تحل اليوم الذكرى الحادية عشرة لميلاد ثورة 21 سبتمبر، ولا يزال عنوانها، استمرار الفعل الشعبي الثوري لرد المخاطر والتحديات التي تحاصرها بأشكال متعددة في محاولة لإجهاضها وابتلاعها وإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.
أعداء أي تحول إيجابي يمكن أن يحدث لليمنيين حاولوا ولا يزالون، البحث عن نقاط ضعف لإخماد هذه الثورة المستمرة والمتجددة في نفوس تلك الحشود المليونية التي تُجدد كل يوم جمعة التأكيد بالسير على طريق الحرية، إلا أنهم لا يجدون في بحثهم غير أصوات هادرة بالثبات.
هؤلاء المرضى بالساديّة، من لا يرون الوطن الا من زاوية المصلحة، والانتقائيين في نظرتهم بالخير، بحيث لا يرونه إلا لعدد محدود من اليمنيين والغالبية الباقية لتبتلعهم الأرض، يتجدد عندهم اليوم الشعور بتباعد المسافة بينهم وبين التحكم بخطوط السير وهم يرون إلى هذه المعجزات التي يجترحها هذا الشعب العظيم رغم كل الصعوبات.
لا شك بأن الهَمّ الاقتصادي والارتفاع بمستوى حياة الناس يبقى من أهم تحديات الثورة ومطلباً حيوياً واستراتيجياً، به تكتمل تحولاتها ويشتد عودها، إلا أنه ورغم المثبطات التي تحاول بشكل عنيف إبقاء الحال عند مستوى المعاناة بالحصار وافتعال الأزمات، فإن من يقفون خلف هذه العقبات باتوا يدركون أن ما تحقق من تحولات تتنامى رأسيا، هو مؤشر كاف على قدرة هذا الشعب بقيادته وجيشه على تحقيق الامتداد الأفقي لهذه التحولات، وآجلا أو عاجلا سيتم ذلك، وسترتد المؤامرات إلى نحر صانعيها.
وفي سياق ما صنعته ثورة (21 سبتمبر) من تحول في ثقافة اليمنيين، هناك ما يستحق وينبغي الالتفات إليه بعين التقدير، بسيط في مظهره عظيم في مدلوله، وهو روح المبادرة، وروح استشعار المسؤولية للقيام بما تفرضه حاجة التجمعات السكانية سواء في أرياف اليمن أو مدنه.
فخلال الأعوام الماضية من عمر الثورة شهد اليمن، ظاهرة استثنائية جدا على مستوى الأمة العربية الإسلامية ولا يحتل بها اليمن الصدارة فقط وإنما التفرّد بلا منازع، ففي كل يوم تقريبا يأتي خبر عن إنجاز مشروع في المجالات المختلفة تعليمية، صحية، طرقات، كرفانات تجميع مياه إلى آخره داخل هذه المناطق، والمبادر والفاعل والممول فيها جميعها هم المواطنون.
بينما وحتى وقت قريب كانت الاتكالية سيدة كل الحاجات وكان الناس يكتفون بصب جامّ الغضب واللعنات على الدولة لتقصيرها في القيام بهذا الدور، ويقبلون على أنفسهم العيش في المعاناة بسبب هذا التقصير، بحُجة أنها مسؤولية الدولة، إنما حضور الوعي بأهمية المبادرة بما يصب في مصلحة الجميع، كفيل بإدراك أنه في الأوقات الاستثنائية كالتي تمر بها بلادنا، حيث تعيش معركة استقلال من المؤامرات التي تريد لها أن تكون ضمن الدول المنضوية في عباءة قوى الاستعمار وما يعنيه ذلك من تكالب عدائي وحصار، يصير من الحكمة أن يكون لروح المبادرة حضورها.
في ثقافة ما بعد (21 سبتمبر)، وعى الناس معنى التحرك العملي عندما يكون الأمر مرتبطاً بإيمان وقناعات وبأماني وطموحات، فكل ما نريد له أن يتحقق لا يمكن أن يأتي بمجرد عقد نيّة، أو انتظار …