دار الإفتاء في مصر والأردن تؤكدان وجوب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

 

ذهب العديد من أهل العلم المُعاصرين إلى جواز الاحتفال بالمولد النبويّ، وفيما يأتي الوقوف على بعض الآراء:
الشيخ يوسف القرضاويّ بيّن جواز الاحتفال بالمولد النبويّ من خلال تسليط الضوء على سيرة سيّد الخَلق محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، والوقوف على أهمّ الأحداث الإسلاميّة في حياته -عليه الصلاة والسلام-، مثل: غزوة بدرٍ، وأحدٍ، والهجرة النبويّة، والإسراء والمعراج، وميلاده -عليه الصلاة والسلام- سيّما أنّ تذكير الناس بنِعَم الله -تعالى- أمرٌ محمودٌ، وقد أمر الله -تعالى- به، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ)، إلّا أنّ فضيلة الشيخ أكّد على أنّ الاحتفال بالمولد النبويّ مُباحٌ ما لم يشتمل على المُنكرات، والمُخالفات الشرعيّة، كإقامة الاحتفال بالأولياء الصالحين، وغيرها من البِدَع.
الشيخ عبدالله بن بيه بيّن جواز الاحتفال بالمولد النبويّ من خلال سرد سيرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبيان مناقبه وشمائله، ويُشترَط عدم فِعل أيّ أمرٍ مُخالفٍ للشرع أثناء الاحتفال، وعدم الاعتقاد بسُنّية هذا الاحتفال، ولا بوجوبه، فمَن فَعل ذلك حُبّاً للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، نال الأجر والثواب إن شاء الله، ومَن ترك الاحتفال بالمولد النبويّ؛ لمُوافقة السنّة، وخوفاً من الوقوع في البِدعة، فهو مأجورٌ أيضاً.
دائرة الإفتاء الأردنية.. ذهب سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان إلى جواز الاحتفال بالمولد النبويّ؛ من خلال سرد سيرة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وبيان شمائله الكريمة، والحَثّ على التمسُّك بالدِّين، وبشرط عدم وجود مخالفاتٍ شرعيّةٍ أثناء الاحتفال، لا سيّما أنّ في ذلك تعبيراً عن مَحبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والاعتزاز بقيادته، والالتزام بشريعته.
دار الإفتاء المصرية أفتت بجواز الاحتفال، بل إنّ الاحتفال بالمولد النبويّ من أفضل الأعمال وأجلّ القُربات لديهم؛ لأنّه تعبيرٌ عن مَحبّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التي تُعَدّ أصلاً من أصول الإيمان؛ لِما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ) بالإضافة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد سَنَّ للأمّة الشُّكر على ميلاده الشريف؛ فقد كان يصوم يوم الاثنين، لأنّه يومٌ وُلد فيه؛ لِما ورد عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- أنّه قال أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ؟ قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ)، ولا يصحّ القول بأنّ الاحتفال بالمولد النبويّ بِدعةٌ؛ لأنّ البِدَع هي ما خالف القرآن الكريم، أو السنّة النبويّة، أو الإجماع، وقد ثبت أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يحتفلون بالنبيّ -عليه وآله الصلاة والسلام-، وقد أقرّهم على ذلك؛ لِما رُوي عن بريدة بن الحصيب الأسلميّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في بعضِ مَغازيهِ، فلمَّا انصرفَ جاءت جاريةٌ سوداءُ، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنتُ نذرتُ إن ردَّكَ اللَّهُ سالمًا أن أضربَ بينَ يديكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إن كنتِ نذَرتِ فاضربي وإلَّا فلا).
الأدلّة على جواز الاحتفال بالمولد النبويّ.. يُمكن الوقوف على عددٍ من الأدلّة الشرعيّة التي تدلّ على جواز الاحتفال بالمولد النبويّ، الدليل الأوّل: ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحتفل بميلاده الشريف؛ إذ كان يصوم يوم الاثنين؛ لأنّه يوم ميلاده كما ورد في الحديث الصحيح الذي ورد عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه-، والذي سبق ذِكره، وفيه دليلٌ على جواز الاهتمام بمثل ذلك اليوم المبارك بفعل عبادةٍ مُعيَّنةٍ، كالصوم، أو ما تيسّر من العبادات بشرط عدم مُخالفة الشَّرع، الدليل الثاني: الاحتفال بميلاد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيه تعبيرٌ عن الفرح والسرور به، وهذا أمرٌ عظيمٌ؛ فقد أعتق أبو لهب الجارية التي بشّرته بميلاد محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، مصداقاً لما ورد عن أمّ حبيبة -رضي الله عنها- أنّه قالت: (قالَ عُرْوَةُ، وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لأبِي لَهَبٍ: كانَ أبو لَهَبٍ أعْتَقَهَا، فأرْضَعَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أبو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أهْلِهِ بشَرِّ حِيبَةٍ، قالَ له: مَاذَا لَقِيتَ؟ قالَ أبو لَهَبٍ: لَمْ ألْقَ بَعْدَكُمْ غيرَ أنِّي سُقِيتُ في هذِه بعَتَاقَتي ثُوَيْبَةَ)، وقال الإمام الجزريّ -رحمه الله- في كتابه عرف التعريف بالمولد الشريف: “وقد رؤي أبو لهب فى النوم بعد موته فقيل له: ما حالك فقال: فى النار، إلّا أنّه يخفّف عني كلّ ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي هاتين ماءً بقدر هذا، وأشار برأس إصبعه -وإن ذلك باعتاقي لثويبة، حينما بشّرتني بولادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وبإرضاعها له”. الدليل الثالث: أمر الله -تعالى- في القرآن الكريم بالفرح بالرحمة؛ إذ: (قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ)، ومن أعظم الرحمات مولد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبعثته؛ لقَوْل الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، فالفرح برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مطلوبٌ في كلّ وقتٍ، وبالأخصّ في كلّ يوم اثنين، وفي كلّ شهر ربيع الأوّل من كلّ عامٍ، الدليل الرابع: أمر الله -تعالى- بتعظيم شعائره؛ إذ قال: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) ويُمكن القول إنّ الاحتفال بالمولد النبويّ من تعظيم شعائر الله -تعالى-، لا سيّما أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو الذي جاء بالشعائر، وأحيا القلوب، وأخرج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.

قد يعجبك ايضا