لا سلام في اليمن.. أمريكا في عهدها الجديد ما تزال عدواً للسلام وراعية للحروب

 

الثورة / عبدالملك الشرعبي

لا تزال الحرب الظالمة مستعرة ومستمرة على اليمن أرضا وإنسانا ، على رغم الأصوات والدعوات الدولية والتحذيرات من الكارثة الإنسانية التي سببتها الحرب التحالفية بقيادة أمريكا وبمشاركة 22 دولة أخرى ، وفيما يتفق الجميع على أن الحل في اليمن لن يكون إلا سياسيا وأن الخيارات العسكرية التي تتبناها أمريكا وتحالفها الممتدة من أوروبا حتى المملكة السعودية لن تؤدي إلا إلى إبادة شاملة ، تمضي الإدارة الأمريكية في تبني خيار العمل العسكري وعرقلة المساعي الرامية لإحلال السلام ، ذلك ما يؤكده القرار الذي أصدره ترامب المنتهية ولايته ، ولا يبدو أن الإدارة الجديدة ستعمل على إلغائه محاولة التخفي وراء التكهنات الإعلامية والتصريحات التي تتكرر بين الحين والآخر.
أموال وتحالفات
وبحسب المراقبين والمحللين السياسيين والمهتمين بالشأن اليمني فإن الموقف الأمريكي في استمرار العدوان والحصار على اليمن يعد موقفاً محورياً ومفصلياً ويرون أن واشنطن من خلال مشاركتها في الدعم والتخطيط والتنفيذ للعدوان العسكري هي من تدير هذه الحرب وتتحكم فيها، بل إن استمرارها مصلحة أمريكية بحتة تضمن استحلاب أموال السعودية والإمارات مقابل تقديم واشنطن الدعم العسكري واللوجستي لأدواتها “الرياض وأبوظبي”، وأيضا مقابل حماية نظاميها العميلين .
يجسد القرار الذي أذاعه وزير الخارجية المنتهي مايك بومبيو وتبناه ترامب النهج الأمريكي الذي درجت عليه الولايات المتحدة منذ بدء الحرب في عهد الرئيس الديمقراطي أوباما ، والذي لم يكن يتبنى خيارات معلنة كما في عهد ترامب ، لكنه كان يدعم العدوان على اليمن ويتبناه ، ورغم سوء الأوضاع الإنسانية والتحذيرات التي تطلقها مئات المنظمات الدولية الإنسانية ، لا يبدو أن إدارة الرئيس بايدن ستعمل على رفع القيود على شحنات النفط والغذاء والوقود ، ولا يبدو أنها ستنصاع للقرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ الأمريكي المتضمن إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للعدوان والحصار على اليمن ، وأنها ستستمر في تسويق الذريعة نفسها «إيران » لاستمرار الحرب متجاهلا الأدلة القاطعة على أن بلاده هي من أوصلت اليمن إلى هذا الجحيم وهذه الكارثة والمأساة .
يرى الكثير من المحللين أن واشنطن تجني فوائد مالية كبيرة من العدوان الذي تقوده على اليمن لذلك تصر على استمرارها وحماية السعودية والإمارات حتى سياسيا واقتصاديا ولا يبدو أن بايدن بصدد مراجعات لذلك ، حيث تعقد الأنظمة الخليجية صفقات أسلحة بمئات المليارات من الدولارات كما أن الدولتين الحليفتين في العدوان تدفعان رشاوى وهبات مالية بمئات الملايين للعديد من الأشخاص والشركات في واشنطن والعديد من العواصم المؤثرة كما أن إطالة أمد الحرب يضغط على أبوظبي والرياض لتقديم تنازلات أكثر للإدارة الجديدة التي تبنت التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وخيارات تصفية القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية محورية في المنطقة ترى إدارة بايدن ألا سلام فيها إلا بتحقيقها.
مشروع « اليمن الكبير»
ولدى الولايات المتحدة وفق الخبراء مشروع في اليمن على غرار مشروع «الشرق الأوسط الكبير» ، وهو مشروع «اليمن الكبير» والذي تستهدف من خلاله:
– تعميق الانقسام السياسي العربي وتأمين ظهور معارك دموية جديدة فيما بينهم.
– تفتيت اليمن وترسيخ الانقسام الراهن في العالم الإسلامي.
– توجيه السعودية، التي تميل للخروج من السيطرة، بما يتناسب مع ما هو مقترح في مشروع الشرق الأوسط الكبير وخلق مساحات فوضى جديدة في المنطقة.
– الانتشار في المنطقة بشكل أقوى من قبل، والسيطرة على منطقة ذات استراتيجية/جيوسياسية هامة لدى «الشرق الأوسط الأمريكي».
– السيطرة على الممرات المائية وخصوصا باب المندب وتعزيز قبضتها فيما يخص أمن الطاقة ومشروع الحزام والطريق.
لقد أدرك قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين منذ الوهلة الأولى للعدوان ، أن الحرب التي تشنها دول التحالف على اليمن ، هي حرب أمريكية إسرائيلية بامتياز ، فأمريكا هي من تخطط وتمول ، وتنفذ عبر وكلائها ، مؤكدا ذلك في معظم خطاباته .. وأوضح قائد الثورة في كلمته الأخيرة بمناسبة بذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام، أن السعودية والإمارات هي مجرد أدوات لتنفيذ الأجندة الأمريكية .. وقال ” الآن تجلت الأمور أكثر فأكثر، والبعض كان لا يستوعب أن المعتدين يتآمرون على اليمن، ويريدون احتلاله، وأن يمكنوا الأمريكي والإسرائيلي، أن يأتي من خلفهم ويسيطر على اليمن”.
وأضاف ” قلنا منذ بداية العدوان أن السعودية والإمارات ومن معهما مجرد أدوات لتنفيذ مخططات أمريكا وإسرائيل في استهداف الشعب اليمني ، فبعد تمكن الاحتلال من السيطرة على المحافظات الجنوبية، أصبح لدى الأمريكي قاعدة في مطار الريان بحضرموت، ويتواجد في شرورة وإلى حد ما في عدن».
ومع اعتراف الولايات المتحدة بان الحرب على اليمن أحدثت وضعا إنسانيا صعبا ودمرت البلاد بشكل كامل، إلا أنها كانت تبرر هذا العدوان البربري بأنه يحارب ما تسميه بالنفوذ الإيراني في اليمن، حتى لو كان ثمنه إبادة شعب بأكمله ، تكشف العديد من المنظمات السياسية والحقوقية أن الإدارة الأمريكية الحالية لا ترغب في إيقاف هذه الحرب، نظراً للفوائد المادية والسياسية والاقتصادية التي تجنيها من استمرارها .
وقالت كبريات منظمات الإغاثة الدولية أن تقديم الدعم العسكري واللوجستي وتوفير الغطاء الدبلوماسي المكثف للسعودية والإمارات من قبل الولايات المتحدة ، أدى إلى إطالة الحرب وعمق الأزمة الإنسانية في اليمن وذلك ما يدلل على أن واشنطن تمثل العائق الرئيسي لعملية السلام في اليمن .
حقائق الحرب وطبيعتها الأمريكية
بالعودة إلى البدايات الأولى للعدوان الذي دشن من الولايات المتحدة ، أكدت واشنطن حينها أن عاصفة الحزم تعتبر خطوة ضرورية، كما أعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أجاز تقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية، تدعم العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن..
وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري قال خلال زيارته إلى الرياض يوم 22 /1 /2016م: «نحن ندعم التحالف الذي تقوده السعودية لمواجهة الحوثيين في اليمن.. مؤكدا أن علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج مبنية على أساس المصالح المشتركة، وهي استراتيجية، ونحن ملتزمون بدعمها لصد أي اعتداء، وأن واشنطن لن تتخاذل في حماية دول الخليج ، سفير أمريكا السابق باليمن ستيفان سيش قال : لا يجب ترك العرب يقاتلون وحدهم وعلينا التدخل والتفاوض على مصالحنا. ورأى أن أمريكا لا يمكنها البقاء خارج إطار المواجهات بالمنطقة باعتبار أنه لا ينبغي ترك أحد يتصرف نيابة عنها برعاية مصالحها.
وأضاف: “أظن أن عجزنا عن رؤية النتيجة العامة لسياساتنا ينعكس في عدم قدرتنا على رؤية الصورة العامة لمقاييس النجاح أو الفشل في اليمن، ففشل العملية السياسية في اليمن هو سبب ظهور القاعدة، وهذا الفشل أيضا هو سبب قوة الحوثيين المدعومين من ايران، على حد قوله ، وهو البعبع الذي تريده واشنطن مع أدواتها لتبرير استمرار الحرب على اليمن ، وتابع « لدينا مصالحنا ويجب أن نكون على الأرض بأنفسنا ويجب أن نشارك في الحوارات وفي المفاوضات مع الجميع في تلك الدول والتأكد من أن مصالحنا محترمة”.
يبدو أن هذه الرؤية هي نفسها التي تحملها إدارة بايدن في العهد الجديد ، ولكن كيف ستواجه أمريكا التحركات الدولية من الرأي العام والناشطين والصحف والإعلام الدولي المناهضة لاستمرار الحرب ، وهل سيدفعها إلى مراجعة القرار الأرعن الذي أصدره بومبيو في ربع الساعة الأخير؟
خبراء ومحللون أمريكيون يكشفون الحقائق
في تحليل نشره في مجلة (كونسوتيوم نيوز) تحت عنوان «حرب السعودية على اليمن تشبه الحرب على فيتنام أو أفغانستان» ..قال المستشار السابق في مجلس السياسة الخارجية الأمريكي والمختص بشؤون الشرق الأوسط (وليام بولك) أن واشنطن حين شنت الحرب على فيتنام لم تكن تتصور أنها ستدوم 11 عاماً وستستقطب قوى كثيرة داخلية وخارجية ضد الولايات المتحدة.
ويعترف (بولك) بأنه قال لكينيدي حين كان يعمل مستشاراً في التخطيط السياسي الأمريكي أن فتح الحرب سهل لكن الصعوبة في كيفية إنهائها، وهذا ما حدث للسياسة الأمريكية في فيتنام. ويبدو أن عوامل التشابه بين الحرب الأمريكية على فيتنام وبين الحرب السعودية لا تتعلق هنا بتشابه بين قوة عظمى تقود كتلة دولية مثل الولايات المتحدة وبين السعودية الدولة التي تستند في كل شؤونها ومستقبلها على الولايات المتحدة، لكن عوامل التشابه هنا كانت من صنع الولايات المتحدة التي دفعت الرياض لشن هذه الحرب بدلاً منها.
وقال: إن واشنطن هي التي زينت للرياض وجود نفوذ إيراني في اليمن وأخطار امتداده في شبه الجزيرة العربية، ووصفته لها بالخطر الذي يهدد المملكة لكي تدفعها إلى المبادرة بالهجوم بهدف ترتيب اليمن على طريقة سعودية، وهو نفس ما زعمته واشنطن عن نفوذ الشيوعية في فيتنام وضرورة منع وجوده وامتداده من فيتنام وتحالفت واشنطن مع كمبوديا ولاوس ودول في جنوب شرق آسيا في العدوان على فيتنام. في المقابل، دعت السعودية إلى تحالف ضم دول الخليج ومصر والسودان والمغرب والأردن ضد اليمن.
ويبدو أن المصلحة الأمريكية تفترض تسخير كل حروب المنطقة باتجاه يخدم دورها في أي حرب باردة مقبلة على غرار ما فعلته في أوروبا حين استحضرت وبعثت عوامل حرب بين موسكو وكييف، وبين اليابان وكوريا الجنوبية والصين. وحين تصبح السعودية جزءاً في قلب شبكة أمريكية في أي حرب باردة مقبلة فسوف تخسر كثيراً. أما اليمن فسوف يجد نفسه أكثر استقلالاً في قراره ورسم مستقبله من السعودية على غرار ما جرى في فيتنام التي انتصرت وتوحدت وأصبحت في طليعة الدول المستقلة في جنوب شرق آسيا.
ويبدو أن إدارة بايدن بحاجة للأموال لتعزيز ما وصفه بايدن بالوظائف في أمريكا ، إذ تواجه الإدارة الأمريكية أزمة مالية غير مسبوقة وعادة ما تلجأ أم الإرهاب ورأس الشر ومعقل الرأسمالية لإشعال الحروب لتتمول منها ، فالحاكم والصانع للسياسات هي شركات السلاح ومصانعه وهي بحاجة لاستمرار الحرب لزيادة مبيعاتها.

قد يعجبك ايضا