( آثار قرارات صندوق النقد الدولي الكارثية … وفساد الشرعية المزعومة )

د. يحيى علي السقاف

 

أدت الأوضاع المتدهورة التي تعيشها المناطق المحتلة إلى حالة من الغضب الشعبي نتيجة ما يعانيه المواطنون من صعوبة الظروف المعيشية وتردي الخدمات العامة وشهدت التظاهرات رفع لافتات تندد بالفساد الذي وصل إلى أعلى مستوياته والذي يمارس من حكومة مرتزقة العدوان ويطالبون بطرد المحتلين ومحاسبة المسؤولين عن نهب موارد وثروات اليمن وطباعة العملة المزورة الذي كانت السبب في سوء الخدمات وتعقيدات الحياة اليومية التي تزايدت بسبب موجة الغلاء والتضخم في أسعار السلع والخدمات الناتجة عن تهاوي قيمة العملة الوطنية واتهم المتظاهرين حكومة المرتزقة بإهدار المساعدات التي تلقتها من منظمات دولية وما يؤكد ذلك ما جاء في تقارير الأمم المتحدة.
إن العبث وتبديد أموال الشعب خارج اليمن ونهب الثروات من النفط والغاز والإيرادات في جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية ونهب المنح والمساعدات الخارجية والاستيلاء على الاحتياطي من القروض الخارجية والأرصدة المجمدة التي تخص البنوك التجارية في الخارج والمضاربة بالعملة وانتشار عمليات غسيل الأموال التي تتم بتواطؤ أممي والتي تمثل فساد شرعيتهم المزعومة بينما المواطن اليمني في المناطق المحتلة يعيش تحت خط الفقر ويتكبد الوباء ويحاصره المرض والجوع والخوف وانعدام الأمن وفقدان كل مقومات الحياة فإن ذلك يعد جريمة إنسانية وأخلاقية يعاقب عليها القانون المحلي والدولي والإنساني وحقوق الإنسان، فأين هو مجلس الأمن والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان وأين هم مبعوثو الأمم المتحدة من هذه الجرائم في نهب وسلب المال العام الذي يخص المواطن اليمني وتهريبه إلى البنوك الخاصة في الخارج عبر الفاسدين في حكومة فنادق الرياض.
وفي هذا الإطار يعتمد صندوق النقد الدولي اتخاذ إجراءات لتسهيل عملية نهب وسرقة معلنة وبغلاف دولي وأممي بحسب ما جاء في الاتفاق المشبوه الأخير مع فرع البنك المركزي في عدن بخصوص الاحتياط النقدي الخارجي من القروض بمبلغ 665 مليون دولار وتسهيل الإجراءات للاستيلاء علية وعلى الأرصدة المجمدة لدى بنك إنجلترا التي تقدر بـ82 مليون جنيه إسترليني والكثير من الأرصدة الخارجية المجمدة لدى البنوك في الخارج الذي يعد جريمة جسيمة لا تسقط بالتقادم وتضاف للجرائم الاقتصادية السابقة التي تسببت في انهيار الاقتصاد اليمني وتدمير العملة المحلية وكانت لها آثار ونتائج كارثية في زيادة المعاناة المعيشية والإنسانية للمواطن اليمني الذي يخضع لسلطة الاحتلال في المناطق الجنوبية.
ويعد قرار صندوق النقد الدولي في هذا الخصوص مخالفة صريحة وواضحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف التي تمنع الطرف المعتدي من الحصول والسيطرة على الاحتياطيات النقدية الخارجية للدولة المعتدى عليها وخاصة وأن حكومة الفنادق ومرتزقتها في بنك عدن تستخدم تلك المبالغ في تمويل حسابات بنوكهم الخارجية وفي شراء عقارات في الدول الخارجية والذي يترتب عليه تحميل الشعب اليمني أعباء مالية مستقبلية في زيادة معدل الدين العام الخارجي وفوائده الربوية وما يترتب على الحصول على القروض من تدمير للاقتصاد الوطني حيث يؤدي إلى تآكل الطبقة الوسطى لتهبط إلى طبقة الفقراء وعدم قدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة اليومية والمعيشية ويؤدي إلى تقلص طبقة الأغنياء .
ومن الآثار الكارثية نتيجة قرارات صندوق النقد الدولي في دعم السياسات النقدية الفاشلة لبنك عدن وتسهيل حصوله على الاحتياطي النقدي الخارجي تتمثل في أن ذلك يعتبر مخالفا للأهداف والمهام المزعومة التي تم إنشاؤه من أجلها وهي استقرار النظام النقدي العالمي ومنح القروض لمساعدة الدول على إنشاء المشاريع وتطوير برامج سياسات لحل مشكلة ميزان المدفوعات وليس لغرض السرقة والنهب والمضاربة بالعملة ودعم الجماعات الإرهابية وإغراق الدولة بديون ذات فوائد كبيرة جدا وكذلك نتائج أخرى تتمثل في زيادة نسبة الدين العام الخارجي وحصول انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض كبير في معدل نصيب دخل الفرد وزيادة في معدلات التضخم في أسعار السلع والخدمات فلا يوجد فرق بين طباعة العملة المزورة أو نهب الاحتياطات الخارجية من القروض فأضرارها الكارثية تكمل بعضها البعض ويجب علينا في مواجهة مثل تلك القرارات لصندوق النقد الدولي اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية ورفع الدعاوى وإثبات كل وسائل الاعتراض لدى كل الجهات الدولية المختصة وإثارة الرأي العام الخارجي عبر الناشطين والحقوقيين والمحامين في الخارج وتوضيح الحقيقة في أن مثل تلك القرارات المتخذة في الجانب الاقتصادي يجب أن تكون أداة للبناء وليست للهدم والتي من المفترض أن تكون محايدة في ظل الحروب والصراعات وخاصة في ظل ما تمر به اليمن من عدوان غاشم وحصار اقتصادي جائر.
وبالنظر إلى واقع حال تلك الحكومة المزعومة لدمية العدوان فقد بات جليا ويكشف عن حقيقة زعم العدوان المتمثل في إعادة تلك الشرعية الزائفة وخصوصا ما أوردته التقارير الدولية والأممية وكيف عاثت دول العدوان في الأرض فسادا وتسلطا واستغلالاً لثروات الشعب واحتلال الجزر والموانئ اليمنية حيث تسعى أمريكا وحلفاؤها إلى شن الحروب ضد خصومها في العالم وتستخدم من خلال ذلك نفوذها الاقتصادي لشن الحرب الاقتصادية عن طريق فرض عقوبات اقتصادية من خلال إقرار حصار اقتصادي وعدة إجراءات وفرض القيود على الصادرات والواردات وتجميد الاحتياطيات من النقد الأجنبي في البنوك الخارجية وذلك عبر أدواتها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهي عبارة عن هيئات دولية تخضع في تسيير أعمالها لإملاءات وتوجيهات من دول الاستكبار العالمي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا حيث تختص تلك الهيئات في تدمير الدول التي تتعامل معها عبر تنفيذ مخططات تآمرية تسعى لانهيار اقتصاديات الدول المناهضة لها تحت غطاء كاذب وعناوين زائفة وهي القيام بتنفيذ برامج إصلاح مالي وإداري ومكافحة الفساد وهي بالأساس تعمل على تدمير ممنهج مالي واقتصادي وتفشي ظاهرت الفساد في أوسع نطاق في تلك الدول .
ولذلك فإن حق الشعب اليمني في صون سيادته الوطنية التي استباحها المعتدي الأمريكي هو حق طبيعي ودفاع مشروع ومسار ضروري وإن دمية كهادي شرعيته في مساندة دول العدوان الوحشي وقراره السياسي رهن مصالح المعتدي السعودي وإقليم سيادته ساحات غرف فنادق الرياض لدليل واضح على خيانته العظمى وبيعه للوطن كغطاء زائف لعدوان ماكر وغطاء الشرعية المزعومة الذي تتخذه أمريكا وأذنابها من السعودية والإمارات حجة ضعيفة وواهية كي تستولي على ثروات اليمن ومرتكزاتها الاقتصادية، ومن خلال ذلك يتم انتهاك سيادة الدولة وتدمير مقومات الحياة وتدمير الاقتصاد الوطني في انتهاج سياسات مالية ونقدية فاشلة تتمثل في الاستمرار في طباعة العملة المزورة ونهب الثروات من النفط والغاز ومصادرة الإيرادات في المنافذ والموانئ والاستيلاء على الاحتياطي الخارجي من النقد الأجنبي تحت مسمى القروض والمنح والهبات والإعانات والاستيلاء على الأرصدة الخارجية المجمدة، وفي سبيل ذلك يسعى تحالف العدوان إلى محاولة تعويض بعض خسائره جراء ارتكابه هذا العدوان الغاشم الذي بسببه انهارت ميزانيته المالية الضخمة ودُمرت ترسانته العسكرية الجوفاء وتساقط جيشه الكرتوني كأوراق الخريف .
ويسعى أيضا من خلال ذلك إلى تغطية النفقات المالية لمرتزقته في الفنادق ويهدف في سبيل ذلك إلى تحقيق هدفه الرئيسي ألا وهو تحميل اليمن نفقات وتكاليف وأعباء مالية في المستقبل حتى تنشغل الأجيال القادمة بسدادها على مدى عقود من الزمن وتكون عائقاً كبيراً في طريق تحقيق التنمية الاقتصادية لمستقبل بلادهم ويضمن لهم أن يظل اليمن يعاني من الفقر والجوع والمرض وينتشر فيه الفساد ولا تقوم لليمن حضارة وازدهار ويظل تابعا ذليلا لنظام آل سعود ولا تكون له سيادة ولا استقلال حيث يُعد الاستيلاء على الاحتياط الخارجي من القروض جريمة جسيمة على المستوى المحلي والدولي وآثاره الكارثية تكمن في تحميل اليمن قروضا لا تستفيد منها بتحقيق أي مشاريع تنموية تدعم الإنتاج المحلي أو لمواجهة صرف نفقات ضرورية مثل مرتبات الموظفين كل ذلك سوف يكون له مردود عكسي على معيشة المواطن وتأخير التنمية الاقتصادية في اليمن.
إن انتهاك سيادة الدولة اليمنية بدلا من صونها وفقدان السيطرة الفعلية بدلا من تكريسها وتفشي الإرهاب وتوظيفه خلافا لمزاعم محاربته وإنشاء الكيانات التابعة من أحزمة ونخب أمنية وعسكرية تعمل بالوكالة لدول تحالف العدوان وتحقيق مصالحها الخاصة وتقويض السلطات المفترضة لتلك الحكومات المزعومة وفقدانها للقيادة والسيطرة وتواجدها الدائم في فنادق الرياض وعجزها الدائم تأمين موضع قدم لوزرائها في تلك المناطق التي تصفها بالمحررة ناهيك عن تآكل سلطتها وانهيار مؤسساتها على جميع المستويات عوضا عن مضاعفة المعاناة ومفاقمة الكارثة الإنسانية، لدليل قاطع على أن تلك السلطة الصورية والشرعية المفبركة لم تكن يوما سوى غطاء اتخذته دول العدوان لإخفاء حقيقة أطماعها الرخيصة وغرض أهدافها التآمرية وعدم مشروعية مصالحها في اليمن، ولقد أوغل عدوان تحالف الرياض مع سبق الإصرار والترصد في تعميق معاناة الشعب اليمني وبالغ عن قصد في زيادة المعاناة المعيشية لتحقيق مآرب سياسية تتنافى مع القيم الإنسانية والأعراف في الحرب وتتناقض مع المبادئ والقوانين الدولية، كل ذلك لغرض تحقيق غايات استعمارية لأمريكا وإسرائيل تحت غطاء ذرائع وهمية مستحدثة مثل زعمهم إعادة الشرعية المنتهية الصلاحية التي كانت أبرز عناوينهم .
ومما لا شك فيه إن زمنا طويلا من التزييف والتدليس والتضليل لتبرير سفك الدماء وتدمير البنية التحتية ونهب الثروات الاقتصادية في اليمن بزعم إعادة شرعيتهم الزائفة لدليل واضح على موت ضمير العالم وانهيار منظومة القيم والمبادئ وسقوط قناع الحقوق وضعف تطبيق القانون لصالح تحقيق الأطماع وبسط النفوذ وتكريس الهيمنة وهاهي اليوم التقارير الأممية التي لطالما وقفت مع دول العدوان تزيح الستار كاشفة عن واقع فساد وزيف الشرعية المزعومة لتحالف العدوان تلك الشرعية البائدة التي مثلت غطاء رخيصا لعدوان غاشم على اليمن، وقد تحدثت تلك التقارير الأممية والدولية بعبارات كثيرة نذكر منها ما جاء في أن سلطة هادي تتصف بضآلة وغياب السيطرة على مؤسسات حكومية حيوية وعدم سيطرتهم على الشؤون المالية وعلى إدارة مؤسساتهم وأن حكومة هادي ضعيفة وعرضة للمخاطر وما جاء أيضاً في مقدمة تقرير 2017م في أن نقل البنك المركزي إلى عدن أدى إلى انخفاض كبير في توفير المواد والخدمات التي لا غنى عنها لبقاء اليمنيين على قيد الحياة وقد تؤدي هذه الخطوة إلى تسريع وتيرة الكارثة الإنسانية الوشيكة وكذلك ما تم ذكره عن التجاوزات وجرائم الفساد والنهب والسلب لثروات اليمن وغسيل الأموال والمضاربة في العملة وكل تلك العبارات التي وردت في معظم التقارير الأممية توضح فشل حكومة الفنادق وعدم شرعيتهم.
والنظر بعين الاعتبار إلى الشرعية الحقيقية في المناطق المحررة التي تحت حكم المجلس السياسي الأعلى والتي تتمثل بالكثافة السكانية الكبيرة التي تعيش في الأمن والاستقرار الاقتصادي وتتوفر فيها جميع الأركان والشروط الواجب توفرها لقيام أي دولة، وتتمثل أركان الدولة في الشعب والإقليم والسلطة وليس في مجرد عصابة تتكون من مجموعة من اللصوص تقبع في فنادق الرياض وتنهب الثروات والموارد وتودعها في حساباتهم الخاصة في الخارج، وفي هذا السياق يتضح لنا نتيجة واضحة وجلية وهي أن لا شرعية للحصار الجوي والبحري والبري الذي تفرضه دول العدوان على اليمن على أساس قرارات مجلس الأمن ويعد خرقا لقرارات المجلس وتجاوزا لحدود نطاقها، كما يعد أسلوب تجويع المدنيين جريمة حرب تقترفها دول العدوان لتحقيق مآرب سياسية ويمكننا من خلال ذلك إثارة المسؤولية الدولية والقانونية ضدها.
* وكيل وزارة المالية

قد يعجبك ايضا