أمراض كثيرة لا يعير لها البعض الاهتمام الكافي على نحوُ يدفعهم إلى معالجتها ليفيقوا بعد انقضاء مدة من الزمن على وضعُ كارثي يصعب معه استجابة الجسم لعلاج الأضرار المدمرة التي يخلفها.
هكذا هي النتيجة وهذا هوا المشهد المألوف في مجتمعنا والذي يميل إليه البعض عند إصابتهم بالبلهارسيا أياٍ كان نوعها – سواءٍ البولي أو المعوي- نتيجة جهلهم الكبير بالمرض الذي لا يزول من تلقاء نفسه بمرور الوقت وإن طال عليه الأمد.
وتتجلى الصورة الحقيقية لمن يْهمل معالجة البلهارسيا في أن البعض قد لا يشكو عند الإصابة من أعراضُ حادةُ تجبره بقوة نحو الإسراع إلى الطبيب لتلقي المعاينة والفحص الطبي وأخذ العلاج المحدد وفق الشروط والمعايير الطبية المحددة.
بيد أن الأوان قد حان لنضع حداٍ لعبثية هذا المرض الخطير جداٍ بل والقاتل لكل من قاده الإهمال إلى دروب العناء الشديد من مضاعفاته القاسية والمزرية وليضع كل مصاب بهذا الداء في حسبانه إلزامية التقيد بالإرشادات الطبية وتلقي الجرعة المحددة من العلاج المضاد ثم يعمد – مجدداٍ- إلى إعادة الفحص الطبي بعد تلقي العلاج(الجرعة الأولى) بأسبوع من تناوله لأجل التأكد من زوال المرض بفعل الدواء أو عدم زواله- تماماٍ- حتى يعيد المريض تناول جرعة الدواء مرة أخرى- بحسب المعايير المطلوبة- متى ثبت أن المرض لا يزال باقياٍ ولم تقتله الجرعة السابقة.
وليس في صالح المريض بأي من نوعي المرض(البولي أو المعوي) أو بكليهما تأجيل الفحص الطبي أو الامتناع عن تناول جرعة العلاج المطلوبة حتى لا يفيق بعد مدة وقد صار إلى حالُ مزرُ اشتد فيه خطر المرض وعِظْمِ أذاه.
وعلى الطرف الآخر من المشهد اليومي نجد من المفيد أن نتناول مشكلة كبيرة مهدت ووسعت للبلهارسيا الانتشار إلى أن صارت وباءٍ مْستشرياٍ في مصادر مياه مناطق كثيرة باليمن حيث تقدر الإصابة بهذا المرض على المستوى المحلي بنحو(3ملايين) حالة إصابة وهذا خطير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى والأسباب متعددة في الوصول بالوضع إلى هذا المستوى وأبرزه أن قلة من الناس قد اعتاد على ممارسات وسلوكيات سيئة مثل التبرز أو التبول في العراء بالقرب من مصادر المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان.
في الوقت الذي يميل فيه الكثيرون إلى السباحة أو الاغتسال أو الاستعمال غير الآمن لمصادر المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان ولو بالخوض فيها بقدمين عاريتين واستعمالها لأي غرضُ كان كري المزروعات والأشجار.
قد يقول قائل: الناس يضطرون إلى استخدام أي مياه في ظل شحة الماء وغياب مشاريع مياه الشرب النظيفة والآمنة على امتداد مناطق كثيرة في البلاد مثل اللجوء إلى البرك والسواقي والغيول وقنوات الري وغيرها من مصادر المياه العذبة غير الآمنة لأخذ ما يفي حاجتهم اليومية.
وهذا بديهي ومنطقي – بكل تأكيد- وليس محل جدل عقيم.
غير أن الحل متاح ومكفول دون أي مشكلةº طالما أن استخدام هذه المياه والاستفادة منها بشكلُ آمن هو أمر متاح بقدرُ كبير من الحذرº بعد أن يتم غلي هذه المياه لمدة (30دقيقة) فيقتل بهذه الكيفية الطور المعدي المائي لطفيل البلهارسيا وكذلك غيره من الأمراض التي تؤمن لها المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان بيئة ملائمة للعيش والتربص بالإنسان.
هذا ما يجب أن يعيره الجميع في الريف والحضر كامل الفهم والاستيعاب فالوقاية- كما يقول المثل- خير من العلاج.
كما أنها تضع حداٍ يقطع على المرض السبل والوسائل التي تمكنه من العيش والانتشارº باعتبار أن الإنسان ضالة هذا المرض فلا يصيب سواه لكن تأمين الوقاية توجب على الإنسان أن يحافظ على نظافة مصادر المياه العذبة ولا يعمد إلى تلويثها بالمخلفات الآدمية(من بولُ وبرازُ) لأجل الحد – بالنسبة للمصابين بالبلهارسيا – من أن يلوثوا مصادر المياه بأعدادُ هائلةُ من بيوض هذا الداء الخطير.
كذلك الوقاية لا تكتمل – هنا- دون الابتعاد عن السباحة أو الاغتسال أو الاحتكاك المباشر للجسم والقدمين بمصادر المياه العذبة غير الآمنة مهما بدت للناظر صافية ونقية لكي لا يجد الطور المائي للبلهارسيا ضالته وإنما يموت بعد (72) ساعة من خروجه بأعداد هائلة من قوقعه داخل المياه.
وعلى كل مواطن أن يعي هذا جيداٍ ويلتزم به ليحمي صحته باعتبار أن المعرفة والوعي المجتمعي في هذه الجوانب الصحية الأساسية والضرورية في حياتناº ولابد أن تترجم في سلوكيات وممارسات وقاية صحية ويواكبها تخلُ حقيقي عن العادات والسلوكيات غير الصحية التي ساهمت وتساهم في تردي أوضاع الصحة عموماٍ وانتشار الأمراض والأوبئة وعلى رأسها مرض البلهارسيا الذي لا يقل شأناٍ ولا شناعة ٍعن أسوأ الأوبئة المعروفة.
وعلى المحك نجد في الحملة الوطنية لمكافحة مرض البلهارسيا المزمع تنفيذ مرحلتها الأولى في الفترة من(8-11 ديسمبر الجاري) نجدها ترسي وقاية ضرورية من خلال العلاج مستهدفةٍ أفـراد المجتمـع مـن عمر(6 سنواتُ فما فوق) من خلال معالجـة المصـابين بالمـرض وفـي الوقت ذاتـه تأمين وقـاية من خلال العلاج لغـير المصابين عبر إعطائهم جميعاٍ العلاج المضاد لداء البلهارسيا في أيُ من المرافق الصحية أو مواقع المعالجة المؤقتة والمستحدثة أو المدارس في(78)مديرية موزعة على (14)محافظة في كلُ من(تعز لحج أبين إب حجة المحويت الضالع عمران ريمة ذمار صنعاء صعدة حضرموت الساحل الحديدة).
علماٍ بأن هذه الحملة الوطنية تؤمن أيضاٍ علاجاٍ مضاداٍ للديدان الطفيلية المنقولة بواسطة التربة لجميع المستهدفين بالمعالجة.
جدول توضيحي للمحافظات والمديريات المستهدفة في الحملة الوطنية لمكافحة مرض البلهارسيا التي سيْعطى خلاها العلاج لجميع أفراد المجتمع من عمر(6سنوات فما فوق في الفترة من (8-11 ديسمبر 2014م)
1 تعــز المخا- المعافر- الشمايتين- المواسط- المسراخ- الوازعية- الصلو- ذباب- حيفان- جبل حبشي- مقبنة- مشرعة وحدنان- موزع- صبر الموادم- سامع- شرعب الرونة- شرعب السلام- التعزية- خدير. 19
2 أبيـن أحور- المحفد- الوضيع- جيشان- خنفر- لودر- مودية- رصد- سرار- سباح. 10
3 عمـران العشة- حبور ظليمة- شهارة- المدان- قفلة عذر- السود- بني صريم- حوث- صوير. 9
4 إب القفر- العدين- النادرة- السبرة- السدة- ذي السفال- حزم العدين- حبيش. 8
5 المحـويت الخبت- الرجم- حفاش- خميس بني سعد- شبام كوكبان. 5
6 الضالـع الأزارق- الحْشا- الحصين- الشعيب- قعطبة. 5
7 ذمـار جبل الشرق- عتمة- وصاب العالي- وصاب السافل. 4
8 ريمـة الجبين- الجعفرية- السلفية- كسمة. 4
9 صنـعاء الحيمة الداخلية – الحيمة الخارجية – صعفان. 3
10 حجة مبين- بكيل المير- الشاهل. 3
11 لحـج الملاح- المسيمير- حالمين. 3
12 صعـدة الصفراء- حيدان- ساقين. 3
13 حضـرموت الساحل الريدة قصيعر. 1
14 الحـديدة بْرع. 1
الإجمــالــي 78
ومن المهم أن نشير إلى أن فئة الأطفال والمراهقين في سن المدرسة من عمر(6سنواتُ فما فوق) أهم الفئات المستهدفة بالمعالجة باعتبارها الأكثر تعرضاٍ للإصابة بالبلهارسيا ممن سواهاº بما يفضي إلى حدوث نقصُ في التغذية وفقر الدم في مرحلة عمرية تتسم بنموُ متسارعُ جسدياٍ وعقلياٍ وذهنياٍ.
فيما خلصت تجارب دول متعددة حول العالم والتي حققت نجاحاٍ في مسار مكافحة المرض من خلال برنامج مكافحة البلهارسيا إلى أن هذه الفئة العمرية أكثر امتثالاٍ للمعالجة من الكبار.
علاوة على أن نسبة الإصابة بالبلهارسيا هي الأعلى بين أوساط هذه الشريحة العمرية أكثر من أي فئة عمرية أخرى والسبب يكمن في الآثار التي تخلفها الإصابة بالبلهارسيا في من هم في سن الدراسة حيث أنها كبيرة وسيئة للغاية على المستويين الصحي والتعليمي.
وبالنظر إلى الأثر الصحي لهذه الإصابة سنجده يتسم بخطورة واضحة المعالمº أهمها( الإسهال التقيؤ الغثيان المستمر نزول دم مع البول أو البراز) وهذا بدوره يفضي إلى فقر الدم وتأخر النمو.
كما أنه – بسبب مرض البلهارسيا- تتزايد القابلية للإصابة بالأمراض المعدية الأخرى مع قصورُ في المناعة الطبيعية للجسم لما للبلهارسيا من تأثير شديدُ مضعفُ للبنية الجسدية ومؤخرُ للنمو الطبيعي وهذا يتجلى بشدة لدى الأطفال المصابين ولذلك يحلْ هذا المرض مرتبة متقدمة ضمن أبرز ما يهدد الصحة العامة.
أما تأثير الإصابة بالبلهارسيا على مستوى التحصيل التعليمي فلأنها تضعف التطور الذهني مما يقلل الاستيعاب ويضعف التركيز في الصف وانعكاس ذلك في التغيب المستمر عن الدراسة وزيادة معدل الرسوب وترك الدراسة.
أيضاٍ هناك تأثير سلبي للمرض على الصعيد الاقتصادي للبلد إذ يشكل علاج حالات البلهارسيا المزمنة عبء كبير على الدولº يستنفذ الكثير من مواردها المالية.
أضف إلى ذلك أن له تأثير على المستوى الاجتماعي يثقل كاهل الأسرة والمجتمع فبوفاة عائل الأسرة- نتيجة مضاعفات البلهارسيا ولإهمال العلاج- تتدهور الأوضاع المعيشية في الأسرة على أثر فقدانها المعيل أو عدم قدرته – بسبب المرض- على مواصلة العمل كبقية الناس مما يجعل البلهارسيا ضمن أبرز ما يعزز الفقر وسوء الأحوال المعيشية في أوساط الأسرة والمجتمع.
ثم أن ثمة أضرار أخرى للبلهارسيا قد تستغرق سنوات طويلة حتى تظهر وصولاٍ إلى ما يسمى بالمرحلة المتقدمة للمرض أو مرحلة المضاعفات الخطيرة التي قد يستحيل كثيراٍ علاجها في المرحلة المتأخرة للإصابة مثل سرطان المثانة العقم والفشل الكلوي بالنسبة للنوع البولي أو سرطان المستقيم بالنسبة للبلهارسيا المعوية.
إلى ذلك أعود لأذكر بأن الحملة الوطنية لمكافحة البلهارسيا قد اقترب موعد تنفيذها في الفترة من (8- 11ديسمبر2014م) وستشمل كافة المديريات المستهدفة والتي تتوزع في (14) محافظة يمنية مستهدفة سائر فئات المجتمع من سن(6سنوات فما فوق).
والأولى بجميع المستهدفين – باستثناء النساء الحوامل – بألا يتقاعسوا عن تلقي جرعة علاج البلهارسيا وكذا العلاج المضاد للديدان المنقولة بواسطة التربة في المدرسة أو المرفق الصحي أو في أي موقع مؤقتُ للمعالجة يستحدث خلال الحملة ووفق الله الجميع.