الاستيطان كأداة انتخابية.. حكومة نتنياهو تُعيد تشكيل الضفة ديموغرافياً

الثورة/ متابعات

تشهد الضفة الغربية واحدة من أخطر موجات التوسع الاستيطاني منذ عقود، وسط تسارع في المصادقات على مخططات البناء والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

ووفقًا لتقرير “المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان” للفترة الممتدة بين 1 و7 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تسابق سلطات الاحتلال الزمن لتثبيت وقائع جديدة على الأرض قبل أي استحقاق سياسي داخلي، في ظل اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة نهاية العام المقبل، أو احتمال تقديمها.

ففي نهاية أغسطس/آب الماضي، صادقت حكومة الاحتلال على مشروع البناء في المنطقة (E1)، أحد أخطر المشاريع الاستيطانية منذ عقود، والذي يربط القدس بمستوطنة “معاليه أدوميم” ويفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.

المشروع، الذي ظل مؤجلاً لسنوات بفعل الضغوط الدولية، يشكّل –بحسب مراقبين– تحولًا استراتيجيًا في خارطة الاستيطان، لما له من تأثير على وحدة الجغرافيا الفلسطينية وإمكانية قيام دولة متصلة.

موجة بناء غير مسبوقة

ويشير التقرير، إلى أن وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش يقود حملة استيطانية “منسّقة وممنهجة”، استغل فيها صلاحياته الواسعة لإطلاق موجة بناء هي الأكبر منذ عقود. فقد أعلنت سلطات الاحتلال الأسبوع الماضي نيتها المصادقة على 1,973 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، ضمن جدول أعمال المجلس الأعلى للتخطيط في الإدارة المدنية.

وتشمل هذه الخطط بناء 133 وحدة في مستوطنة تفوح جنوب نابلس، و720 وحدة في “أفني حيفتس” شرق طولكرم، و568 وحدة في عيناف في المحافظة نفسها، و178 وحدة في “غاني موديعين” بمحافظة رام الله، و246 وحدة في “روش تسوريم” على أراضي نحالين ببيت لحم، و128 وحدة في “عيتس إفرايم” على أراضي قرية مسحة في سلفيت.

كما صادق المجلس الأعلى للتخطيط أواخر أكتوبر/تشرين الأول على بناء 1,300 وحدة جديدة في تجمع “غوش عتصيون” جنوب القدس، ضمن أكبر خطة عمرانية في المنطقة منذ سنوات.

وفي موازاة ذلك، تواصل سلطات الاحتلال طرح مناقصات استيطانية متتالية، شملت مؤخرًا بناء 342 وحدة جديدة في مستوطنة آدم “جفعات بنيامين” شمال شرقي القدس، و14 منزلًا مخصصًا لجنود الاحتياط ضمن مخطط لربط المستوطنة بالبؤرة الاستيطانية “جفعات غور أرييه” المجاورة لبلدة جبع.

كما نُشرت مناقصة إضافية لتخطيط وبناء مجمع استيطاني جديد في “جبعون الجديدة” شمال غربي القدس، في إطار ما يُعرف بمشروع “القدس الكبرى” الهادف إلى تطويق المدينة المقدسة بسلسلة من المستوطنات.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يقول التقرير، تشكّل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة نقطة انعطاف حاسمة في سلوك حكومة الاحتلال والمستوطنين على حد سواء. فقد تحولت تلك الحرب إلى ذريعة مثالية لتكريس سياسة فرض الوقائع على الأرض في الضفة الغربية، حيث تصاعدت الهجمات على القرى الفلسطينية وعمليات الاستيلاء على الأراضي تحت شعار “الأمن والحماية”.

ففي عام 2024 وحده، دفعت حكومة الاحتلال بخطط لبناء 28,872 وحدة استيطانية في مراحل التخطيط والمناقصات، إلى جانب إعلان أكثر من 24 ألف دونم كأراضي دولة، وهو ما يعادل نصف ما تمت مصادرته بهذه الصيغة منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.

وفي العام الجاري 2025، تجاوزت الخطط المصادق عليها 21 ألف وحدة خلال أشهر قليلة فقط، في ظل اجتماعات أسبوعية لمجلس التخطيط الأعلى، ما يعكس تحولًا في البنية الإدارية والتمويلية لصالح توسيع المستوطنات.

مصادرات ممنهجة وتوسّع رعوي

التوسع الاستيطاني لم يقتصر على البناء داخل المستوطنات القائمة، بل ترافَق مع موجات واسعة من مصادرة الأراضي. ففي مارس/آذار 2024، أعلنت إسرائيل الاستيلاء على 8,000 دونم في الأغوار، تبعتها مصادرة 12,700 دونم في يوليو/تموز في أكبر عملية استيلاء منذ ثلاثة عقود.

وتُظهر التقديرات أن الهدف من هذه الإجراءات هو إغلاق المساحات الحيوية أمام التمدد الفلسطيني وتهيئة الأرض لمشاريع استيطانية لاحقة.

وبالتوازي، توسعت ظاهرة المزارع الرعوية الاستيطانية التي تستخدم كأداة للسيطرة على الأراضي وترحيل الفلسطينيين.

وبحسب تقارير إسرائيلية ودولية، تم إنشاء نحو 150 مزرعة رعوية خلال السنوات الأخيرة، العشرات منها بعد أكتوبر 2023، واستولت على ما يقارب 786 ألف دونم، أي نحو 14% من مساحة الضفة الغربية.

وتسببت هذه المزارع الاستيطانية في تهجير أكثر من 60 تجمعًا رعويًا فلسطينيًا، أبرزها في المنطقة الشرقية الممتدة من شرق رام الله إلى الأغوار.

صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت أن مكتب وزيرة الاستيطان أوريت ستروك من حزب “الصهيونية الدينية” خصص 75 مليون شيكل لدعم “المكوّنات الأمنية” للمزارع الاستيطانية، في حين رفع سموتريتش ميزانية وزارة الاستيطان من 123 مليونًا إلى 391 مليون شيكل، أي بزيادة بلغت 320%، مقابل تخفيضات كبيرة في ميزانيات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

كما تموّل وزارة الزراعة الإسرائيلية هذه المزارع تحت بند “منح المراعي”، حيث حوّلت ما يقارب 3 ملايين شيكل بين عامي 2017 و2024، فيما ضخ الصندوق القومي اليهودي نحو 4.7 ملايين شيكل إضافية في المشروع.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 2,895 فلسطينيًا هجّروا قسرًا منذ عام 2023 بسبب عنف المستوطنين، بينهم 636 شخصًا خلال عام 2025 وحده، بينما تصاعدت الاعتداءات ضد المزارعين الفلسطينيين في موسم الزيتون الأخير إلى مستويات غير مسبوقة، في ظل حماية مباشرة من جيش الاحتلال.

الاستيطان في الخليل

وفي مدينة الخليل، كشفت بلدية المدينة عن مخطط استيطاني جديد لإقامة مجمعات سكنية في أرض سوق الخضار المركزي (الحسبة القديمة)، يتضمن بناء 63 وحدة سكنية في ثلاثة مبانٍ بارتفاعات تصل إلى ستة طوابق، إضافة إلى مكتبة وكنيس ومدرسة.

ووصفت البلدية المشروع بأنه اعتداء صارخ على صلاحياتها وحقوق سكان المدينة، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات قانونية لمواجهته، مشيرة إلى أن الأرض “مملوكة بالكامل للبلدية”، التي كانت قد ربحت دعاوى سابقة ضد سلطات الاحتلال بشأنها.

يُذكر أن السوق أُغلق منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين وأدت إلى استشهاد 29 فلسطينيًا، ومنذ ذلك الحين تسعى سلطات الاحتلال لتحويل المنطقة إلى بؤرة استيطانية مركزية داخل قلب الخليل القديمة.

بهذه الخطط المتلاحقة والمصادقات المتسارعة، تمضي حكومة الاحتلال، بقيادة اليمين الديني القومي، في تثبيت نظام استيطاني كامل الأركان في الضفة الغربية، يتجاوز حدود التوسع العمراني إلى هندسة ديموغرافية شاملة، تهدف إلى تقويض أي إمكانية مستقبلية لقيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة.

قد يعجبك ايضا