حكاية سفينةٍ ظنّت أن البحر لعبة

عبدالحافظ معجب

 

في ليلةٍ لم يهدأ فيها الموج، أبحرت سفينةٌ مغرورةٌ فوق ظهر البحر الأحمر. كانت تحمل على متنها شحناتٍ وخططاً وأوهاماً ثقيلة، تمخر عباب الماء وكأنها وريثة البحر ومالكةُ مفاتيحه. لم تكن تخشى الريح ولا التيارات، فمن خلفها أساطيلٌ ترسم على الخرائط خطوط الأمان.

قال رُبّانها في غرفة القيادة:

«لن يعترضنا شيء. إن حدث مكروه، سنطلب نجدةً كما فعلوا في أفلامهم. ألا تذكرون Captain Phillips؟ سفينةٌ تطلب النجدة، ثم تأتيها المارينز الأمريكية لتعيدها إلى حضن النجاة.»

ضحك الطاقم، وردّدوا أسماء البوارج والحاملات التي تحرس أحلام المستكبرين.

لكن الموج في تلك الليلة كان له حُرّاسٌ آخرون. فتيةٌ أشداء، من أرضٍ لم يركع أهلها يومًا، فتيةٌ رسموا خطوط الحظر في عرض البحر لا على الورق. خرجوا من ظلال الموج كالأمواج نفسها: صافيةٌ وعنيفةٌ في آنٍ معاً. أرسلوا إنذاراً واضحاً: «لا ممرّ لمن يحمل خبزاً لحصار غزة أو وقوداً لنيران المعتدين. من يتجاوز يُضرَب، ومن يستنجد بهوليود لن يجد النجدة إلا على شاشتها.»

لكن السفينة لم تصغِ. مضت تشق التيارات وتبث إشاراتٍ إلى سماءٍ لن تُسعفها. وحين صعد الفتية إليها، لم يجد الطاقم تلك البوارج. لم تهبط مروحيات الإنقاذ، ولم يسمع البحر سوى هديرٍ جديد: لكمةٌ تلو لكمةٍ تُسقط غطرستها من علوّها الكاذب.

ثم كان الغرق. تحوّلت السفينة إلى فقاعاتٍ ملونةٍ تطفو لحظةً ثم يبتلعها اليمّ، لتُذكّر كل قبطانٍ بعدها أن البحر الأحمر لن يكون ممراً آمناً قبل أن يعود الأمان إلى غزة.

وظلّت بقاياها المبعثرة في عمق الموج ترسم لوحةً أخيرةً عنوانها: «لا أمان هنا… حتى تنعم غزة بالسلام».

 

 

قد يعجبك ايضا