تحقيق / هشام المحيا –
¶ 6 آلاف رخصة لعمارات سكنية وتجارية وفنادق اغلبها بلا مواقف سيارات
¶ 210 عمارات و14 ألف “فيلا” أكثرها غير ملتزمة بقانون البناء
¶ محلات تجارية: ندفع رسوما مقابل المواقف الخاصة ومكتب الأشغال ينفي ويرمي اللوم على شرطة السير
يعتقد الجميع أن الضرورة وقبلها العشوائية هما المتسببان بالزحمة الخانقة التي تعاني منها شوارع أمانة العاصمة وعواصم المحافظات حيث الوقوف العشوائي للسيارات أمام الشركات والبنوك والمحلات التجارية الكبرى والمتوسطة والصغرى وكذا وقوف أصحاب المركبات أمام العمارات السكنية التي يقطنونها والمحاذية للشوارع الرئيسية لكن في الواقع ثمة تلاعب كبير في الأمر يدار من خلف الستار أحياناٍ وإهمال يكتنفه الكثير من الغموض أحيانا أخرى ويؤكد ذلك ما قاله بعض أصحاب المحلات التجارية أنهم يدفعون رسوماٍ مقابل تلك المواقف التي هي بالأصل شوارع عامة لكل الناس وتعمق مشكلة الاختناقات المرورية والبناء دون الالتزام بقانون البناء والتشييد الذي يعد الالتزام به الحل للمشكلة ..
تعيش العاصمة صنعاء وكذا عواصم المحافظات يوماٍ تلو الآخر حالة من العشوائية فتختنق بزحمة شوارعها بعد أن توسعت ظاهرة الوقوف العشوائي للسيارات أمام الشركات الكبرى والصغرى والمحلات التجارية بأحجامها المختلفة من مولات وسوبر ماركت ومطاعم وفنادق وعمارات سكنية محاذية للشوارع العامة حيث أنها لم تلتزم ولو بأدنى المواصفات التي حددها قانون البناء والتشييد الأمر الذي انعكس سلبا على حياة المواطنين في العاصمة وبقية المدن وزاد من معاناتهم اليومية حيث يستغرق المواطن وقتاٍ كبيراٍ للقيام بمهمة ما وفي مقدمة المتضررين الطلاب والمواطنين من ذوي الدخل المحدود سواء عمال في مهن حرة أو موظفي الدولة بقطاعيها العام والخاص وعلى سبيل المثال يحتاج الطالب الذي يسكن في شارع شميلة كي يذهب إلى جامعة صنعاء أو يعود منها إلى فترة زمنية تتراوح ما بين الساعة والساعتين تقريبا مع أن المسافة ليست كبيرة فلولا المواقف العشوائية المستمرة والدائمة للبعض في جنبات الطريق لكان قطع المسافة بأقل من ذلك الوقت بكثير وبما أننا أمام واقع مغاير للقانون يبقى تخفيف الضرر من أوجب الواجبات على الدولة ويتمثل ذلك بقيام مكاتب النقل وشرطة السير بتسهيل عملية تنقل المواطنين وعدم السماح لأصحاب السيارات بالوقوف في الشوارع العامة خاصة الشوارع التي تعاني من ازدحام شديد .
ومما زاد الطين بلة أن هذه المهمة غير واردة في قائمة أعمال مكاتب الاشغال وشرطة السير فقد اعتاد الناس كثيرا على رؤية الكثير من السيارات في مختلف الشوارع تستقطع جزء منها للوقوف بشكل مستمر أو حتى بشكل متقطع أيضا يلاحظ على الكثير من أصحاب المحلات التجارية والمطاعم والفنادق استقطاع جزءا من الشارع ووضع لوحة إعلانية مكتوب عليها “موقف خاص ” توضح للناس أن هذه المساحة من هذا الشارع لم تعد ملكا عاما فقد قيدت باسمه بمجرد وضع تلك اللوحة.
خلف الستار
عند البحث عن سبب تطاول بعض المواطنين من أصحاب المحلات وغيرهم على الشوارع العامة وجدنا أن هؤلاء بنوا قرارهم على أساس قانوني من وجهة نظرهم فهم يقولون أنهم يدفعون رسوم مواقف لمكاتب الاشغال وهو الأمر الذي لم يعترف به مكتب الأشغال بالأمانة حيث أنكر نائب مدير المكتب لشئون الفروع عادل النهمي أية صلة لهم بذلك وقال: أن المواقف الخاصة التي يدعيها البعض ملكاٍ له ليست من القانون في شيء وألقى النهمي بالمسؤولية على شرطة السير حيث تتولى هذه الجهة مهمة تنظيم السير بعموم الشوارع .
مدير عام شرطة السير بأمانة العاصمة العميد محمد البحاشي رد بصراحة متناهية على مكتب الأشغال وأكد في هذا الرد ما قاله المواطنون الذين سبق وأن قالوا أنهم يدفعون رسوماٍ لمكاتب الأشغال مقابل مواقف لمركباتهم وقسِم البحاشي حديثه إلى قسمين الأول أنتقد فيه منح تصريحات لمواقف سيارات في الشوارع التي هي بالأصل ملكاٍ عاماٍ للمواطنين أما القسم الثاني فانتقد فيه عدم إخضاع الشركات والمحلات التجارية لقانون البناء والإسكان الذي يشترط إيجاد مواقف خاصة للسيارات بعيدا عن الشوارع والأرصفة وعن القسم الأول يقول ” نأتي إلى أصحاب المحلات التجارية وحتى البساطين ونطلب منهم عدم استخدام الشارع أو الرصيف كمواقف خاصة لهم ولزبائنهم فيكون الرد بأنهم يمتلكون تراخيص وبالتالي نحن غير قادرين على فعل شيء “أما القسم الآخر فيقول” سأضرب مثالاٍ فقط: يوجد في شارع الزبيري بأمانة العاصمة عدد كبير من الشركات والبنوك والمحلات التجارية واحدة منها فقط يوجد بداخلها حوالي 600 موظف الكثير منهم يمتلكون سيارات خاصة بينما موقف سيارات هذه المنشأة يتسع لحوالي خمس سيارات فقط وهذه المنشأة ليست الوحيدة فأغلب المنشآت على هذه الشاكلة ومع ذلك واعترافا بالواقع قمنا بالنزول الميداني لتقصي المشكلة عن قرب ورفعنا الخطة تلو الأخرى كحلول غير أنه لم ينفذ منها شيء “.
قانون البناء
ما يتحدث عنه البحاشي من اهمال وتلاعب في التشييد والبناء بدون مواصفات كان قد أكده القانون رقم 19 لعام 2002م المنظم لعملية الإسكان المدني والذي يوجب على كل من يريد البناء شروطا عدة تختلف باختلاف نوع البناء الذي سيتم تشييده ويهدف هذا القانون إلى ضمان عملية الاسكان وفق تخطيط مسبق من شأنه تسهيل قيام المواطن بمهامه اليومية وكذا لتسهيل مهمة الدولة في تقديم الخدمات لمواطنيها حيث تقول المادة رقم 16 منه “لا يجوز لأي شخص طبيعي أو اعتباري إنشاء أي مبنى أو توسيعه أو تعليته أو تعديله أو تدعيمه أو هدمه أو إجراء أي تعديل أو تغيير في شكله أو معالمه الخارجية إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المكتب المختص طبقاٍ للشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون” وتبين مواد القانون في فصلها الثالث تلك الشروط حيث تشترط المادة 41 على المباني السكنية الا تزيد مساحة البناء فيها بأي حال من الأحوال عن 70% من إجمالي مساحة الأرض وفي المباني التجارية بشكل عام توجب المادة 43 من ذات القانون إلا تتجاوز مساحة البناء فيها 85 % من إجمالي مساحة الأرض أما إذا كانت على الشوارع الرئيسية فيجب إلا تقل الارتدادات في طول الواجهة عن ثلاثة أمتار وفوق كل هذه المواصفات يْلزم القانون المستشفيات والمدارس والمرافق الحكومية وكل مبنى يزيد ارتفاعه عن خمسة أدوار إيجاد مواقف عامة للسيارات .
القانون لا يعمل
ببداهة بل ولأول وهلة يفهم الشخص من عملية تشييد مبنى ــ سواء كان شركة أو فندقا أو مطعما أو محلا تجاريا وحتى عمارة سكنية على شارع رئيسي في مدينة مكتظة بالسكان كأمانة العاصمة وبدون أية مواقف للسيارات ــ أن في الأمر تلاعبا كبيرا يضر بمصلحة المواطن والوطن وهذا الأمر يجعل من مشكلة الاختناقات المروية في ازدياد مستمر ويلاحظ هذا التلاعب من خلال الاحصائيات الحديثة التي توضع أن عدد العمارات في جميع مدن الجمهورية تصل إلى 210 ألف عمارة مختلفة الاستخدامات و14 ألف “فيلا” وفي احصائيات حديثة صدرت عن مكاتب الأشغال بالجمهورية في شهر يوليو من العام المنصرم حول رخص البناء بعموم المدن خلال الأعوام 2011 و2012 و2013م فإن عدد الرخص بلغت 6011 رخصة توزعت بين دار سكن وعمارة سكنية وعمارة تجارية وفنادق وكان نصيب أمانة العاصمة منها 358 رخصة ومع أن عدد الرخص هنا أقل بكثير مما أنجز على أرض الواقع إلا أن الأهم هنا هو مدى مطابقة المباني الجديدة هذه للمعايير البناء التي حددها القانون والجواب ــ بحسب مخصصين ـ أن ما لا يقل عن 70% منها نفذت بعيدا عن بنود القانون وبما أن مواقف السيارات هو أحد شروط القانون المفروض على الراغبين في البناء والتشييد داخل المدن فهذا يعني أن تلك المباني عامل أساس في صنع الأزمة أو بالأحرى صنع الذائقة المرورية للمواطنين في مدنهم.
مكتب الأشغال بأمانة العاصمة كان له تعليق على الموضوع لكنه يكاد يكون تهرباٍ من المسئولية أو بالأحرى “مجرد ذر الرماد على العيون” لا أقل ولا أكثر فمن خلال حديث عادل النهمي نائب مدير الفروع بالمكتب يتبين أن مكتب الاشغال ــ الذي يفترض أن يتحمل كامل المسؤولية ـ ليس له أي دور باستثناء الاطلاع على التقارير التي يرفعها مدراء الفروع بالمديريات وقد أكد النهمي ذلك بقوله ” يتولى مكتب الأشغال بالأمانة مهمة الرقابة والإشراف على ما تقوم به فروع المكتب بالمديريات” وعن سؤالنا عن ماهية تلك الرقابة ولماذا لم نلمسها على أرض الواقع يقول ” دورنا يقتصر في الاطلاع على التقارير الشهرية التي ترفعها مكاتب المديريات والتي تحتوي على عدد رخص البناء أو التجديد للرخص السابقة ورخص التوسعة والاضافة وشيء من هذا القبيل ولا شيء غير ذلك ” ويوحي حديث النهمي إلى شيء ما في بالغ الخطورة وهو أحد أمرين إما أن المكتب مهمش للغاية وإما أن شيئا ما يدار من تحت الطاولة وكلا الوصفين مصيبة .
الخلاصة
في الوقت الذي يعاني فيه قانون البناء والتشييد من تهميش الجهات ذات الاختصاص يستمر البناء العشوائي في خنق سكان المدن اليمنية ويزيد الأوجاع سماح مكاتب الأشغال لأصحاب الشركات والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق باستقطاع أجزاء من الشوارع كمواقف خاصة رغم أن القانون يدين الأشغال ارتكاب هذه المخالفة فهل ستتحرك أمانة العاصمة للنظر في الأمر .. ننتظر ذلك .