بنك HSBC البريطاني يغلق حسابات 1000 من أثرياء العرب!

 

 

 

بنك HSBC البريطاني يغلق حسابات 1000 من أثرياء العرب!

أعلن بنك HSBC البريطاني من خلال وحدته للخدمات المصرفية الخاصة في سويسرا، عن قرار مفاجئ بقطع علاقاته مع أكثر من 1000 عميل من أثرياء عرب. وشملت قائمة أثرياء الشرق الأوسط الذي أنهى البنك الشهير علاقاته معهم أثرياء سعوديين، لبنانيين، قطريين، ومصريين، في خطوة تهدف إلى تقليص تعاملات البنك مع العملاء المصنفين بأنهم “عاليو المخاطر”.

وفقا لوكالة بلومبرج بدأ البنك بإخطار العملاء المعنيين، بعضهم يمتلك ثروات تتجاوز 100 مليون دولار، مع خطط لإرسال خطابات رسمية خلال الأشهر المقبلة لإغلاق الحسابات وتحويل الأموال إلى ولايات قضائية أخرى.

الحقائق الدامية خلف الأرقام

القرار، وحسب محللين اقتصاديين، يحمل في طياته أكثر من مجرد إعلان مصرفي، فهو يعكس صورة معقدة من التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي تتشابك فيها المصالح المالية العالمية مع المخاطر المحلية. إن قرار بنك HSBC بإغلاق حسابات مئات الأثرياء في الشرق الأوسط، لا يمكن فصله عن سياق التحولات في قواعد اللعبة المصرفية الدولية، حيث لم تعد الثروة وحدها هي المعيار، بل مصدرها وشرعيتها، لاسيما وأن وحدة الخدمات المصرفية الخاصة في HSBC بسويسرا تعد جزءا من استراتيجية البنك العالمية لخدمة الأثرياء، حيث تدير أصولا بمليارات الدولارات عبر مكاتب في أوروبا، آسيا، والشرق الأوسط، ومع ذلك واجهت الوحدة انتقادات متكررة بسبب فشلها في مكافحة غسل الأموال، حيث كشفت تحقيقات FINMA في يونيو 2024 عن تقصير البنك في التحقق من مصادر أموال مرتبطة بشخصيات سياسية بارزة.

وتاريخيا ارتبط اسم HSBC بفضائح مالية متعددة بما في ذلك تسوية بقيمة 192 مليون دولار مع السلطات الأمريكية عام 2019 بسبب تسهيل التهرب الضريبي، وغرامة قياسية بقيمة 1.9 مليار دولار عام 2012 لتورطه في غسل أموال مرتبطة بعصابات مخدرات مكسيكية، وألقت هذه الفضائح بظلالها على سمعة البنك، مما دفع FINMA إلى فرض رقابة مشددة على أنشطته في سويسرا.

وكانت مصادر مطلعة قد أن القرار جاء على خلفية تحقيقات مكثفة أطلقتها السلطات السويسرية في يناير 2025، تتعلق بشبهات غسل أموال مرتبطة بحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وشقيقه رجا، حيث اتهم البنك بالفشل في التحقق من مصادر أكثر من 300 مليون دولار تم تحويلها بين لبنان وسويسرا خلال الفترة من 2002 إلى 2015.

وقد ألزمت FINMA البنك بمراجعة شاملة لجميع علاقاته عالية المخاطر، ومنعته من فتح حسابات جديدة لشخصيات سياسية بارزة حتى استكمال الإصلاحات.

وأثار قرار HSBC موجة من الجدل في الأوساط المالية بالمنطقة العربية، حيث اعتبره البعض ضربة قوية لسمعة البنك في إدارة الثروات بالشرق الأوسط، واعتبر محللون أن تلك الخطوة ستدفع العملاء المصريين والعرب إلى البحث عن ملاذات مصرفية بديلة في دبي أو سنغافورة.

إن ما يبدو على السطح كـ”إعادة هيكلة” روتينية، هو في الواقع عملية تطهير قسرية فرضتها ضغوط رقابية لا ترحم. لم يكن قرار البنك نابعاً من استراتيجية داخلية بحتة، بل جاء استجابة مباشرة لضغوط مكثفة من هيئة الرقابة المصرفية السويسرية (FINMA)، التي كشفت عن “قصور خطير” في ممارسات البنك. هذه الفضيحة ليست مجرد زلة إدارية، بل هي تأكيد على أن بعض الأنظمة المصرفية العالمية، التي طالما كانت ملاذاً آمناً للأموال، أصبحت تحت المجهر.

إن الربط المباشر بين هذه الخطوة وتحقيقات الفساد المرتبطة بحاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، يكشف عن عمق الأزمة. فالأمر لم يكن يتعلق فقط بأفراد، بل بنمط كامل من التعاملات التي كانت تسمح لأموال غير نظيفة بالتسلل عبر قنوات مصرفية حساسة. الفشل في التحقق من مصادر مئات الملايين من الدولارات لا يمثل مجرد “قصور”، بل هو انهيار في معايير العناية الواجبة التي من المفترض أن تكون الحصن الأخير ضد غسل الأموال.

تداعيات ومسؤوليات غائبة

يمتد تأثير هذا القرار إلى ما هو أبعد من مجرد «إزعاج» للأثرياء. إذ يُلقي بظلال ثقيلة على مصداقية المنظومة المصرفية الدولية بشكل عام، ويهز الثقة في الملاذات المالية التقليدية. التوجه المحتمل للأثرياء نحو مراكز مالية أخرى مثل دبي أو سنغافورة لا يعكس فقط بحثاً عن بديل، بل يعكس تحولاً في ديناميكية تدفقات رؤوس الأموال العالمية، حيث تتسابق المراكز المالية على تقديم مزيج من الأمان والسرية المرنة.

هذا الحدث، بما يحمله من دلالات، يطرح تساؤلات حاسمة حول من يتحمل المسؤولية. ففي الوقت الذي يُعاقب فيه البنك على «تقصيره»، تبقى القوى التي أنتجت هذه الأموال المشبوهة بعيدة عن المساءلة. إن الفضيحة تُسلط الضوء على هشاشة بعض الهياكل المالية في الشرق الأوسط، وكيف يمكن أن تُستغل الثغرات لتحويل ثروات هائلة بطرق تضر بالاقتصادات الوطنية للبلدان العربية، ولاسيما تلك التي شملها القرار.

قد يعجبك ايضا