الوعي والأخلاق في خطاب قائد الثورة

عبدالرحمن مراد

 

 

بقليل من التأمل في الرسالات السماوية على البشر نجدها كما قال ملك الحبشة القديم لوفد قريش «تخرج من مشكاة واحدة»، فالسماء تتعامل مع حركة المجتمع وتطوره وفق قانون يحاول الإنسان منذ بدء الخلق أن يكتشف أسراره ولكنه لا يكتشف إلا القليل منه فعلم الله واسع ولا تسعه مدركات البشر .
فاليهودية كانت خلاصة كثير من الرسالات التي عالجت قضايا مهمة في حياة البشر مثل الصناعة والمال والاقتصاد والزراعة والمخزون الاستراتيجي للاقتصاد القومي للبشر وعلاقة الأمم الاقتصادية ببعضها وقد كانت خلاصة رسالات كل رسالة تعالج موضوعا محددا حتى تبلغ التجارب ذروتها ومراحل اكتمالها، والمسيحية أيضا جاءت كخلاصة لكثير من الرسالات التي عرفنا والتي لم نعرف وقد عالجت قضايا الحرية والتجرد والروحانيات والصحة والسلام النفسي والاجتماعي، وجاء الإسلام كرسالة خاتمة لكل الرسالات السماوية وكان اشتغاله على البعد الأخلاقي وعلى المساواة وعلى التوحيد وإلغاء الفوارق الاجتماعية والطبقية في المجتمعات .
ولذلك لا نلمس اليوم في واقعنا أثرا للديانات الأخرى لأنها كانت حالة تكاملية، وكل ما نجده اليوم في واقعنا هي الديانات الثلاث: اليهودية، والمسيحية، وذروة سنام الديانات هو الإسلام لأنه كان خلاصة الخلاصة وذروة كل الثقافات ومنه تعلم البشر من عربهم وأعجمهم الحالة التقدمية والمستوى الحضاري والتقني الذي يعيشونه اليوم .
فالحرية وحقوق الإنسان وحقوق الحيوان والمساواة والعدل والخير وقيم المحبة والسلام والتعايش واحترام القناعات والسلوك القويم في التعامل مع البيئة وحفظ الحقوق ومعرفة الواجبات وغير كل ذلك لم يأت به في واقع البشر سوى الإسلام، وليس من العدل اليوم أن ننسب هذا المستوى الحضاري الذي وصل اليه البشر في عموم الكرة الأرضية إلى الغرب باعتبارهم رواده وصانعيه بل إلى الإسلام، ولا يعني تخاذلنا عن ديننا وعن أثره على البشرية إلا ضعفا وتسليما لثقافة الأقوى بعد أن دب الضعف في جسد الدولة المسلمة وبعد أن سقطت بغداد في يد المغول، وكان الأجدر بالعرب والمسلمين أن يعودوا إلى تراثهم المعرفي والتاريخي ومراجعهم الثقافية ليكتشفوا كيف التقط العقل النقدي الغربي المعارف والقيم من الرموز والإشارات التاريخية ومن القصص وكتب الأخبار والنوادر التي أبدعها العرب زمن ازدهار دولتهم وثقافتهم في عصر الدولة العباسية.
لقد أبدع العرب والمسلمون في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، وابتكروا علوما، وكانت لهم مبتكرات وصناعات فاقت الخيال، ووصل بعض ملوك الإفرنج إلى درجة الذهول والدهشة وقد أهدى لهم أحد الخلفاء مبتكرا صناعيا كما هو حالنا اليوم ونحن نتفاعل مع الصناعات الغربية .
والقارئ الحصيف، والمتأمل اللبيب يجد أن البعد الأخلاقي كان بعدا مهما في ازدهار الدولة الإسلامية فبه ومن خلاله وصل المسلمون إلى ما وصلوا اليه من مكانة بين الأمم، ومن هيبة، بل كانت قيمة المسلم تفوق الخيال، فالقضية الأخلاقية شكلت منعطفا مهما في المسار الأخلاقي العربي وحين قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : “إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق”، ما نطق عن هوى بل كان وحيا يوحى علمه إياه شديد القوى الكريم المتعال، لذلك فنهضة العرب اليوم ترتبط ارتباطا جوهريا بالبعد الأخلاقي فإذا استطعنا ترتيب النسق الأخلاقي في جل تفاعلاتنا المعرفية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فقد بلغنا أوجا كريما لا يصله إلا العظماء الكبار الذين يحملون الرسالات ليحدثوا متغيرا في مجرى التاريخ, ومثل ذلك من خواص الإسلام زمن البعثة المحمدية حيث عمل على إحداث متغير كبير في مجرى التاريخ ما يزال الفكر الإنساني يقف أمامه بكل إجلال ودهشة .
وقد لفت انتباهي قول قائد الثورة قائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك الحوثي في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد وهو يؤكد : أن المسيرة القرآنية ليست تنظيما ولن تكون حزبا بل هي حركة وعي وأخلاق ومن المفترض أن نقف عند مفردتي وعي وأخلاق فهما المشروع الأكبر والأهم الذي يجب أن نلتف حوله حتى نبلغ أسباب النهضة والخروج من شرنقة الضعف والهوان الذي ينال من الأمة ويحط من قدرها .
لم يكن السيد القائد إلا مدركا لحركة التاريخ وكنه الإسلام وجوهره فقد كان اشتغال الإسلام الأهم وتكامله مع كل الرسالات في البعد الأخلاقي وهي خاصية مؤكدة بالنص القطعي : ” وإنك لعلى خلق عظيم ” هنا جوهر الرسالة المحمدية ومنها تنبثق المجالات ومشاريع النهضة، لذلك فالوقوف عند الجانب الأخلاقي باعتباره أساس مشروع المسيرة القرآنية حتى نجعل منه معيارا في تفاعلنا اليومي مع الأشياء ونقيس من خلاله مستوياتنا النفسية والأخلاقية وسلوكياتنا ومستويات النجاح والفشل، فالقدرة على الضبط الأخلاقي تجعل منا قوة قاهرة غير مقهورة، فالنظرية الأخلاقية الإسلامية لا تعني السلوك الفردي ومستوى تعامل الفرد مع محيطه بل تعني القدرة الأخلاقية على صناعة حياة الأمم وسعادتها وبما يحقق الرفاه لها والعيش الرغيد ويعزز من حريتها ومن كرامتها ومن استقلالها، لذلك فالنظرية الأخلاقية إذا حضرت وكان حضورها فاعلا فهي تبدع الواقع السياسي والواقع الاجتماعي والواقع الاقتصادي والواقع الحضاري .
ومن هنا أتمنى على القادة من رموز المسيرة القرآنية التفاعل مع خطاب السيد القائد وتحويل مضامينه إلى برامج عمل يكون أثرها واضحا في المسار الاجتماعي والمسار الإداري للدولة فالأخلاق معيار تقدم الأمم ومعيار انحطاطها وتقييم الأفراد يفترض أن يبدأ من المسار الأخلاقي وتعيين الأفراد لابد أن يكون البعد الأخلاقي معيارا مهما فيه ,فأهل الشرف ومكارم الأخلاق هم الرجال الذين يفترض الاستعانة بهم فشرفهم يمنعهم من الوقوع في الرذائل، وعلينا أن ندرك أن من تسوء أخلاقه يترك أثرا مدمرا ولابد من تقويم أخلاقه وإن كان ذلك صعبا فالطبع في الغالب يغلب التطبع، وكانت العرب تحتاج إلى السفهاء للقيام بوظائف بعينها وهي وظائف وقتية تجاوزتها النظرية الأخلاقية الإسلامية .

قد يعجبك ايضا