رئيس جمعية المنشدين اليمنيين لـ”الثورة “: أناشيد المديح النبوي اليمنية تجاوزت الحدود.. وأدعو المنشدين إلى حماية تراثنا وعدم تشويهه

 

تأتي بغزارتها كدليل على تفاني أهل اليمن في حبهم لرسول الله وانتمائهم له
المدائح النبوية.. تفرّد يماني وإبداع خيالي منذ “طلوع البدر”

يحرص اليمنيون في كل مناسباتهم على أن يكون رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله – حاضرا فيها يشاركهم أعراسهم وأحزانهم ومجالسهم وجبهات قتالهم ومآذن مساجدهم واحتفالاتهم الدينية، وتلك علاقة ترمز إلى انتمائهم له وإخلاصهم في عشقه، ولعل أبرز ما يجسد ذلك واقعاً، إلى جانب إحياء رسالته، هو غزير مديحهم وتغنيهم بمحامده وصفاته وشخصيته الفريدة، وتعبيرهم عن ولائهم من خلال المديح النبوي.

الثورة / عبدالقادر عثمان

يتميز اليمن بامتلاكه تراثاً لا مادي نادر وفريد هو الأكثر حضورا في مختلف الأزمنة، وذلك لأن اليمني بفطرته يمتلك طاقة إبداعية متميزة، فقد ضمت الرقوق والمخطوطات في المكتبات والدور الرسمية والخاصة عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من القصائد التي كان أبرزها قصائد المديح النبوي، وقد عمل المبدعون على مر التاريخ على إنشادها في موشحات وأناشيد يفضل اليمنيون استحضارها في كل أوقاتهم..
يقول رئيس جمعية المنشدين اليمنيين علي محسن الأكوع- وهو واحد من أبرز نجوم الإنشاد اليمني والعربي: القصيدة المدحية في رسول الله تميزت بعدة جوانب، أولها إخلاص الكثير من الشعراء في حبهم وتغنيهم ومدحهم لرسول الله، حتى أن البعض ذكر سيرة رسول الله من مولده حتى وفاته في قصيدة تزيد عن 450 بيتاً، ومنهم الإمام أبي عبد الله شرف الدين البوصيري، وهو شاعر أجبر الكثير من الشعراء على أن ينهلوا من شعره.
يستشهد الأكوع في حديثه لـ”الثورة” ببعض ما قاله البوصيري في رسول الله، مردفاً “يقول البوصيري في مطلع قصيدته “كيف ترقى رقيك الأنبياء/ يا سماء ما طاولتها سماء”، واستمر الشاعر في مدح سيرة الرسول الكريم حتى وصل إلى “وتوالت بشرى الهواتف أن قد/ ولد المصطفى وحق الهناء.. وتداعى إيوان كسرى ولولا/ آية منك ما تداعى البناء”، وذكر الإرهاصات والأحداث التي رافقت مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم سرد معجزات نبي الله في أبياته.
بحسب المنشد الاكوع فإن “قصائد المديح النبوي تميزت بتقديمها للرسول صلوات الله عليه كشخصية ليست كغيرها من البشر العاديين بل استمدت فكرتها الرئيسية من قول الله تعالى لرسوله “وإنك لعلى خلق عظيم”.
أنماط متعددة
تختلف الأنماط الإنشادية بين المناطق اليمنية، ففي صنعاء تتخذ نسيجا ابتهاليا، وفي حضرموت يلتقي مع الأشكال الفولكلورية مثل الدان والعُدة، بينما امتدت الموشحات والأناشيد الصوفية من تهامة إلى مرتفعات المناطق الوسطى ومراكز التصوف في تعز، ومن بين ذلك يبدو الموشح الصنعاني أكثر تمسكاً بهويته التاريخية وأكثر تشدداً في الحفاظ عليها، على عكس بقية المناطق التي سارت في ركب التطور إلى حدٍ ما أو أدخلت الآلات الموسيقية على أناشيدها كحضرموت وتهامة، كما يقول الأكوع.
ويتابع “وعلى الرغم من تغني المنشدين اليمنيين بالنبي في كل الأناشيد والموشحات المرافقة لمناسبات أهل اليمن سواء الأعراس والمآتم والإسراء والجمعة الأولى من رجب والحج، وما تحمله تلك الأناشيد من روحانية وسكينة إلا أن المديح النبوي الخالص لرسول الله يبقى الأكثر روحانية والأعظم مكانة”، ويضيف “خصصنا في كتابنا (روائع شعر النشيد الصنعاني) باباً كاملاً للمدائح النبوية ويضم مجموعة من القصائد التي أنشدت ورددها المنشدون بألحان مختلفة وكان أبرز شعراؤها الشيخ الشاعر عبد الرحيم البرعي الذي أخلص في حبه ومديحه وتغنيه برسول الله وآله صلوات الله وسلامه عليهم”.
ويعد الشيخ عبد الرحيم البرعي (803هـ) رحمة الله عليه واحداً ممن عبرت قصائده الحدود وتغنى بها المنشدون اليمنيون وغيرهم، وهو الشاعر اليمني الذي هام حبا في رسول الله وآله وبكى وأبكى بشعره في دواوينه كل الراكبين سفينة العشق المحمدية، وهو نبراس وعَلَم من أعلام الشعر وأبرز علماء عصره، وقد قال قصائد تقرأها في كل مرة وكأنك تقرأها للمرة الأولى، وفيها من الروحانية ما جعلها تتداول على ألسن الكثير من المنشدين بمختلف ألوان النشيد اليمني والعربي، كما يصف الأكوع لـ “الثورة”- الذي يعتبره أبرز من كتب القصيدة التوسلية والمديح النبوي- إلى الحد الذي لا يضاهي شعره في هذا الجانب أحد.
إضافة إلى البرعي، يقول الأكوع “الأمير الحسن بن علي الهبل- الذي لقب بأمير شعراء اليمن- ألّف ديواناً في مديح الرسول واستحق اللقب بجدارة لأنه قدّم نموذجا رائعا في المديح للنبي وآل بيته النجباء عليهم السلام”، ويضيف “لقد تجاوزت أناشيد المديح النبوي اليمنية حدود اليمن ولحَّن وأنشد المبدعون اليمنيون قصائد لشعراء من خارج البلد ومنهم أمير شعراء العرب أحمد شوقي من مصر والشاعر محمد إقبال من باكستان”.
شرف المديح
يقول بعض المؤرخين إن البدايات الأولى للموشح اليمني كانت قبيل 800 – 1000عام، لكن رئيس جمعية المنشدين اليمنيين يرى “أن عمر الموشح اليمني يزيد عن 1400عام، وما استقبال المهاجرين والأنصار- وهم يمنيون- لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهم يهتفون بنشيد “طلع البدر علينا”، إلا دليل على أن لذلك النشيد امتداداً تاريخياً سابقاً”، ويلفت إلى أنه “كان وجوباً على الشعراء اليمنيين أن يميزوا قصائدهم بحب رسول الله وأن ينالوا شرف مديحه، رغم أن مديحه لا يزيده شيئاً، فهو الذي وصفه الله بأعظم صفات الكمال والجمال والأخلاق، وشعراء اليمن يرون أنهم بمديحهم لرسول الله يرفعون من قدر شعرهم ويعبِّرون فقط عن محبتهم ووفائهم وإخلاصهم لنبي الهداية.
هذا التفاني -بالنسبة للأكوع- جعل من الإجحاف بحق المديح النبوي أن يوجز لقاء عابر أبرز ما قاله الشعراء في مدحهم لرسول الله خلال أكثر من 14 قرنا من الزمن؛ لأنها لا تعد ولا تحصى، لكن اليمنيين هم أكثر من تغنوا برسول الله وأكثر من مدحه وناصره، وما مديح الرسول في اليمن وأهله ودعائه لهم إلا دليل على رضاه عنهم.
إلى ذلك، يؤكد رئيس منتدى المبدعين العرب أن اليمنيين هم أول من مدح الرسول وتغنى به، واستقبلوه استقبال العظماء في الوقت الذي آذته قبائل قريش وما حولها، فرحب به اليمنيون في المدينة وهم يهتفون بقصيدة “طلوع البدر”(طلع البدر علينا/ من ثنيات الوداع/ وجب الشكر علينا/ ما دعا لله داع.. إلخ) والتي ستظل ترددها الأجيال ما بقيت السماوات والأرض، ومنذ ذلك الوقت واليمنيون يرحبون وينشدون في نبي الله في ذكرى مولده ومسراه وهجرته وبيعتهم له.
طاقات وتاريخ
لقد أثبت أهل اليمن بكل ما يقدموا من تضحيات وفي كل المواقف وعلى مر الأزمنة أنهم جديرون بكل ما قاله عنهم رسول الله، وأهل لكل ما أوكل إليهم وهم يناصرون رسالة محمد – صلوات الله عليه وعلى آله – ويحاربون الأفكار الهدامة والأديان المبتدعة بكل الوسائل، وأثبتوا أيضا أنهم أنصار لرسول الله سائرين على نهجه، في الوقت الذي يهرول فيه غيرهم نحو أعداء الدين والرب والبشرية، ولعل اهتمامهم بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف واستمرارهم في ذكر رسول الله من خلال المدائح النبوية خير دليل على ثباتهم على المضي في خطى الأنصار.
ولعل هذه المناسبة والمناسبات المشابهة لها في السنوات الماضية فجرت الكثير من الطاقات الإبداعية في الشعر والنشيد والموشحات والزامل، وكلها مديح لرسول الله، وهذا لا يدل إلا على مكانة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لدى اليمنيين ومحبتهم له وامتثالهم لأوامر الله الذي أوجب علينا الاقتداء به ومحبته واتباعه، كما يقول المنشد الأكوع، مردفاً “هناك الآلاف من الألحان التي رددت بها قصائد المديح النبوي بمختلف الألحان والأوزان والمقامات الصوتية، ومنها الكثير من الألحان الجديدة التي نسمعها اليوم عبر الإذاعات والقنوات الفضائية إلى جانب الألحان التراثية التي تربطنا بهويتنا وتاريخنا.
ويرى أن ما يميز التراث اليمني عن غيره هو أنه لا يخلو مشرب أو أنشودة إلا وتبدأ بذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة على رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، لافتا إلى أن المخطوطات اليمنية التي يمتد عمر بعضها لأكثر من 10 قرون تضم آلاف القصائد التي تغنت وتفننت بذكر رسول الله وآله، وهذا تراث يعتز به أهل اليمن ويباهون به.
ويحث الأكوع على وجود تجديد ما كان آباؤنا وأجدادنا ينشدونه لكن دون تشويهه، طالباً من جميع المنشدين اليمنيين ألا يتخلوا عن تراثهم أو يشوهوه بتحريفه ليقولوا إنه من ألحانهم، لأن تراث اليمن ليس ملكا خاصا بل ملكا لليمن ككل، ويشير إلى دور المنشد اليمني في نشر التراث اليمني في كثير من مسارح الفن العالمية وإيصاله الأنشودة اليمنية وخاصة المديح النبوي إلى مختلف دول العالم.
لقد حرص اليمنيون على أن يجعلوا من ذكرى ميلاد رسول الله أعظم وأهم مناسبة على مر التاريخ، منطلقين من ثقافة القرآن التي تجدد علاقة المسلم برسول الله وتزيدها تماسكا، مواجهين بذلك هجمات اليهود الشرسة على الإسلام ورسول الله وهرولة أعداء اليمن للتطبيع مع أعداء الله ورسوله، ولعل ذلك ما أسهم في ظهور مئات المبدعين من شعراء ومنشدين بأعمال جديدة ومحدّثة.

قد يعجبك ايضا