أبو عبيدة : المقاومة تصنع المعادلات وترسم معالم المرحلة القادمة
أدت لمصرع 5 جنود صهاينة و17 جريحاً بينهم ضباط:عملية بيت حانون تكسر الردع الإسرائيلي وتُربك تل أبيب
مكتب نتنياهو يدعو لعقد جلسة طارئة وإدارة ترامب تدعو تل أبيب لتجنب التصعيد
الثورة / عبد الملك الشرعبي
مثلت عملية بيت حنون المركبة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية فجر أمس الثلاثاء، وأدت لمصرع 5 ضباط وجنود صهاينة و17 آخرين، ضربة غير مسبوقة لجيش الاحتلال الذي كان يظن أن مناطق شمال قطاع غزة باتت آمنة له يسرح ويمرح فيها كيفما يشاء، لكنه استفاق على عملية هجومية مركبة ومعقدة لكتائب القسام لم يتوقعها، من حيث أنها جاءت معلنة عن مرحلة جديدة من الاستنزاف وكسر هيبة الردع لجيش الاحتلال
وعقب هذه العملية النوعية للمقاومة الفلسطينية، توعد الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة أمس، جيش الاحتلال الإسرائيلي بتكبيده خسائر يومية في غزة، وذلك عقب الكمين المركب للمقاومة في بيت حانون شمالي القطاع، الذي أسفر عن مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 17 آخرين.
وقال أبو عبيدة -في منشور عبر قناته في تليغرام- إن معركة الاستنزاف التي يخوضها مقاتلو القسام ضد جيش الاحتلال من شمال القطاع إلى جنوبه ستكبده كل يوم خسائر إضافية.
وأضاف أن عملية بيت حانون المركبة “ضربة لهيبة جيش الاحتلال الهزيل ووحداته الأكثر إجراما في ميدان ظنه آمنا”.
ولفت إلى أن القرار الأكثر غباء الذي يمكن أن يتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيكون الإبقاء على قواته داخل قطاع غزة، مشيرا إلى أن المقاومة في غزة قد تتمكن قريبا من أسر جنود إسرائيليين.
وأكد أبو عبيدة، أن صمود الشعب الفلسطيني وبسالة مقاوميه هما من يصنعان المعادلات، ويرسمان معالم المرحلة القادمة.
وكان جيش الاحتلال الصهيوني فجر أمس الثلاثاء الثامن من يوليو على موعد مع زلزال أمنى شمال قطاع غزة، حيث نفذت كتائب القسام كمينا مركبا في منطقة بيت حانون، أدى إلى مقتل وجرح نحو 21 جنديًا إسرائيليًا، في هجوم يُعد من أعنف وأدق الضربات منذ العدوان الصهيوني على غزة في أكتوبر 2023م.
وسمع سكان مدينة عسقلان دوي “الانفجار الكبير” وفق ما نقلته المواقع الإسرائيلية التي قالت إن أحد المصابين ضابط كبير.
وقال إعلام -الذي تحدث عن العثور على جثث محترقة تماما لجنود فقدوا في الكمين- إن هذا الحدث من أصعب الأحداث التي تعرض لها الجنود منذ بداية الحرب.
ولم يتوقف الكمين عند أبعاده الميدانية، بل فجر ارتدادات واسعة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وأربك حسابات القيادة السياسية، وأعاد طرح سؤال مصيري: هل أدخلت المقاومة الفلسطينية إسرائيل مرحلة “كسر الردع” فعليًا؟ وما موقع هذا التحول في خريطة الحرب والمفاوضات معا؟
وأظهر كمين المقاومة الفلسطينية حجم التآكل في البنية العملياتية للجيش الإسرائيلي، حيث تكررت الشهادات داخل الإعلام الإسرائيلي عن “فشل استخباري ذريع” سمح للمقاومة بزرع عبوات وتفخيخ مناطق دخول الجنود دون كشف مبكر.
ويرى محللون صهاينة أن هذا الكمين في بيت حانون تمّ التخطيط له مسبقاً بذكاء، وهو يكشف تقصيرًا في الرقابة الجوية والاستخباراتية رغم وجود طائرات مسيّرة إسرائيلية في السماء.
كما نقلت قناة “كان 11” الإسرائيلية عن ضابط ميداني في لواء ناحال قوله “الجنود وقعوا في كمين ناري مركّب.. العبوة الناسفة الأولى فجّرت المدرعة، وبعدها أُطلقت قذائف على ناقلة الجنود وجرافة دي 9، ثم استُهدف فريق الإخلاء.. لم نتوقع هذا السيناريو المتعدد المراحل”.
وأشار التقرير اليومي للجيش الإسرائيلي إلى سقوط 5 قتلى، وقرابة 17 جريحًا، بينهم ضباط. ولا يزال البحث جارياً عن 3 جنود مفقودين، وسط أنباء عن احتمال خطفهم من قبل كتائب القسام
ويرى خبراء في الشأن الصهيوني أن عملية بيت حانون تحمل ثلاث رسائل أساسية، أولها موجهة إلى المستوطنين وتحديدا إلى عائلات الجنود الذين يخوضون المواجهة في غزة حيث تعزز حالة القلق والتشكيك في قدرة حكومة الكيان على حمايتهم وتزيد من الضغط الشعبي لإنهاء الحرب وإعادة الجنود إلى قواعدهم.
اما الرسالة الثانية فهي موجهة للمؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي تعيش حالة استنزاف حادة، بعد مقتل ما لا يقل عن 40 جنديا منذ العودة إلى العمليات العسكرية في مارس الماضي.
وتحمل الرسالة الثالثة إشارات إلى الوفد الفلسطيني المفاوض وتؤكد أن المقاومة لا تزال قادرة على الصمود والمواجهة ويجب استثمار هذه القوة عسكريا وسياسيا عبر التمسك بإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة.
وعلى وقع هذا الهجوم النوعي للمقاومة بدأت القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تحقيقا في الحادث، كما تم إطلاع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو (المطلوب للجنائية الدولية) على إفادة بالحادث خلال وجوده بالبيت الأبيض وسارع مكتب نتنياهو للدعوة إلى عقد جلسة طارئة للمجلس الوزاري المصغر، وسط تقارير إعلامية تفيد بانقسام داخلي حول شكل الرد المطلوب، حيث يدفع وزراء اليمين المتطرف، مثل وزيريْ الأمن إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش نحو رد انتقامي واسع شمال غزة، في حين تُبدي قيادات عسكرية تحفظها على التصعيد خشية توسع الخسائر.
ونقلت القناة الـ 12 العبرية عن مصادر أمنية قولها “الهجوم جاء في توقيت سياسي حساس يتقاطع مع المفاوضات في الدوحة، والتصعيد الميداني قد يجهض أي تقدم تفاوضي حول الرهائن”.
وقد حمل زعيم المعارضة يائير لبيد نتنياهو مسؤولية استمرار “الفشل القيادي” مشيرًا إلى أن “العقيدة السياسية للحكومة فقدت توازنها أمام مقاومة تعرف متى تضرب” مضيفًا “بعد خان يونس، قلنا إن الجيش بحاجة لإعادة تقييم، وها نحن نُفاجأ ببيت حانون.. من التالي؟ عسقلان؟”.
وتصاعدت عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، وأدت لمقتل وإصابة عشرات الجنود والضباط في مناطق مختلفة بالقطاع الفلسطيني.
وكان يونيو الماضي هو الأكثر دموية في صفوف جيش الاحتلال حيث قتل 20 جنديا وضابطا خلاله وأصيب آخرون، وهو ما أكدته وسائل إعلام إسرائيلية الأسبوع الماضي.
إدارة ترامب، بعثت برسالة” إلى تل أبيب تطلب “التهدئة وتجنب التصعيد” مضيفة أن واشنطن لا ترى مصلحة في عملية عسكرية واسعة في الشمال قد تعقّد مسار التفاوض.
وقرأت المقاومة نجاح الكمين بوصفه نقطة تحوّل في مسار الحرب الطويلة، فقد أصدرت كتائب القسام بيانًا مقتضبًا قالت فيه “في عملية نوعية في بيت حانون، نجح مجاهدونا في استهداف قوة صهيونية متوغلة.. ولن نكشف كل التفاصيل الآن” في تلميح إلى امتلاكها أوراقاً لم تُعلن بعد.
كما أن توقيت العملية، بالتوازي مع مساعي التهدئة، يُفهم في سياق السعي لتقوية الورقة التفاوضية للمقاومة، خصوصًا إذا ثبت وجود أسرى أحياء بيدها.
ويتساءل كثيرون في الأوساط الإسرائيلية اليوم: هل فقد الجيش زمام المبادرة؟ وهل باتت المقاومة الفلسطينية تملي جدول الاشتباك؟
ونقلت صحيفة معاريف عن مسؤول أمني بارز أن “ما يجري منذ بداية يوليو/تموز يشير إلى خلل في عقيدة الردع، حيث أصبحت المقاومة تختار الزمان والمكان، وتفشل إسرائيل في احتوائها سريعاً”.
ويرى يرى خبراء فلسطينيون أن “الردع الحقيقي ليس في الصواريخ بل في منع العدو من التمركز والبقاء الآمن في الميدان” وبهذا المعنى فإن كمين بيت حانون أعاد تعريف الردع من مفهوم الضربات الجوية إلى قدرة الاستنزاف الميداني.
ولم يكن كمين بيت حانون ضربة ظرفية آنية، بل تطوّر استراتيجي نوعي يعكس تصعيداً مدروساً ومرحلة جديدة من قبل المقاومة الفلسطينية، وتأتي في ظل بيئة تفاوضية حساسة تجري حاليا في الدوحة لوقف الحرب في غزة وانهاء الحصار واطلاق الأسرى الصهاينة
وفي المقابل، يواجه الاحتلال الذي عجز عن فرض معادلة الردع رغم مئات الغارات والاقتحامات، اليوم، مأزقًا ثلاثي الأبعاد، يتمثل وفق المراقبين بفقدان الجنود، واهتزاز الثقة الشعبية، وضغوط الحلفاء الدوليين.
وتبدو المقاومة الفلسطينية اليوم في وضع هجومي أكثر ديناميكية وثقة، تستثمر الميدان والوساطة في آن، لرسم ملامح نهاية الحرب وفق شروط أكثر عدالة تنهي الحرب الغاشمة على قطاع غزة وتعجل بانسحاب شامل لجيش الاحتلال من القطاع.
من جانبه بارك المكتبُ السياسي لأنصار الله، العمليةَ البطولية للمجاهدين في بيت حانون شمالي القطاع التي أوقعت عشراتِ الصهاينة بين صريع وجريح.
وقال سياسي أنصار الله في بيان صدر أمس الثلاثاء: إنَّ “عمليةَ بيت حانون أثبتت المستوى العالي من القوة والثبات لدى المجاهدين وأحدثت هزيمةً نفسيةً ورعبًا لدى العدوّ”.
وأشَارَ المكتب السياسي إلى أن “عمليةَ بيت حانون تأتي في ظل استمرار مجازر العدوّ وسياسة الحصار والتجويع في قطاع غزة”.
وأوضح البيان، أن “عملية بيت حانون وبقية العمليات أسقطت رهانات العدوّ والأنظمة العميلة في القضاء على المقاومة”، مُضيفًا أن “العدوّ أراد أن تخرج المقاومة من هذه الحرب مهزومةً لكنها زادت قوةً وصلابة”.
وأكّـد المكتب السياسي لأنصار الله، على استمرار موقف اليمن الداعم والمساند للشعب الفلسطيني حتى وقف العدوان ورفع الحصار.