لابد من تطبيق القانون الضريبي.. ومعاقبة المتهربين

■ كتب/ أحمد الطيار –

حين تتبع خبير التخطيط والسياسات التنموية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي عبدالمجيد البطلي قضية الإصلاحات الضريبية في اليمن وجد أن تلك الإصلاحات قد تمت على ما يرام منذ عشر سنوات لكن مشكلتها أنها حبر على الورق لأن القضية الأكبر في اليمن تتمثل في وجود ضعف شديد جداٍ في إنفاذ سيادة القانون الضريبي مما يشجع على تمادي المتهربين وإحباط الروح المعنوية للمكلفين الملتزمين .
البطلي وجد أيضا أن مديونية الجهات المكلفة من المؤسسات العامة والخاصة في اليمن للدولة يزيد عن 220 مليار ريال وأن تلك المديونية ربما لن يتم سدادها في يوم ما طالما بقي الوضع على ما هو عليه الآن.

بعد استكمال دراسته التي أعدها وفقا لتعاون الحكومة اليمنية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اقترح الخبير البطلي على الحكومة إنشاء قسم مخابراتي يعنى بأمن الفساد الضريبي والجمركي في اليمن يتبع الهيئة العليا لمكافحة الفساد تكون مهمته المساهمة في إنفاذ سيادة القانون الضريبي وللحد من الفساد في التحصيل الضريبي والحاجة لتقليص الاحتكاك بين مسئولي الضرائب والمكلفين.
اليمن بمفهوم الامتثال الضريبي العالمي تعد من الدول الأقل تحصيلاٍ للإيرادات الضريبية حيث لا تساهم سوى بحوالي 22.7% من إجمالي عام الإيرادات في المتوسط في حين تتراوح تلك النسبة بين 40-67% في دول عربية مشابهة مثل تونس ومصر والأردن ولبنان. أما الجهد الضريبي في اليمن فإنه يبلغ 49.7% خلال نفس الفترة أي أن ما يتم تحصيله من ضرائب يصل إلى حوالي نصف إجمالي المبالغ المفترض تحصيلها.
اليوم يعيد الأمر نفسه فبعد سنوات من الفوضى السياسية والأمنية في البلد تعجز مصلحة الضرائب عن تحصيل ديونها لدى المكلفين بل يقال إن الموارد الضريبية بدلا من أن ترتفع بنسبة معقولة يقول تقرير صدر العام 2013م إن هناك زيادة طفيفة في الإيرادات خلال العام 2012م تصل إلى نحو 9 مليارات ريال فيما صنفت بأنها زيادة ناجمة عن ضرائب الدخل للموظفين فقط.

العدالة الضريبية مفقودة
ويظهر تقسيم الإيرادات الضريبية حسب أنواعها هيمنة كل من ضرائب الدخل والأرباح والضرائب على السلع والخدمات والتي مثلت 45.5% و 37% من إجمالي الإيرادات الضريبية عام 2010 على التوالي. ففي إطار ضرائب الدخل والأرباح هنالك قصور واضح للعدالة الضريبية كون معظم العبء الضريبي تتحمله المؤسسات الرسمية وموظفوها (الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام والمختلط والتعاوني) وهم من ذوي الدخول المحدودة حيث يساهمون بحوالي 65% من ضرائب الدخل والأرباح. وفي المقابل تنخفض نسبة مساهمة أصحاب المهن الحرة والشركات والمؤسسات الخاصة والعاملين بها وبصورة لا تتناسب مع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي التي تصل إلى حوالي 75% عام 2010. مما يستلزم تجسيد سيادة القانون الضريبي على القطاع الخاص والعاملين فيه الذي يمارس تهرباٍ ضريبياٍ كبيراٍ. ومن زاوية أخرى يساهم أصحاب الشركات والمشروعات في اليمن بـ 14.7% من إجمالي الإيرادات الضريبية ويتحمل الأفراد 31%. مقارنة مع تحمل الشركات في إسرائيل لـ 28% ويتحمل الأفراد 6% فقط. وهذا يعكس تحيز التحصيل الضريبي ضد الأفراد ولصالح الشركات وأصحاب رؤوس الأموال.
وبالنسبة للضرائب على السلع والخدمات شكلت الضريبة على مبيعات السجائر 18.5% من إجمالي الضرائب على السلع والخدمات وهذه علامة إيجابية تحسب لصالح السياسة الضريبية الداعمة لصحة المجتمع وتنمية الإيرادات العامة. ويعود ذلك بدرجة رئيسية إلى دقة الاستقطاعات الضريبية التي تتم على منتجات السجائر المحلية ووضع الطوابع الضريبية. إضافة إلى ارتفاع معدل الضريبة المفروضة على مبيعات السجائر حيث تفرض بنسبة 90% من قيمة المبيعات.
وما يؤسف له أن ضرائب مبيعات القات تعد شبه جامدة في تطورها ومحدودة جداٍ في مساهمتها حيث لم تتجاوز 2% من إجمالي الضرائب على السلع والخدمات. ورغم أن القانون الضريبي أقر ضريبة على مبيعات القات بمعدل 20% فإن حصيلته الفعلية تبلغ 1.5 % فقط من قيمة الإنفاق على القات.

كفاية النطاق الضريبي
ولقياس مدى كفاية النطاق المتاح للإيرادات الضريبة لتغطية النفقات الجارية والنفقات الاجتماعية الإضافية فإن الإيرادات الضريبية المحصلة فعلاٍ لم تغط سوى 25.6% من إجمالي النفقات الجارية عام 2010 في حين يفترض أن تغطي كل النفقات الجارية وفقاٍ لمعايير اقتصاد السوق الاجتماعي. وفي ظل افتراض رفع كفاءة وفاعلية النظام الضريبي ومن ثم الحصيلة الضريبة إلى مستوى الدول النامية المشابهة فستغطي الطاقة الضريبية حوالي 53-70% من النفقات الجارية. ولضمان التغطية الكاملة فإن هنالك حاجة ضرورية بجانب تقوية النظام الضريبي ورفع كفاءته وفاعليته إلى إصلاح النفقات الجارية بترشيدها وإعادة هيكلتها والذي معه يتوقع أن تكون نسبة التغطية بين 78 % – 103 %.
وعند قياس مستوى تغطية إيرادات الضرائب الكامنة (الفاقد الضريبي) للاحتياجات الاجتماعية الإضافية تم وضع سيناريوهين يقوم الأول على افتراضات متحفظة في تقدير الموارد الضريبية الكامنة وزيادة عدد الحالات المستفيدة من إعانات صندوق الرعاية الاجتماعية بحوالي 1.065 مليون حالة عن وضعها الحالي وزيادة مبلغ الإعانة للجميع ليغطي خط فقر الغذاء. إضافة إلى تقديم إعانة بطالة لحوالي 100 ألف حالة وذلك بمبلغ يغطي خط الفقر الأدنى. ومضاعفة نفقات الصيانة والتشغيل ومخصصات قطاع الصحة. وكذلك زيادة مخصصات قطاع التعليم بمعدل 25% توجه لاستيعاب الأطفال المتسربين من التعليم. في ضوء تلك الافتراضات يتوقع أن تكون الموارد الضريبة الكامنة قادرة على تغطية حوالي 104% من الاحتياجات اللازمة للقضاء على فقر الغذاء وتحسين مستوى معيشة السكان.
وفي السيناريو الثاني تم تعديل بعض افتراضات السيناريو السابق وذلك بإعطاء تقدير متفائل للموارد الضريبية الكامنة وبزيادة عدد المستفيدين من إعانات البطالة إلى 200 ألف حالة وأن نفقات الصيانة والتشغيل ومخصصات قطاع الصحة تتضاعف ثلاث مرات. إضافة إلى زيادة مخصصات قطاع التعليم بمعدل 30%. وفي ضوء ذلك يتوقع أن تكون الموارد الضريبية الكامنة قادرة على تغطية حوالي 131% من الاحتياجات اللازمة للقضاء على فقر الغذاء وتحسين مستوى معيشة السكان. وعليه يمكن تخصيص الزيادة المقدرة لصالح الإنفاق التنموي المجدي وتخفيض عجز الموازنة. وتعتبر تلك النسبة ليست بالغريبة حتى وإن بدت مرتفعة في حال تم الارتقاء بأداء النظام الضريبي اليمني إلى مستوى النظم الضريبية في بقية الدول النامية المشابه. التحصيل الضريبي يتسم بضعف الشفافية وتفشي الفساد والضبابية وعدم الوضوح بسبب عدم التزام معظم المكلفين بمسك سجلات ودفاتر محاسبية منتظمة. مما يضطر مسئولي الضرائب للجوء إلى أساليب أخرى لتقدير المستحقات الضريبية تنطوي على إجراءات تفاوضية مع أصحاب العمل مما يفتح الباب للفساد. وتشكو شركات القطاع الخاص من كثرة زيارات موظفي الضرائب والتي تصل إلى ثلاثة أضعاف متوسط مرات الزيارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتتوقع 66.7% من الشركات تقديمها لهدايا أو مدفوعات غير رسمية (رشوة) لمسئولي الضرائب. مما يهدد نمو مؤسسات الأعمال ويهدر موارد الموازنة العامة للدولة وبطء آلية فض المنازعات الضريبية. فعند وجود نزاع بين مصلحة الضرائب ودافعي الضرائب حول قرارات ربط الضريبة فإن هنالك ثلاث مراحل تمر بها القضية. وتشير المعلومات إلى أن بعض القضايا لا زالت دون حل منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي. مما يدفع المكلف لاتباع وسائل أخر لاختصار الطريق الطويل لآلية فض المنازعات. ويفيد أحد التقارير بأن 80 % من القضايا المرفوعة أمام المحاكم الضريبية تصدر لصالح المكلفين. وهذا ينم عن تساهل الإدارة الضريبية في إجراءات التقاضي وضعف مصداقيتها. وقد جاء قانون ضريبة الدخل ليعالج تلك المسألة عبر تحديد مدد زمنية لفترة البت في الشكاوى “ما لم تكن هناك مبررات استدعت التأخير”. وهذه العبارة الأخيرة تثير مخاوف استغلالها. واستناداٍ لذلك يستحسن تحديد نوع المبررات ووضع نظام لمتابعة سرعة البت في القضايا.
وتقول الدراسة إن الضرائب تلعب دورا هاما في التأثير على كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتعد أداة أساسية من أدوات السياسية المالية التي تستخدم لتحقيق أهداف محددة تختلف تبعاٍ لفلسفة النظام الاقتصادي القائم في البلد وتمثل الضرائب مورد التمويل المستدام للموازنة العامة لتمكين الدولة من القيام بواجباتها تجاه الفرد والمجتمع وخاصة تغطية نفقات الإدارة العامة ونفقات الجانب الاجتماعي بما يكفل مستوى معيشي لائق للسكان. كما تقوم السياسة الضريبية بدور محوري في دعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات والحفاظ على الاستدامة البيئية.

الفاقد
يعكس ضعف التحصيل الضريبي مدى الفاقد الذي يلحق بالإيرادات العامة للدولة ولهذا يمكن النظر إلي ذلك الفاقد كفرصة مستقبلية وموارد كامنة بوسع اليمن استغلالها عن طريق الارتقاء بأداء النظام الضريبي إلى مستوى الدول المشابهة.
في هذا السياق هنالك تجارب دولية (مثل تجربة دولة بيرو وتنزانيا) تمنحنا الثقة بقابلية تعبئة الموارد الضريبية الضائعة وأكثر منها خلال فترة معقولة إذا ما توفرت الإرادة السياسية كمحدد أول ومن ثم الإدارة الضريبية الكفؤة والنزيهة وتم تجسيد سيادة القانون الضريبي. وفي خطوة عملية يمكن الاستفادة من توصية إحدى بعثات صندوق النقد الدولي بإنشاء وحدة تعنى بحالات التهرب والتحايل الضريبي الجسيمة في إطار مصلحة الضرائب وتزود الوحدة بالمهارات المتخصصة. وتتكون عضويتها من جهات عدة مثل هيئة مكافحة الفساد العربية شبكة العدالة الضريبية اللجنة العليا للمناقصات الهيئة العليا لمكافحة الفساد مكتب المدعي العام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وكذلك مصلحة الجمارك. إضافة إلى توسيع وتحديث قاعدة بيانات المكلفين الضريبيين وتقوية المتابعة اللاحقة للمشاريع الاستثمارية المرخصة بما يضمن تسجيلها في الإدارة الضريبية وإلزامها بمسك سجلات ودفاتر محاسبية منتظمة. وضمان تعاون كافة الجهات والمؤسسات العامة مع مأموري الضرائب وتمكينهم من فحص سجلاتها وخاصة البنك المركزي اليمني والمؤسسة الاقتصادية اليمنية وسجلات الشركات المتعاقد معها كالشركات النفطية. فضلاٍ عن زيادة التنسيق بين الجهات المانحة ومصلحة الضرائب بما يضمن حصولها على معلومات الموظفين والمتعاقدين والمقاولين الخاضعين للضريبة.

قد يعجبك ايضا