لم تكن عربية المواطن العربي محمد بوعزيزي في تونس الشقيق الذي أحرق نفسه في 17 ديسمبر 2010م احتجاجا على الإدارة التونسية إلا نقطة البداية في لفت انتباه القائمين أو الفاعلين أو المخططين لمشروع كامن في السياسة الدولية سبق وأن سماه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز في كتابه الشرق الأوسط إعادة هيكلة المنطقة العربية من جديد لتكون إسرائيل بموجب تلك الهيكلة القائد الفعلي لمنطقة الشرق الأوسط المراد تفكيكه وإعادة بنائه وفقا لمصالح قوى الهيمنة.
وبقدر المصير الذي اختاره بوعزيزي لنفسه مأساة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ودلالة فإنه بذلك العمل الانتحاري الذي أقدم عليه قد أجج مشاعر الشعب التونسي وبالتالي تحولت عربيته الصغيرة إلى قطار كبير يواجه الأنظمة العربية وصعدت بذلك القطار الذي امتد من المحيط إلى الخليج قوى متعددة الأطراف والأهداف تداخلت مع بعضها البعض بين ما هو محلي وإقليمي ودولي.
وعلى خلفية ذلك الحدث اجتاحت المنطقة العربية أحداث في منتهى الشدة والخطورة تغير من خلال معطياتها المختلفة عن نهاية مرحلة وبداية أخرى وكأن بوعزيزي لم يكن إلا شاهدا قد مات على أمة منكوبة فالأوضاع التي تمر بها عدد من البلدان تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الأهداف المرجوة من ثورات الربيع العربي كانت نتائجها خلافا لتطلعات شعوب تلك البلدان في ظل واقع عربي يسوء ويقسو لتزداد معه الأوضاع أكثر تدنيا وتدهورا من ذي قبل.
وبالتالي فإن المطالب المشروعة للعرب قد تراجعت فيما كان الحلم الكبير أن تلتقي الأمة العربية من المحيط إلى الخليج في دولة الوحدة الكبرى التي تحمي ولا تهدد تصون ولا تبدد وذلك لإعلاء شأن تلك الأمة المنكوبة التي تواجه بالظرف الراهن طاحونة تدمير الذات داخليا وخارجيا.
ويرجع سبب ذلك إلى هيمنة القوى الدولية التي جعلت من الوطن العربي دار حرب لا دار سلام وما كان ذلك ليكون لولا الأهمية الاستراتيجية لذلك الوطن وما يمتلكه من ثروات جعلته عرضة لموجات من الغزو والاستعمار والتدخل الخارجي.
لذلك وجدوا أولئك الفاعلين والمتطلعين لدورة استعمارية جديدة يتم من خلالها نقل الوطن العربي من دائرة الاحتلال غير المباشر إلى مرحلة الاستعمار المباشر وجدوا في عربية بوعزيزي مبررا كافيا أشبه بالقشة التي قصمت ظهر البعير مع ما كان بحوزتهم من استخطاطيات كافية واستراتيجيات معدة لتحريك المياه الراكدة في مشروع شرق أوسطهم الجديد ما جعل الكثير من المتابعين يبدون مخاوفهم من أن تكون المتغيرات والأحداث التي تمر بها المنطقة ذات اتجاهات وانعكاسات سياسية تضاعف من حالة الاضطرابات القائمة التي تشهدها معظم الأقطار العربية.
خاصة والدروس المستفادة من تاريخ العرب المعاصر تؤكد حقيقة ذلك فقد كان العرب عام 1916م في طليعة الثورة العربية الكبرى وكانوا يتطلعون لمستقبل أفضل وكانت نتائج تلك الثورة سلبية للغاية بل أبرز نتيجة سياسية ترتبت عليها ظهور الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وعلى إثر ذلك دخلت معظم الدول العربية مرحلة الاستعمار المباشر والانتداب والوصاية.
لذلك ستبقى عربية بوعزيزي شاهد عيان على انتهاء النظام الإقليمي العربي الرسمي ودخول جامعة الدول العربية لا سيما مع الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق مرحلة أخرى في العمل العربي المشترك, وبالتالي فإن الدعوات الغربية لإسقاط الأنظمة العربية ليس لأنه حريص على إصلاح الأوضاع الداخلية بقدر ما يريد توسيع نطاق الموالاة للغرب من خلال نقل تلك الموالاة والمجالس من مراكزها الرسمية المحصورة بالقيادات العربية إلى النخب السياسية والمجالس الانتقالية وعلى ذلك النحو يستبدل الغرب العمالة الفردية بالعمالة الجماعية.
Prev Post
Next Post