الساعة العاشرة مساءً – السبت 26 يوليو 2025 .
يسقط المساء ببطء على ذلك المنزل القديم بإحدى القرى اليمنية الشاهقة ، لا يكسر صمته إلا عواء كلب ضال وصوت مذياع خافت. داخل غرفة متواضعة، يلمع ضوء الشاشة القديمة على وجه امرأة تجلس وحيدة، بينما تشاهد أحداث فيلم “نهاية عفاش” المعروض على قناة العربية.
تتابع الفيلم .. تتحول أنفاسها إلى شهقات صامتة ودموع تذرف جعلت من جدران الغرفة تأنّ وجعاً بينما تمسك بصورة ابنها وتذرف دموعاً حارة لا تتوقف
تعود بها الذاكرة لذلك اليوم المأساوي
الساعة الثامنة صباح 4 ديسمبر 2017
كانت الأم المكافحة ” صابرة ” تتكئ على جدار رصيف جسر الزبيري أمامها صندوق صغير أبيض بداخله أقلام ودفاتر مدرسية فيما طفلها الوحيد حازم بجوارها يرتب الصندوق الذي يقتاتون منه للعيش بعد استشهاد زوجها العسكري في مجزرة ذبح الجنود المروعة بمحافظة أبين في نهاية العام 2011م، بعد أن أوقفت الحافلة التي تقلهم مجموعة مساحة من أفراد تنظيم القاعدة وقامت بعدها بذبحهم في جريمة مروعة لا تزال عالقة في ذاكرة الشعب اليمني .
تشاهد الأم صابرة طفلها الوحيد وهو يبتعد.. تنادي عليه أن يعود يقترب منها وتقوم بإمساك يده الصغيرة وفجاه تشاهد خمس سيارات بيضاء مدرعة تقترب من بداية الجسر بسرعة جنونية تحتضن طفلها بقوة . . تمر السيارات من أمامها وفجاه تقفز السيارة الأخيرة للرصيف بالقرب منهم ويقفز ابنها من الخوف للأمام تنهض وهي ترتعش وتشير بيدها للسائق بكل رجاء أن ابنها أمامه يشاهدها السائق يرمقها بعينين غاضبتين . . التقت عينيهما معا نظرة رجاء موجعة تقابلها نظرات قاسية شريرة ليقوم بدهس طفلها بكل برود ويواصل المضي فيما هي توقفت تماماً من هول الفاجعة تشاهد طفلها غارق في الدماء ورأسه محطمة تماماً .
كانت تصرخ بكل قوة “حازم .. حازم”
***
الساعة الحادية عشرة ليلاً – الخميس 31 يوليو 2025
داخل ذلك الفندق الفاخر بالرياض، تجمد الهواء بعد أن اختفت الابتسامة الصفراء من وجه ذو الوجه المتصابي. شاشة الآيباد التي كان الضابط الإسرائيلي يطل منها فارغة الآن، بعد أن أغلق الاتصال فجأةً وكأن الأرض قد ابتلعت صوته. قال أحدهم وصوته يكاد لا يُسمع من شدة الرعب:
· لقد سمعوا كل شيء… إنهم يعرفون! أجابه صاحب النظارة بعيون جاحظة وقد التصقت جبهته بعرق بارد:
· بل يعرفون أكثر مما سمعنا… كان هناك كاميرا! من الذي سمح له بدخول الغرفة بهذه الساعة؟!
ثمة خونة بيننا . . كم نحن خونة أغبياء !!
***
الساعة الثامنة والنصف صباح السبت – ٢اغسطس 2025 م .
انعطف ” ناجي” بسيارته التاكسي المتعبة إلى أحد الأزقة الضيقة في صنعاء القديمة بحثًا عن عنوان داخل البيوت المتراصة كالأبراج القادمة من رواية أسطورية .
يترجل من سيارته باتجاه منزل زميله بالعمل ليزوره، فهو منذ أيام طريح الفراش قبل أن يذهب للعمل ويعتذر لمديره عن التأخير .
بينما كان يتمشى مع جدران الطين المزخرفة بنقوش عمرها مئات السنين، لاحظ من خلال باب حوش منزل قديم مفتوح جزئيًا حركة غير طبيعية.
توقفت خطواته عندما لمح رجلين يرتديان ملابس عادية يقومان بتركيب جسم أبيض مسطح يشبه الطبق على قاعدة معدنية.
حاول أن لا يبدو فضوليًا، فتابع السير قليلًا متكئًا على جدار قريب متظاهرًا بإصلاح هاتفه.
نظر مرة أخرى بعناية، فرأى الهوائيات الصغيرة المميزة والشكل الدائري المألوف.
فجأة تذكر الصورة التي انتشرت قبل أيام على مواقع التواصل تحذر من أجهزة “ستارلينك” التجسسية الممنوعة والتي تستخدم للاتصال غير الآمن.
شعر بموجة من الغضب والخوف تتلبسه، هذا اختراق صارخ لأمن بلده.
التفت بسرعة ليتأكد أن أحدًا لم يلحظه، ثم ابتعد بخطوات هادئة سريعة حتى اختفى عن نطاق الرؤية.
بمجرّد أن شعر بالأمان، أخرج هاتفه بيد واثقة واتصل بالرقم (100) ونقل بصوت خفيض كل ما رآه .
***
الساعة العاشرة صباحاً – الإثنين 4 أغسطس 2025
في غرفة عمليات مؤقتة بالمخا، يتنقل ضابط إسرائيلي بعصبية بين شاشات المراقبة. كان يراقب عن كثب اتصالاً هاماً يجري عبر برنامج مشفر. على الشاشة الرئيسية، يظهر وجه شيخ قبلي معروف كان المفتاح الأساسي لتفجير الوضع في الداخل .
قال الضابط الإسرائيلي : هذا الشيخ هو بطاقة التوتير التي سنلعبها. تواصله معكم سيكون الشرارة التي نحتاجها”.
وبينما كان الشيخ يتحدث مع الخائن المحلي والذي يطالبه بتأجيج الوضع في مقابل أموال ووعود وان جميع الترتيبات العسكرية المختلفة ستكون داعمة له ضمن المخطط الاسرائيلي . . كان هناك طرف ثالث يتابع المحادثة بأكملها . . .
يتبع في الحلقة الثالثة . .