“محمية جبل برع”.. سحر الطبيعة الذي هشََّم الإهمال وجهه

 

في أقاصي شرق مدينة الحديدة تقع واحدة من أهم المحميات الطبيعية في اليمن وآخر غابة شبه استوائية في المنطقة، كانت إلى وقت ليس ببعيد مقصد الزوار القادمين إليها من مختلف المحافظات اليمنية وعدد من زوار البلد، غير أنها تعاني اليوم من إهمالٍ شديد وظروف طبيعية قاسية باتت تهدد ما تبقى من جمالها.

الثورة  / عبد القادر عثمان

تقع محمية برع الطبيعية على بعد 60 كيلومترا شرقي الحديدة، بمساحة تقدر بحوالي 4100 هكتار، وتشتهر بكثافة أشجارها، إذ تشير الدراسات في المنتدى العربي للبيئة والتنمية إلى وجود نحو 315 نوعاً نباتياً في المحمية، منها 63 نوعاً نادراً على المستوى الوطني والاقليمي، ونحو 35 نوعاً مهدداً بالانقراض.
طبيعة خلابة
تشير الإحصاءات إلى أن نسبة أنواع النباتات في هذه المحمية تقدر بنحو 10 ٪ من نباتات اليمن ككل، منها الصبر والبياض والقطف، والعثرب والبابونج والهيدر وأخرى عطرية مثل أشجار الشذاب والريحان والفل، وقد صنفتها الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن كأكبر محمية مدارية، وآخر الغابات الاستوائية على مستوى شبه الجزيرة العربية.
في العام 2006 أعلنت محمية طبيعية لتضاف كسادس محمية في اليمن وأغنى مناطق البلد من حيث التنوع البيئي والبيولوجي، وقد اكتسبت أهمية وطنية وعالمية باعتبارها مستودعا وراثيا للتنوع البيولوجي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في الأبحاث الجيولوجية والبيولوجية.
حياة برية متنوعة
تزخر محمية برع بأنواع نادرة من الطيور كالزرياب المغرد والطليق ذي المنقار المميز بألوانه الزاهية والمهلل والحجل ونقار الخشب والحمامة المطوقة، إضافة إلى وجود نوعين من طيور العقاب المهددة بالانقراض على المستوى العالمي، وخلال فصل الصيف تحتضن المحمية خمسة أنواع من الطيور المهاجرة التي تقصدها للتزاوج والتكاثر، ومنها طائر الكوكو المتطفل والحمامة الخضراء، وفقًا للدراسات.
وبحسب بيانات الهيئة العامة لحماية البيئة فإن المحمية تتميز بتنوع حيواني مميز، حيث تنتشر فيها العديد من أنواع الحيوانات البرية التي استطاعت البقاء رغم التهديدات المتواصلة التي تواجه هذه المحمية، وبها نحو 9 أنواع من الثدييات البرية، مثل قرود البابون، وحيوان النمس أبيض الذيل، والدعلج الهندي، والضبع المخطط، وفيها نوعان من الخفافيش.. علاوة على ذلك يصادف الأهالي في فترات متقطعة النمور العربية والذئاب وحيوانات مفترسة أخرى.
تتميز المحمية بوجود 13 نوعاً من الزواحف، مثل: الثعابين والسلاحف الصغيرة، ومن بينها توجد أربعة أنواع متوطنة في الغابة، وبها خمسة أنواع من البرمائيات كالضفادع، ونوعان من أسماك المياه العذبة، إضافة إلى أنها تشكل بيئة ملائمة وملاذًا آمنًا للحشرات حيث يتواجد فيها حوالي 60 نوعاً من الفراشات والرعاشات والخنافس وفرس النبي، وأنواع من الحشرات النادرة. بحسب دليل المحميات الوطنية في اليمن 2010.
عيون لا تفيض
يحكي الأهالي عن المحمية النائمة سفح جبلين يعانقان بعضهما أنها كانت تحتضن قرابة 160 من العيون والغيول الطبيعية (وديان بها ماء) ، طمرت معظمها أثناء شق الطريق وسط المحمية، فيما يقول تقرير رسمي صادر عن هيئة الحفاظ على البيئة أن عملية شق الطريق المرصوف بالمحمية تسبب بإزالة (30-20 %) من الغابة وإعاقة جريان الماء، جراء رمي مخلفات الشق من الصخور، والأتربة على جانبي الطريق، وفوق البيئات الطبيعية للغابة.
كما أن عملية الشق التي استمرت لسنوات وترافق معها تفجير الصخور الكبيرة بمادة تي إن تي شديدة الانفجار أسهمت في هجرة الكثير من الحيوانات والطيور من المحمية إلى تهامة وجبل برع.
بين أمسين
يتوسط المحمية جبل كبير يدعى بجبل القاعدة يمكن رؤيته من أجزاء واسعة في مديرية برع وتبدو عملية الوصول إلى قمته مستحيلة، غير أن هواة التسلق من أبناء المنطقة الذين تمكنوا من الوصول إلى القمة يرونه مكانا ملائما لإلقاء نظرة شاملة على المحمية الواسعة إذا ما تم استغلاله وبناء مصاعد اصطناعية إليه.
أما الجبل فيبدو أشبه بلوحة فنية بديعة، إذ تزين مدرجات البن الواسعة القرى المتناثرة على، طوله فتظهر المنازل الحجرية الجميلة محاطة بالبساتين المفتوحة على امتداد يكاد لا ينتهي.
إلى ما قبل بدء العدوان على اليمن في مارس من العام 2015م، كانت المحمية مقصد الكثير من الزوار الذين يأتون للاستجمام بهوائها والاستمتاع بمناظرها الخلّابة وشلالاتها الصغيرة المستمرة معظم أيام العام، رغم عدم توفر الخدمات، غير أنها منذ إعلان العدوان، وما خلفه من آثار سلبية على كافة المجالات، دخلت المحمية اليمنية الوحيدة المندرجة ضمن التراث العالمي من قبل منظمة اليونيسكو للثقافة والآثار، فصولًا من المعاناة والإهمال إلى حد يصعب وصفه.
إهمال وأمل
ساهم الإهمال في تهدّم الطريق الاسفلتي الممتد على طولٍ يبلغ خمسة كيلو مترات نتيجة السيول القادمة من أجزاء واسعة في جبل برع إلى وادي رجاف وأدت إلى انهيارات صخرية جعلت مسألة عبور المحمية حتى نهايتها أشبه بالمغامرة وتسببت في عشرات حوادث السير وراح ضحيتها العشرات.
ومع استمرار الإهمال من قبل الجهات المعنية اتسعت المساحات المهدمة حتى أصبحت الطريق وعرة وشبه خارجة عن الخدمة دون أي تدخل يذكر من قبل مكتب السياحة أو التخطيط أو المجلس المحلي في المحافظة.
وتعاني المحمية من الاحتطاب الجائر من قبل الأهالي، فأخشابها الكبيرة مصدرا لمد القرى القريبة منها بالطاقة الحرارية خاصة أن أي من أولئك لم يتلق حصته من الغاز الذي كان المجلس المحلي قد وعد بها مقابل التوقف عن الاحتطاب.
رغم ذلك لا يزال الوقت متاحًا لإعادة الحياة إلى المحمية الساحرة، من خلال ترميم طريق المحمية ومدها إلى بعض القرى المطلة عليها، وبناء المرافق الخدمية بما يسهل على الزوار الحصول على احتياجاتهم وراحتهم فيها، وفتح المجال للاستثمار السياحي من خلال استغلال القمم المطلة على المحمية (الوادي والجبل الأخضر) ومدرجات البن التي تزين قرى برع، لتكون المحمية سندس يهفو إليه أصدقاء الطبيعة وعشاق الجمال.

قد يعجبك ايضا