عن مشروع الرياح الباردة في اليمن

عبدالرحمن مراد

 

 

بالقياس إلى حركة الواقع التي تجري اليوم بشأن اليمن مع الصمت المريب في التعامل مع فكرة السلام من قبل المجتمع الدولي, يبدو لنا أن المعركة لم تنته بعد, بل تجري اليوم في مسار آخر غير المسار الصلب الذي عجز كل العجز عن بلوغ أهدافه, وربما كان التعويل على فكرة الحرب الناعمة أو على مشروع رياح السلام والرياح الباردة الذي أعلن في وقت سابق – أي خلال السنين الخوالي — وظل يشتغل في مسارات تاريخية وثقافية وعقدية, وظل يتربص بالحوادث العرضية التي تحدث ليخلق منها هالات, ويقوم بتعظيم الصغائر, أو من خلال حالة فردية حدثت دون معالجة في وقتها مع إدراك واع لمسار المعركة, ويبدو أننا اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في الخطط والاستراتيجيات, فمسار المعركة اليوم غيره بالأمس, فهو يتجه إلى الحرب الناعمة بكثافة غير مسبوقة خلال السنين السالفات وللعدو تجارب ومعارف استفاد منها من خلال حربه مع المعسكر الشرقي في القرن الماضي ولذلك فنحن أمام معركة جديدة اليوم, هذه المعركة تتطلب تظافر كل الطاقات الفكرية والثقافية دون استثناء.
حين خضنا معركتنا المصيرية مع العالم والتحالف العربي, وكنا نعي أهدافنا تماما، وهي لا تقل عن الحرية, والسيادة, والاستقلال, ولذلك فالتضحيات لن تكون هباء منثورا بل حرية, واستقلالا, وسيادة على كامل الأراضي اليمنية, وعلى السعودية أن تعي حجم التحول في هذا المسار, فلم يعد الأمر قابل للنقاش, كما أن المقايضة بالملف الإنساني في مقابل الملف العسكري هو في حد ذاته إعلان بالهزيمة, وإن جاءت مغلفة تحت لافتات السلام, فالسلام قيمة في ذاته, والانتصار لا يكون بالصغائر، بل بالقدرات التي تفرضه, ونحن أصبحنا نملك تلك القدرات وقادرون على فرض السلام على مبدأ الندية والمصالح المشتركة وبما يحقق استقرارنا, وأمننا واستقلالنا, وسيادتنا على كامل أراضينا.
تحاول السعودية أن تقول إنها مع السلام في اليمن, و تقوم بحملة ترويج واسعة النطاق في العالم كله بهدف تحسين صورتها, محاولة منها في الانتصار الشكلي وفرض شروط الاستسلام عن طريق استغلال الملف الإنساني, والمقايضة به, تعويضا عن الشعور بالهزائم , وهي في السياق نفسه تحاول أن تستر نفسها عن الاعتراف بالهزيمة العسكرية بعد أن امتد الزمن ليصل إلى العام العاشر دون أي تقدم للسعودية ولمرتزقتها, وقد باءوا بالذل والخسران المبين في كل المواقع والجبهات, وفي الواقع المعيش الذي رغم الإمكانات والقروض ظل وسوف يظل عاجزا عن تقديم نفسه كدولة ذات قيمة, قادرة على تقديم خدماتها للمواطنين, ورموزها يحظون بالاحترام والتقدير من كل الأنظمة في العالم المحيط بها.
إحكام الحصار, ومنع السفن من الوصول إلى الموانئ التي تم تدميرها لن يكون إلا اعترافا واضحا بالهزيمة العسكرية, وإغلاق مطار صنعاء والمنافذ البرية إجراء مقيت لا يلجأ اليه إلا الضعفاء, أما الأقوياء والذين هم منتصرون لا يذهبون إلى الصغائر, لأنها تقلل من انتصاراتهم, وتنزلهم منازل الذل والهوان, ولذلك على السعودية أن تدرك أن اليمنيين ليسوا على استعداد بالتضحية بانتصاراتهم التي صنعوها بالجماجم والأشلاء المتناثرة, وبالصبر والجلد, فالملف الإنساني لن يكون محل مقايضة بيننا وبين السعودية، فقد اقترفت يدها ما هو أفظع وأبشع ولن يكون التاريخ متصالحا مع السعودية في المستقبل في حال يستمر نظام آل السعود في الحكم في منطقة جزيرة العرب, ذلك أن النهايات بدأت ترسم ملامحها بدخان الحروب والأحداث التي يديرها نظام آل سعود في كل بلدان العرب.
تجربة الصمود اليمني في وجه قوى الشر والعدوان، أضحت مثالا لكل أحرار العالم ولكل حركات المقاومة للظلم والصلف والعدوان، وهي تجربة ستكون نتائجها ذات أثر على القوى الاجتماعية والثقافية والسياسية في السعودية، ولذلك من خلال هذه التجربة أصبح النظام العام والطبيعي في السعودية قاب قوسين أو أدنى للانهيار، وعند هذه النقطة علينا الوقوف حتى نجعل من غطرسة السعودية ومن صلفها وظلمها نارا تأكل فيها، وتحد من شبقها، ومن سياسة التدمير التي تنتهجها تجاه الشعوب العربية والإسلامية.
لقد بات الرأي العام العالمي على يقين مطلق أن الحركة الدؤوبة التي يقوم بها المبعوث الأممي والأمريكي هي محاولة لانتشال السعودية من مستنقع الرذيلة الذي وقعت فيه, وكل المبادرات لم تكن إلا بهدف تغطية الهزائم التي تتجرع ويلاتها السعودية, ولذلك تحركوا في مسارين، مسار الحصار والتضييق على الناس في معائشهم وأرزاقهم, والمسار الثاني تكثيف التوجه إلى الحرب الناعمة, وتفكيك النسيج الوطني, والاشتغال على عنصر الزمن في تنمية شعور عام يكون عاملا حاسما في الوصول إلى أهدافهم, لكنهم بذلك يغفلون عن طبائع الحرية, ومبدأ أهل اليمن في عدم المساومة على الكرامة الفردية, فضلا عن الكرامة الوطنية.
لا يمكن لعاقل واعٍ أن يتجاوز مفردة الهزيمة حال أن يقف متفكرا في الحالة التفاعلية التي تجري في اليمن، فالسعودية عجزت عن بلوغ غايتها من اليمن، قد تكون أمريكا حققت قدرا من مصالحها في البحر والمنافذ البحرية، لكن ذلك لن يستمر طالما ونبض الحرية والاستقلال هو ديدننا, ومثلها إسرائيل, لكن السعودية خسرت كل شيء حتى مشاعر أهل اليمن ولم تحقق شيئا يذكر.
لن يعد أمام آل سعود إلا التسليم للواقع والتعامل معه وفق معطياته إن كانوا يعقلون، فكل شروط الانتصار وفرض الهيمنة تجاوزتها المرحلة، فالقوة التي عليها أهل اليمن – بعد عشرة أعوام أو يزيد من الحرب الكونية والحصار في مقابل الذل والهوان الذي بات عنوان السعودية ومرتزقتها في اليمن – بلاغ واضح لمن ألقى السمع أو كان بصيرا.

قد يعجبك ايضا