أحقية الدولة للزكاة

أحمد يحيى الديلمي

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي


لا أدري لماذا تتشعب الأمور وتأخذ مسارات غير طبيعية في مسلمات بديهية يصعب الخلاف حولها لأن الله سبحانه وتعالى قد حسمها من السماء بنص قرآني واضح، ومن هذه الأشياء الزكاة ، أسمع كثيرا من النقاش حول من يأخذ الزكاة ومدى أحقية الدولة بأخذها ، التجار مثلا يقولون إنهم يتصدقون من تلقاء أنفسهم وهذا شيء لا خلاف عليه فالصدقة حق خاص لكل شخص أن يتصرف فيه كيف يشاء وأينما يشاء لكنها لا تغني عن الزكاة ، فالزكاة واجب مكمل للإسلام وهي غير الصدقة ، ولذلك نجد آيات القرآن الكريم عندما تحدثت عن الصدقة جاءت النصوص في شكل ترغيب للمتصدق، بينما موضوع الزكاة جاء بفعل أمر واضح، قال تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلي عليهم إن صلواتك سكن لهم ) صدق الله العظيم.. وكلمة خذ فعل أمر واضح موجه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأي خطاب موجه للنبي فهو موجه لأولياء الأمور من بعده.
ويخطئ كثيرا من يعتقد أن له الحق في التصرف في الزكاة غير الدولة وفي هذا حكمة عظيمة من الخالق سبحانه وتعالى، حيث قال بعد فعل الأمر في النص المكمل (تطهرهم وتزكيهم بها ) فالتطهير يعني تحثهم على أداء ما عليهم من واجب اعتقادي تعبدي لا يصح إسلام المرء إلا به، فالصلاة مثلا وهي عماد الدين جاءت مرادفة للزكاة في كل الآيات، لذلك أوكل الله الأمر لأولياء الأمور كي يحثوا الناس على دفع ما عليهم من زكاة لأن النفوس شحيحة وتتمسك بالمال بشدة لكن الدولة بما لديها من قوة وجاه قادرة على فرض ما هو للخالق سبحانه وتعالى أما التزكية فهي تصب في ذات الاتجاه لكن بمعنى آخر، بمعنى أنك تتقن توزيعها في المصارف التي حددها الله، فالمسكين مثلاً (المحتاج) لا يتأفف من أي شيء تعطيه الدولة بينما قد يستحي أن يأخذ من شخص آخر غير الدولة، وهنا تكمن الفلسفة الآلية في أن الدولة هي التي تتولى الأخذ والإنفاق وهذا هو عين الصواب وهذا ما أراده المشرع في هذا الجانب.
أذكر أن المؤمنين من وجهاء اليمن والمزارعين جاءوا إلى الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي يناشدوه بأن لا يجعل الزكاة أمانة وقالوا بالحرف الواحد “إنك ستصيب اليمن بالجفاف والتصحر لأن النفوس بالذات في زمننا الحاضر أصبحت غير متمسكة بقيم الدين وإذا لم تحس أن هناك فرضا وقوة فإنها ستتردد عن دفع ما عليها من زكاة وواجب للخالق سبحانه وتعالى”.. إلا أن المسؤولين الذين كانوا بجانبه تلك الأيام تمسكوا بالفكرة باعتبارها من خطوات الثورة للقضاء على موروثات الماضي، وحينما نشاهد اليوم شحة الأمطار وتصحر الأراضي يتأكد ذلك المحذور الذي أشار إليه أولئك الوجهاء والمزارعون وكما أخطأت اليوم هيئة الزكاة عندما أوكلت أمر قبض زكاة الفطر إلى من هب ودب وهذا فعل غير طبيعي ففي الماضي كنا نعرف أن زكاة الفطر حق واجب للدولة حتى لو أنقضى العيد فإن الأمين المعني يظل يطالب المُكلّف بها حتى يسلم ما عليه وهذا هو الأمر الأسلم، أما حينما يتحول الأمر إلى ناس لا يعرفون شيئا عن هذا الواجب ولا مدى قدسيته فإن الأمر يتحول إلى فوضى ويسمح للكثيرين بالتقاعس عن الأداء وبالتالي لا تحدث عملية التطهير التي أشار إليها الخالق سبحانه وتعالى.
وأرجو من رئيس الهيئة الشيخ شمسان أن يراجع هذا الأمر وهو على درجة عالية من العلم والفقه ويعرف ماذا يعني التقاعس عن أداء الزكاة وأرجو أن يتأمل هذا الأمر بدقة ليعرف أن العملية ليست للدعاية والتهريج وإنما هو أمر إلا هي يتطلب الترجمة الحرفية كي تتم العملية بالشكل الذي يرضي الخالق سبحانه وتعالى.
أمل أن تُأخذ هذه الأشياء بعين الاعتبار وأن يوفق الله العاملين في الهيئة إلى تحري الدقة والأخذ بالأسباب والعودة إلى الماضي ولا مانع للعودة إليه طالما أنه يؤدي إلى حسن الأداء ويدفع المكلفين بأداء ما عليهم بما في ذلك موضوع التخمين والطواف، كما كنا نعهد في الماضي، فالمزارع كان لا يقرب الثمرة إلا بعد أن يحضر الأمين المختص ويقدم ما هو للدولة وهذا هو الأسلم في نظري الموافق لقول الله سبحانه وتعالى (وآتوا حقه يوم حصاده ) صدق الله العظيم.. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا