
ما عاد يجدي إقصاء الاهتمام والتواري عن فهم معطيات الصحة بما تحويه من معلومات وحقائق تزيح عنا الوقوع في منزلق الإصابة بالأمراض الخطيرة كمرض البلهارسيا الذي كان ولا يزال يهدد شريحة واسعة في المجتمع وهم عنه غافلون.
إن خطورة هذا المرض يبدو جلياٍ وإذا ما ترك دون مكافحة أدى -بطبيعة الحال- إلى تزايد عدد المصابين أكثر وأكثر بما يفضي- إن حْيدت المعالجة وصار الإهمال هاجس الناس وديدنهم- إلى الدخول في معترك صعب يطلق عليه(الإصابة المزمنة) بشكل يقود إلى مضاعفات شديدة بل وقاتلةُ في نهاية المطافº متى تأخر علاجها واضمحلت الصحة على نحوُ خطير.
لاشك أن خطورة الإصابة بطفيلي البلهارسيا تكمن في بقاءه داخل جسم الإنسان ليصير مزمناٍ بمرور الوقت وعندها يكون شديد الضراوة لدرجةُ يصعب معها العلاج كثيراٍ لكنه كي يصل إلى هذه المرحلة المزمنة يتطلب مدة زمنية قد تطول كثيراٍ لتصل إلى سنوات ممتدة.
وحينها تشتد الأعراض على المريض أسوأ بكثير مما كانت عليه حيث تظهر تقيحات في الأمعاء الغليظة والمثانة وكذلك التهابات شديدة وهذا- بالطبع- يْنسب إلى البلهارسيا المعوية.
بينما يبدأ طفيلي البلهارسيا-عموماٍ- بالانتقال إلى أعضاء أخرى داخل الجسم مثل الكبد والجهاز المراري وربما يصل به الحال إلى بلوغ الرئة بما قد يؤدي – أحياناٍ- إلى حدوث انسدادُ رئوي.
كما يمكن من جراء هذه الحالة المزمنة أن تتكون تورمات معينة في القولون والمستقيم لكن أخطر ما يمكن حدوثه في هذه المرحلة هو ارتفاع ضغط الدم في الوريد البابي للكبد نتيجة انتقال المرض إلى الكبد والجهاز المراري مما قد يسبب نزفاٍ في المريء يمكن أن يؤدي في النهاية إلى الوفاة.
أما البلهارسيا البولية فتخلف أضراراٍ مزرية للغاية من شأنها التسبب بتضرر المثانة بشكلُ خطير قد يفضي إلى الإصابة بسرطان المثانة أو الفشل الكلوي كما أنه قد يسبب العقم للبعض.
بالتالي هناك أولوية وضرورة ملحة لمعالجة البلهارسيا من البداية بمعزلُ عن أي تهاون للمريض بالعلاج حتى لا يقع في شراك المضاعفات الخطيرة للبلهارسيا فتذيقه الويلات ولو بعد حين طالما لم يلتزم بالعلاج ولم يعاود التشخيص مجدداٍ بعد تناوله بمدة لا تتجاوز في المرة الأولى أسبوعاٍ كاملاٍ.
لا شك أن الذي أعطى هذا المرض سمة الانتشار والذيوع في اليمن وجود تنوع في مصادر المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان مثل مياه البرك والسدود والحواجز المائية والغيول وقنوات الري.
لذلك يجب أن تتركز جهود حملات المعالجة مستهدفة عموم المواطنين من عمر(6سنواتُ فما فوق) بمعية تكثيف جهود التوعية السكانية باتخاذ تدابير الوقاية الشخصية والجماعية من المرض لتشمل المديريات التي يشيع فيها وينتشر بنوعيه(البولي والمعوي).
فعلى جهل الناس وضعف وعيهم يقتات هذا المرض ليؤثر بشدة على صحة الكثيرين ممن أعوزهم الجهل وأعمتهم الحاجة عن استخدام مصادر المياه بغض النظر عن كونها موبوءة أو غير موبوءة بالبلهارسيا بسبب قلة أو ضعف الوعي الصحي لاسيما في أرياف المناطق الجبلية الوعرة إذ من المألوف أن نجد من يستحم أو يتوضأ بهذه المياه أو ينتفع بها في المنزل أو خارجه لغسل الملابس أو لأي ُ من الاستخدامات المنزلية وغير المنزلية الأخرى دون غليه ولو لمدة نصف ساعة على الأقل.
ناهيك عن استعمال المياه ذاتها لري الأشجار والمزروعات بالغمرº عبر الخوض بقدمين عاريتين دون ارتداء حذاءُ بلاستيكي واقُ وعازل للمياه بحيث لا يجعلها تتسرب إلى القدمين.
كما أن السباحة في المياه الموبوءة أو الخوض فيها للاغتسال أو اللهو هو أبرز ما يعزز انتشار البلهارسيا فمعها يقضي الكثيرون أطول فترة ممكنة بما يسهل على الطور المائي للبلهارسيا من أن يخترق جسم الإنسان فيصاب بالمرض- بكل تأكيد- على غفلةُ من أمره.
والمقصود بالمياه الموبوءة هو ما ذكرته من مصادر مائية عذبة أو شبه عذبةº راكدة أو بطيئة الجريان والتي يفسد البعض منافعها عندما يقضون حاجتهم فيها وإن كانت حتى على مقربةُ من الماء.
وليس بالضرورة مشاهدة هذه الملوثات لنؤكد وجود داء البلهارسيا أو ننفي الأمر طالما أن أنثى المرض تضع بيوضها في مستقيم أو مثانة المريض- بحسب نوع المرض- لتخرج مع البول أو البراز حتى إذا ما وصلت إلى مكانُ فيه ماء عذب أو أقل عذوبة بالمواصفات التي ذكرتها تبدأ بذلك دورة حياة جديدة للمرض تنتشر فيه أعدادَ هائلة بالملايين من(مشقوقات الذنب) أو ما يسمى بالطور المعدي للبلهارسيا والتي تجول داخل المياه – بعد خروجها من القوقع المائي- باحثةٍ عن أجسادُ بشرية لتهاجمها ومتى وجدت أي إنسان داخل المياه- ولو حتى قدميه- عمدت إلى اخترق الأجزاء الرخوة من الجلد لتصل إلى غايتها بعد أن تتم دورة التزاوج وتكتمل فترة حضانة المرض بالجسم وبذلك يصاب الإنسان بالمرض على غفلة من أمره.
وما هي إلا أيام قليلة حتى تظهر آثار المرض التي تبدو أشد عند صغار السن وبعض الراشدين أو أنها تنحا أعراضاٍ أخف قد لا تبدو ملفتة للمريض الأمر الذي يفسر دافع البعض إلى التهاون في اللجوء إلى الطبيب وعدم عمل فحص طبي بالمختبر للبول أو البراز بحسب نوع البلهارسيا الذي أصيب به.
لذلك لا بد أن يكون للمواطن بصمات واضحة في مكافحة البلهارسيا من خلال عدم الالتماس المباشر بالمياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان بأي شكلُ من الأشكال التي ذكرناها وأن يبادر إلى علاج نفسه وأسرته إذا ما أصيبوا بالبلهارسيا- حتى إن لم تكن أعراض الإصابة حادة أو قوية.
وفي الحملة الوطنية لمكافحة البلهارسيا التي يشرع في تنفيذها خلال الفترة من(8-11ديسمبر الجاري) مستهدفةٍ جميع أفراد المجتمع من عمر(6سنوات فما فوق) باستثناء النساء الحوامل في(78) مديرية فقط بمحافظات(تعز أبين عمران إب المحويتالضالع ريمة ذمار لحج صعدة حجة صنعاء حضرموت الساحل الحديدة) أجد المسؤولية تحتم على الجميع بأن يكونوا حريصين على تناول العلاج المضاد للبلهارسيا خلال الحملة سواءٍ في المرفق الصحي أو المدرسة أو في أي موقع يتواجد فيه فريق المعالجة فهو يعالج المصابين بالبلهارسيا ويتيح جرعة وقائية لغير المصابين ثم أنهم سيحصلون- أيضاٍ خلال هذه الحملة الوطنية- على جرعة مضادةُ للديدان الطفيلية المنقولة بالتربة.
وعلى الجميع هنا تناول وجبة مشبعة قبل أخذ العلاج لكي يحققوا أقصى درجات المنفعة من الدوائيين بالمعايير الطبية المحددة دون أن تتجلى معها أي آثار عارضة عابرة كالشعور ببعض الغثيان أو الرغبة في التقيؤ.
• المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
• بوزارة الصحة العامة والسكان