, وذهب كل فريق إلى التعاطي مع الواقع وفق أجنداته وأجندات الدول التي تقف من خلفه, وقد كثف الانتقالي المدعوم من دولة الإمارات الاشتغال على المصطلحات والمفاهيم إلى درجة تناقض المفردات مع الواقع ومع الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها الجنوب الواقع تحت سيطرة وهيمنة الإمارات والسعودية ومن خلفهما الدول الكبرى أمريكا وبريطانيا وفي الظل من كل أولئك الحركة الصهيونية العالمية التي تدير حركة وجودها في المنطقة في مسارين هما: مسار الحرب الصلبة, ومسار الحرب الناعمة .
من يسيطر على حضرموت على مدى العقد والنصف الماضي هم أبناء حضرموت أنفسهم الذين يميل الكثير منهم إلى خيار دولة الوحدة, وهم على تناقض تاريخي مع مثلث الانتقالي, وحين نرى التفاعلات في الإعلام من قبل المؤيدين للانتقالي وهم يخرجون بكل ذلك الصلف، قائلين إنهم استطاعوا تحرير حضرموت من “الدحابشة ” في حين على مدى السنوات التي شهدت اليمن الإضرابات منذ عام 2011م تمت تصفية الجنوب كله من أبناء الشمال تصفية كاملة وقد تمت ملاحقة حتى الباعة المتجولين, وماتزال الذاكرة تحتزن الكثير من التصرفات اللا أخلاقية التي شهدها الجنوب كله, وشهدتها حضرموت, وما تزال صور الشاحنات عالقة في الأذهان وهي تستوعب على متنها كل مواطن يمني ينتمي إلى المحافظات الشمالية, والتصرفات المتوحشة التي تتزع العمال من أماكن أعمالهم, وتلك الأخلاق لا نقول إها عامة ولكنها تصرفات اشتغل عليها مكون الانتقالي المدعوم من الإمارات وهو مكون مناطقي بحت غالبه من الضالع ويافع أو ما يسمى بالمثلث في الجنوب, وبوعي قروي متوحش, أما أغلبية سكان حضرموت فهم أهل تمدن ومحبة وسلام, والكثير من رموز حضرموت نشروا الإسلام في الهند وشرق آسيا بأخلاقهم وسلوكهم القويم, ولم يؤثر عنهم استخدام القوة الصلبة بل ما يؤثر عنهم عبر التاريخ الطويل هو القوة الناعمة التي صنعت حضورا كبيرا في الوجدان العام العربي والإسلامي, وقد أصبح الكثير منهم يحكمون في ماليزيا وفي إندونيسيا وفي سنغافورة وفي الكثير من الدول التي امتلكتها أخلاقهم وثقافتهم قبل قوتهم وسيوفهم .
ما يحدث اليوم في حضرموت ليس تحريرا لها, فالمصطلح غير ملائم ولن يكون ملائما للحال الذي عليه الجنوب كله من أقصاه إلى أقصاه، فاليمن لم يعد كما كان عليه قبل عام 2011م, ولا وجود لأي سلطة لصنعاء في الجنوب ولا في حضرموت حتى يفاخر الانتقالي أنه حرر حضرموت من استعمار الزيود في الشمال، كما يكرر في خطابه الإعلامي عبر كل المنصات، ولكن الهدف هو تعطيل الفاعلية الثقافية لحضرموت التي كانت وماتزال مركز إشعاع ينير العالم سواء عبر الفنون والآداب أو عبر المراكز العلمية والثقافية التي يرتادها طلاب العلم من كل بقاع الدنيا, أيضا إحداث شلل تام في الحركة الاقتصادية التي امتاز بها العقل الحضرمي وأصبح جزء محوريا في اقتصاديات دول الخليج وفي حضرموت نفسها .
الموقف المعلن لكثير من رموز حضرموت واضح وهو البقاء في الدولة اليمنية الواحدة, أو الاستقلال بكيان سياسي بهوية حضرمية بحته, وهذا الموقف يضع الانتقالي في زاوية ضيقة، فهو سيكون عاجزا كل العجز عن بلوغ غاياته وأهدافه في السيطرة على حضرموت والمهرة، فالعقل القروي يمتاز بالتعصب والتوحش ولن يتعايش مع ثقافة حضرموت ولا المهرة ولذلك ففرص نجاح سيطرته على حضرموت والمهرة ضئيلة جدا, وخلفنا تاريخ طويل من التجارب، فخيار الانفصال عن الدولة الوطنية الواحدة لن يكون خيارا مثاليا للجنوب لسبب واحد وبسيط وهو أن الجنوب لن يكون دولة واحدة مطلقا, ولكنه سوف يصبح دولا متعددة, وقد خاضت بريطانيا تجاربا في ذلك الأمر وتعذر عليها توحيد الجنوب, ولم يسعها سوى اللجوء إلى خيار تعدد السلطنات وظلت تمسك بزمام المبادرة بعقلية مستعمر غايته التفرقة حتى تستمر سيطرته, أما خيار دولة وطنية مستقرة في الجنوب، فهو خيار لم يسبق له مثال في التاريخ ولذلك لن يتحقق اليوم, وتجربة الحزب الاشتراكي التي استمرت قرابة 23 عاما كانت تجربة فاشلة, شهدت موجات من الصراع والدماء المراقة, حتى وصلت إلى فشل الدولة, والكل يدري تمام الدراية أن الحزب الاشتراكي فشل في إدارة الدولة ولم يكن له من خيار سوى الهروب إلى الوحدة بعقلية المتربص, وبتكتيك تكسر على جدار ذكاء صنعاء التي تعاملت مع الموقف بعقلية المستبد، حتى ترك الاستبداد ندوبا ظلت تتسع إلى درجة الوصول إلى حالة الانفجار الكامل والتشظي، رغم كل المعالجات الوقتية التي لم تستوعب القضية من أطرافها, ولم تنفذ إلى جوهرها .
فالعقل المستبد في أي مرحلة تاريخية لا يصادر حق الفرد في الكلام فقط ولكنه يعمل على تعويم اللغة واحتلال مفرداتها حتى تصبح الخيانة وجهة نظر, والوطنية تملقا, والمطالبة بالحقوق تآمرا والنتائج لن تكون سوى كارثية, وقد شهدنا كيف كانت النجاة بالنفس هي البطولة الوحيدة التي ارتسمت على سماء المرحلة, وكانت مخرجات المرحلة ما تشهده اليمن اليوم من انقسامات ومن اختلال في المفاهيم والمصطلحات, فالصورة النمطية ماتزال عالقة في بعض أذهان المكونات، حتى غدا احتلال الجنوب من قبل الإمارات والسعودية والتحكم بالقرار السياسي وبالمقدرات والسيطرة على الثروات واستغلالها تحريرا، في حين يظل ذلك الجندي المقاتل بالأجر اليومي من ثروات بلاده مقتنعا أنه يعمل على تحرير بلاده, ولا يفكر ممن يحررها ؟ ولا كيف يحررها؟ ولا من هو الذي يديره؟
كل هذا الصهر في بوتقة الواقع عبر كل هذه السنوات، نأمل أن يصنع دولة يمنية واحدة بهوية وطنية صامدة، فالتجارب تصنع، إلا عند الذين لا يفكرون ولا يعتبرون.
Next Post
