مواقف مع فقيد الوطن القاضي علي أحمد أبو الرجال

 

د. فؤاد عبدالوهاب الشامي

لكل من عرف القاضي علي أبو الرجال مواقف وقصص معه خلال عمره الطويل في الوظيفة العامة وخارج الوظيفة، بعد وفاته كتب البعض عن تلك القصص والمواقف، وخلال علاقتي معه- التي استمرت ما يقارب خمسة وعشرين عاماً- حدثت لي مواقف وقصص عديدة اعتبرها مرجعاً هاماً أستعين به في حياتي العملية حيث كان لي نعم الصديق ونعم المعلم، وسوف أتناول في هذه العجالة موقفين كان لهما أكبر الأثر في بناء علاقاتي مع الآخرين .
الموقف الأول كان في عام 2002م عندما سافرت معه إلى الرياض لحضور ندوة عن الوثائق العربية، حيث كان من ضمن برنامج الندوة لقاء مع أمير الرياض محمد بن سلمان آنذاك بحكم أنه كان راعي الندوة، وفي أثناء اللقاء تحدث الأمير وكان في معظم حديثه رسائل موجهة إلى اليمن وعندما لاحظ أن القاضي يضع سماعة في أذنه شعر بأن رسائله لم تصل، وبعد انتهاء اللقاء وصل الينا سكرتيره ينقل إلى القاضي رسالة من الأمير يخبره فيها أنه لاحظ أن القاضي يضع سماعة وإذا كان راغبا في العلاج فيمكنه أن يختار أي مستشفى في السعودية للعلاج وعلى نفقة الأمير، فاعتذر القاضي بأدب شديد وقال أنا ذهبت إلى مستشفيات كثيرة في الداخل والخارج واخبروني أن لا فائدة في العلاج وعلي الاستمرار في استخدام السماعة، وعند ذلك ذهب السكرتير وعاد مسرعا يخبرني (لأني كنت الوسيط بحكم أن القاضي ضعيف السمع ) بان الأمير مُصِّر على علاج القاضي واذا كان لا يرغب بالعلاج في السعودية فيمكنه أن يختار دولة عربية أو أجنبية للعلاج فيها وسوف يتحمل الأمير كافة النفقات له ولأفراد أسرته، فكرر القاضي اعتذاره بإصرار قائلا (ما فيش فائدة ليش الخسارة )، وبعد ذهاب السكرتير سألته لماذا رفضت يا قاضي فرصة تغيروا جو أنت والاولاد في أوروبا على حساب الأمير، فرد علي قائلا هؤلاء لا يقدمون شيئاً ببلاش فعندما يعطوك شيئاً سوف يطلبون منك أن تقدم لهم خدمة وعندها لن تستطيع أن تقول لا، شعرت عند ذلك أن القاضي قد لقنني درسا لن أنساه وأن على الإنسان أن يقول لا لأي إغراء لا يتوافق مع مبادئه حتي يعيش حراً، ومن خلال هذا الموقف عرفت لماذا كان المسؤولون يتساقطون أمام إغراءات السعودية .
وأما الموقف الثاني فكان في بداية حياتي العملية في المركز حيث تم تكليفي بخدمة الباحثين، وصادف أن جاء إلى المركز باحث أمريكي مرسل من المركز الأمريكي للدراسات في صنعاء، وكان بحثه عن الأوقاف ونظرا لعدم وجود معلومات كافية في المركز تتعلق بموضوعه فأشرت عليه بأن يذهب إلى أماكن أخرى يمكن أن يجد لديهم ما يبحث عنه، وبعد عدة أيام تلقيت اتصالاً من مديرة المركز الأمريكي تطلب مني المجيء إلى المركز وعندما ذهبت أخبرتني أن المركز سوف يعطيني 300$ مقابل مساعدة الباحث الأمريكي فاستغربت لأني لم أقدم للباحث سوى نصيحة وشعرت بالقلق، فطلبت منها أن تمهلني حتى استأذن من رئيس المركز، فذهبت إلى القاضي وأخبرته بالموضوع، فقال لا مانع لدي من أن تأخذ المال ولكن أريد أن أخبرك بأن الأمريكي سوف يعطيك مبلغاً ثم يعطيك مبلغاً وأنت تعرف أنك لم تقدم شيئاً يذكر مقابل المال وسوف يكرر الموضوع حتى يشعر بأنك أصبحت تنتظر المال منهم، وعند ذلك سوف يطلبون منك معلومات تتعلق بعملك أو تتعلق بأقرب الناس اليك ولن تستطيع في تلك اللحظة أن تقول لا وستضطر لتنفيذ ما يطلب منك، وبعد انتهاء القاضي من حديثه شعرت بقلق شديد واعتذرت للمركز الأمريكي عن قبول المبلغ، وعند ذلك عرفت كيف يتم استدراج الشباب للعمل معهم، وأصبح لدي حذر شديد عند العمل مع الأمريكيين أو مع الأجانب ولكن بثقة كبيرة .
كانت هذه المواقف من ضمن مواقف عديدة مع القاضي تعلمت منها الشيء الكثير الذي أفادني في حياتي، وأتمنى من الجميع أن يعرف أن كلمة لا في الوقت المناسب قد تنجيك من أخطار كبيرة قد تقع فيها .
رحم الله القاضي علي أبو الرجال واسكنه فسيح جناته.

قد يعجبك ايضا