اليمن.. الوحدة.. والهوية.. وحروب الاجتثاث السعودية

رئيس التحرير – عبدالرحمن الأهنومي


يمر على اليمنيين ذكرى توقيع اتفاق الوحدة اليمنية المباركة واليمن تواجه التحديات والمخاطر التي واجهتها وتعترضها منذ القدم، ولا تذكرنا هذه المناسبة إلا بسلسلة المؤامرات والحروب التي يحيكها أعداء اليمن وخصومه من الاستعمار البريطاني إلى الممالك والكيانات الوظيفية الاستعمارية في الخليج، وبالعداوة السعودية لليمن المتجذرة لدى الأسرة السلالية المالكة.
في 26 مارس 2015م، تعرضت اليمن لأكبر عدوان جوي في تاريخها تحالفت فيه عشرون دولة وعشرات الجيوش وألوف المأجورين من جنسيات متعددة ومليون مرتزق من اليمن، وما زال مستمرا إلى اليوم، قبل 87 عاما وفي مارس نفسه كان اليمنيون لأول مرة يشاهدون بذهول أسراباً من سلاح الجو البريطاني تقصفهم من السماء، ففي 26 مارس 1928، كانت قعطبة و دمت والضالع والبيضاء وحتى صنعاء المدينة الحاضرة والعاصمة الكبيرة، أهدافا للغارات الجوية لطيران العدوان البريطاني الذي يتلبس اليوم لبوس وأسماء وكلائه في المنطقة من ملوك وأمراء السعودية والإمارات.
كان العدو البريطاني المحتل يتخذ من عدن ثكنة حربية لحربه على اليمنيين، فكانت من عدن المحتلة تقلع طائرات تقذف القنابل والقذائف على المنازل والمدنيين، وترمي بمنشورات التحريض على الكراهية والبغض بين اليمنيين، تحرض الجنوب على قتال الشمال، وتحرض الوسط على قتال الشرق وهكذا، وكان اليمني الأصيل هو اليمني يبحث عن وسيلة لإعطاب الطائرة، ومذياع يخاطب عبره أخاه للعودة إلى صف اليمن، والحال يتكرر اليوم.
الحال اليوم لا يختلف، إذ لا تزال اليمن تواجه نفس التحديات والمخاطر والأعداء والخصوم والغزاة والمؤامرات والحروب، وإن بصورة أشرس، الحرب التحالفية والطائرات والقذائف والصواريخ، لغة التحريض والكراهية عبر الفضائيات ومن منصات وإمبراطوريات إعلامية وخطابية هائلة، اللغة التقسيمية نفسها، المنشورات نفسها، وعدن ترزح تحت الاحتلال المنحط والمتلبس لبوس العملاء المحتشدين والمتجندين في صفوف المعتدين على اليمن.
استطاعت اليمن عبور المراحل وتجاوز المحطات المصيرية، في شماله تمكنت الدولة الوطنية حينها بقيادة الإمام يحيى من استعادة تهامة والساحل الغربي التي خضعت لسطوة الإدريسي الذي جندته بريطانيا، واستطاعت تحريرها وفرض الإرادة الوطنية عليها، وفي الجنوب تحررت عدن من الاحتلال البريطاني البغيض في الثلاثين من نوفمبر 1967 المجيد حينما أرغم الثوار الاحتلال البريطاني على الاندحار من عدن وأسقطوا مشروع السلطنات والمشيخات الاستعمارية ووحدوا التراب تحت سلطة وطنية واحدة اسمها «جمهورية اليمن الديمقراطية».
منذ ذلك الحين، ومنذ فجر الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، والحركة الوطنية شمالا وجنوبا تناضل من أجل تحقيق الوحدة وكان أعداء اليمن من قوى وأدوات الاستعمار وبشكل أخص «مملكة آل سعود المارقة»، يحبطون تلك المساعي ويعترضون طريقها فبقي التشطير وبقي الاقتتال وبقيت اليمن بسيادة منقوصة.
حاول المقدم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذهاب إلى عدن وإعلان دولة الوحدة اليمنية مع الرئيس سالمين حينها، فقررت مملكة آل سعود تصفيته واغتياله في صنعاء بأيدي مخابراتها وعملائها، بالموازاة نفسها تخلصت من الرئيس سالمين في عدن، فانفجرت الحروب المشتعلة جنوبا وشمالا كانت السعودية تغذيها وتمولها وتضرم النار في ديار اليمنيين وتؤجج الاقتتال الداخلي بين الشمال والجنوب، وفي الوقت ذاته أشعلتها في الشمال من خلال دفع المرتزقة من حركة الإخوان المسلمين لإنشاء معسكرات ما أسمتها بالجبهة الإسلامية لشن حرب على الوطنيين واليسار، فيما عرف بأحداث المناطق الوسطى.
وبالموازاة نفسها كانت السعودية الوهابية تشعل لغة التحريش على الاقتتال والعداوات بين اليمنيين، وتوزع جواسيسها بين المحتربين، وتستنهض النعرات المناطقية والمذهبية وتجرف الهوية الدينية والوطنية من خلال المد الوهابي والمعاهد التي أنشأتها لدعاة التكفير الوهابيين، ورغم ذلك توحد الوجدان الرسمي والشعبي والتئم اليمن جنوبه وشماله في العام 90، لكن المؤامرات لم تتوقف وظلت السعودية تعبث بالهوية اليمنية وتحرك مرتزقتها وعملاءها لتقويض ذلك المنجز.
منذ الوهالة الأولى عبّرت السعودية عن رفضها للوحدة اليمنية، وأوعزت لعملائها في السلطة إلى ضرب فكرة الوحدة من الأساس، ودفعت الإخوان إلى إعلان رفضهم للوحدة عشية إعلانها التاريخي باعتبارها مع شيوعيين كفار وأعلنوا رفضهم لدستور الوحدة ، ودفعت بقادة المرتزقة الإخوان كالزنداني والشيخ الأحمر وبرئيس النظام حينها علي عفاش، إلى تشكيل تحالف دموي لتصفية قادة الحزب الاشتراكي الذين انخرطوا في دولة الوحدة بكل مسؤولية، وإلى ملاحقة العلماء في صعدة وزرع الجواسيس والمخبرين في مراكزهم، حتى انفجرت حرب صيف 1994 وكانت القاضية.
ومثلما دفعت علي عفاش إلى شن الحرب على الجنوب بالتحالف مع قادة الإخوان في صيف 1994م، دفعت الطرف الآخر في الحزب الاشتراكي إلى إعلان الانفصال، فأشعلت روح البغضاء والكراهية وأماتت الروح الوحدوية، لتجد اليمن نفسها غارقة في بحر الحروب والمؤامرات السعودية الخبيثة.
لقد جاء في وصية عبدالعزيز – المؤسس للسعودية – الثالثة لأولاده المتعاقبين بالسلالة على حكم نجد والحجاز والدرعية ومكة، ما نصه «إحذروا يمنا موحدا»، واحذروا يمنا قويا ومستقلا، وهو ما وجدناه ماثلا في تاريخ العلاقة الدموية التي انتهجتها السعودية مع اليمن منذ وجودها الطارئ في صحراء شبه الجزيرة العربية مسنودة بالمحتل البريطاني البغيض.
وعودا على بدء التمزيق والتقسيم ومشاريع السلطنات والمشيخات لإعادة رسم وتشكيل اليمن وتحويله ليس إلى يمنات بل إلى عشرات السلطنات والمشيخات، وتفتيته إلى عشرات الخرائط والهويات الصغيرة ضمن وفي إطار المشروع اليهودي الاستعماري الأكبر مشروع سايكس بيكو، واليوم نجد أدوات الاحتلال البريطاني «السعودية ودويلات الخليج» وأحلافها، تمضي لتكريس الواقع نفسه وتسير على قدم وساق في عدن وفي المهرة وفي سقطرى لإنشاء قواعد ومطارح وثكنات عسكرية وفرض واقع مشرذم لا تعد اليمن معه يمناً ولا حتى يمنات بل مليشيات بلا وجه ولا مسميات.
لقد حارب آل سعود اليمن ملكية، وخاصموه جمهورية، وتآمروا عليها جنوبية وشمالية وموحدة وانفصالية، ومنذ وجودهم على عروش هذه المملكة لم يكونوا إلا خصوما وأعداء لليمن، يريدونها حديقة فناء خلفية، ويريدون اليمنيين مرتزقة وعبيدا وأحذية وعملاء، وهذه هي أصل الحكاية.. لكن المؤكد أن اليمن أبقى وأقوى من ممالك طارئة وجدت مع طفرة النفط وستنتهي مع نضوبه.

قد يعجبك ايضا