26 سبتمبر.. من أحرار في سجون القاهرة إلى عبيد اللجنة الخاصة في الرياض

عباس السيد
أعلنت ثورة الـ 26 من سبتمبر التي نحتفل بذكراها اليوم، ستة أهداف نبيلة وعظيمة ، لكن هذه الأهداف لا تزال بعد 58 عاما من إعلانها مثل ست جزرات مربوطة بعصا طويلة ، ونحن نلهث بعدها دون طائل، ومع ذلك يمتنع البعض عن مجرد السؤال : متى نتمكن من التقاط الجزرات ، ومن هذا الذي ربطها بالعصا ؟ . ليس ذلك فحسب ، بل هناك من قد يجرِّمك ويخونك ، إن دعوت إلى إعادة تقييم الثورات ومعرفة أين ولماذا أخفقت ، وأين نجحت .
الثورات ليست أصناما للعبادة ، فالمواطن هو غاية أي ثورة ، وتقييم أي ثورة يتم من خلال معرفة الدوافع والظروف التي قامت في ظلها الثورة أولا ، وثانيا من خلال ما حققته لعامة الشعب .
بالعودة إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م ، هل كان اليمنيون بحاجة إلى ثورة؟ الجواب بالتأكيد ، نعم، ولكن هل كانت الظروف مهيأة لنجاح الثورة بحسب الشروط والمعايير التي وضعها علماء السياسية والاجتماع؟ الجواب للأسف لا ، والسبب يعود إلى حجم التدخلات الخارجية التي ساهمت في قيام الثورة من جهة ، والتدخلات التي عملت على إجهاضها من جهة أخرى .
لقد كانت ثورة 26 سبتمبر مفاجئة لليمنيين ، بمن فيهم المعارضان البارزان للنظام الملكي ، النعمان والزبيري ، باستثناء “تنظيم الضباط الأحرار” الذي كان على اتصال مباشر بمصر.
ومثلما حدَّد المرشد العام للإخوان ، حسن البناء ، ساعة الصفر لـ “ثورة 48” وصاغ ميثاقها “المقدَّس” حدَّد الزعيم جمال عبدالناصر ساعة الصفر لثورة 26 سبتمبر وصاغ أهدافها الستة، وفي حين كانت الثورة في يومها الأول ، كانت السفن المصرية المحمّلة بآلاف الجنود قد قطعت نصف المسافة في طريقها إلى الحديدة .
قدَّمت مصر الدعم العسكري والمالي والسياسي للجمهورية العربية اليمنية، وبلغ عدد الجنود المصريين في اليمن نحو 60 الف جندي .. رسم المصريون علم الجمهورية وشعارها وكتبوا ولحنوا وغنوا الأناشيد الثورية الحماسية ، على غرار “بالإرادة والعزيمة والجهاد”.. للفنانة المصرية فايدة كامل التي أحيت عدداً من الحفلات الفنية باليمن ، وهي زوجة نبوي إسماعيل ، أول قائد للقوات المصرية باليمن .
قدَّم عبدالناصر دعما للعديد من الثورات العربية ، لكنه كان سخيا جدا في دعمه لثورة اليمن إلى الحد الذي يبعث على التساؤل إن لم نقل الشك ، فلماذا قدَّم المصريون كل ذلك الدعم وكل تلك التضحيات ؟.
لم يكن الإمام أحمد خصما لمصر أو لناصر كما هو حال آل سعود في الرياض، فقد كان الإمام أحمد حليفا قوميا وعاشقا للوحدة العربية ، وكانت المملكة المتوكلية اليمنية ثالت اثنين إلى جانب مصر وسوريا في الكيان الذي عرف باسم “الجمهورية العربية المتحدة”.
كان عبدالناصر يريد فتح جبهة لمواجهة أعدائه البريطانيين وخصومه السعوديين ، وكانت اليمن ساحة مثالية لهذه المواجهة – لكنه كان يدرك أن الإمام ، ملك اليمن -آنذاك- لن يسمح أن تكون بلده مسرحا لحروب الآخرين ، ولذلك اتخذ خياره بالتخلص من الإمام ، ونقل السلطة إلى أشخاص موالين يديرهم كما يشاء” مع أنه أسماهم “الضباط الأحرار”، وكان له ما أراد.
قرأنا في كتب التاريخ المدرسية أن تنظيم “الضباط الأحرار” هو من خطط لثورة 26 سبتمبر ، فأين كانت هذه الحرية عندما زج عبدالناصر بقيادات الدولة اليمنية عسكريين ومدنيين أواخر عام 1966م، في السجن الحربي بالقاهرة لعدة أشهر؟ ، وأي حرية هذه عندما يفرض على “كبير الضباط الأحرار” الرئيس السلال ، الإقامة الجبرية لعام كامل في القاهرة؟!.
جمهورية ناصر أو ثورته في اليمن استمرت نحو أربع سنوات وانتهت بانقلاب 5 نوفمبر 1967م ، لتتولى بعدها السعودية ترويض الجمهورية وتدجينها، ومثلما أسست مصر في اليمن ما عرف بـ «تنظيم الضباط الأحرار” أسست السعودية تنظيمها الخاص المعروف بـ “اللجنة الخاصة”، ومن خلال هذا التنظيم أدارت السعودية الجمهورية العربية اليمنية والجمهورية اليمنية طوال نصف قرن ، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه .
ولذلك أخفقت الثورة في تحقيق أهدافها وتحوَّلت بعد خمسة عقود من قيامها إلى ملكية بعباءة جمهورية ، وتبوَّأت اليمن المراكز الأخيرة بين دول العالم في مؤشرات الاقتصاد والصحة والتعليم .. إلخ، ولعل أبسط مثال على إخفاق ثورة 26سبتمبر ، هو ما وصلت إليه اليمن من أوضاع، إذ صارت محل أطماع القريب والبعيد ، ولا تنمية فيها إلا للفساد والإرهاب والفقر.
ولو أنها نجحت لما قامت ثورة الشباب في فبراير 2011م، ولو أن الأخيرة نجحت لما قامت ثورة 21 سبتمبر 2014م..

قد يعجبك ايضا