قال الصمّاد وصدق: ( لا ينبغي أن يبيع الواحد نفسه بأقل من الجنة ). فكان ذلك الشخص الذي جعل الجنة نصب عينيه ولم يلتفت إلى غيرها. وأقبل عليها بصدر مشروح وذهن مصقول، وروح مؤمنة ونفس زاهدة استصغرت زينة الحياة واستخفت بكل ملذاتها. وظلت الجنة هي الحلم المقدس والأمل الأسمى والمرتكز الأهم لكل تحركاته في هذه الحياة، إلى أن نالت النفس مناها وفاز الصمّاد سلام الله عليه بجنة الله الدائمة ونعيمها السرمدي .
قالها والكثير عن الجنة لاهون وعلى الدنيا مقبلون ، قد رسخت الضلالة في نفوسهم ، وأشربواُ في قلوبهم حب المال ، فكان منهم الخونة والمرتزقة الذين باعوا أنفسهم ودينهم وأرضهم وعرضهم مقابل دراهم معدودة ترمى لهم كما ترمى بقايا العظام إلى الكلاب !
قال الصمّاد وصدق : (لن تكون دماؤنا أغلى من دمائكم ولا جوارحنا أغلى من جوارحكم ) فسالت دمه الزكية على ثرى هذا الوطن الغالي لترسخ أقدس علاقة بين الحاكم والمحكوم. فهذا الرئيس لم ينظر إلى شعبه كمن سبقوه نظرة الانتقاص والعنجهية واللامبالاة بل نظر إليه من منظور العدالة الإنسانية وبروح المسؤولية التي تفرض عليه التضحية وتقديم دمه فداءً لدماء هذا الشعب .
قال الصمّاد وصدق : (لا يوجد بإذن الله ما نختلف عليه. وصالح الصماد إذا استشهد غداً آخر الشهر ما مع جهاله أين يرقدوا وهذه نعمة عظيمة بفضل الله) وفعلا؛ استشهد الرئيس صالح الصماد وهو لا يمتلك منزلا يحتوي أولاده ، ولم يختلف مع أحد فقد كان الرئيس النزيه والشريف الذي نفض يده عن الدنيا وغض طرفه عن متاعها ولم يسر بسيرة من سبقوه من عشاق السلطة ووحوش الجشع. ويرتسم طريقهم في النهب والسلب والفساد ، فكان شديد الحرص على المال العام ، مدركاً أن أولى مسؤوليات الرئيس هو الحفاظ على هذا المال لا العبث به والاستحواذ عليه زوراً وظلماً بحجج الرئاسة أو الزعامة أو تحت سلطان النفوذ !
وقد عد سلام الله عليه هذه النزاهة التي حافظ عليها نعمة عظيمة وفضل من الله لأنه يعي جيدا ما معنى أن تكون رئيسا نزيها في عصر الماديات ، فهو منذ البداية لم يقبل بالسلطة كمنصب شخصي ومغنم ذاتي. ولكنها أحيت في نفسه بوارق الآمال بالوصول إلى أوساط هذا الشعب المستضعف عساه يساعد في إقالة عثرة محتاج أو مسح دمعة بائس ، أو تقديم ما يمكن تقديمه من مشاريع البناء والحماية لهذا الوطن .
قال الصمّاد وصدق (لم نفتح القصور ليأتي الناس إلى زيارتنا بل قلنا سنأتي نحن لزيارة رجال الرجال في جبهات القتال ) وحقا ؛ لم يسكن صالح الصمّاد تلك القصور ولم يعتل عروشها لتتقاطر إليه الوفود وتقدم بين يديه صكوك الولاء والانقياد والطاعة ، بل خرج يجوب البلاد يتفقد أحوال الناس ويشاركهم همومهم ويتقاسم معهم شظف المعيشة ومذاق المعاناة ، ويجول في كل الجبهات يشارك المجاهدين لحظات الكلال والإعياء ، ويشد أزرهم ويشحذ عزيمتهم حتى يستوي أمامه جيشاً متلاحم النسج ، قوي الإرادة ، تتجلى من بطولاته آيات النصر المبين .
قال الصمّاد وصدق ( مسح الغبار من على نعال المجاهدين أشرف من مناصب الدنيا) قالها لأنه ذلك المؤمن الصادق الذي نهل من ينبوع القرآن الكريم.. كلام الله الذي آياته حقائق ثابتة لا تزول ولا تنتهي صلاحيتها ومن خلالها اكتشف قداسة الجهاد ومنزلة المجاهد وهو الذي عاش عمره مجاهداً وخبيراً بمواطن الكفاح ، لا يبالي في الجهاد الحر ولا البرد ، ولا السهل ولا الوعر. فاستخف بهذا المنصب الدنيوي الزائل مقارنة بتلك المناصب الخالدة التي أعدها الله للمجاهدين .
قال الصمّاد وصدق ( فلا يشرفنا إلا أن نعود إلى شعبنا حاملين لراية النصر أو محمولين على أكتاف الرجال شهداء ) وعاد الرئيس الصماد سلام الله عليه من الحديدة شهيداً محمولًا على أكتاف الرجال وحائزًا على أشرف وسام لا يمنحه الله إلا لمن أحبه واصطفاه من عباده المخلصين الأخيار. ليبقى دم الصمّاد جذوة متقدة في صدر كل يمني حر تلفح سهامها المستعرة كل من تسول له نفسه احتلال اليمن واستعباد أهلها والسطو على خيراتها وثرواتها.