التَّلهي بأحلام الشعوب

أحمد يحيى الديلمي
يبدو أننا وصلنا إلى مرحلة استطاعت فيها أمريكا ومن معها في الغرب أن يسيطروا على كل شيء في العالم الثالث حتى العقول والأفئدة ، وهم اليوم ومنذ أن تمكنوا من استغفال الشعوب وتحضير الخطط الممنهجة لإذلالها والتحكم في مصائر من تسلطوا عليها من الحكام يصنعون الخطة تلو الخطة بما يوافق رغباتهم ويحقق مصالحهم الذاتية ، وعلى هذا الأساس نجد أمريكا تتحفز قبل إجراء أي دورة انتخابية للرئاسة وتعد العدة ليصنع الرئيس منجزات وهمية كلما حل أوان إعادة انتخابه للمرة الثانية ، فلو عدنا بالذاكرة قليلاً لوجدنا أن “أوباما” بادر إلى اغتيال أسامة بن لادن قبل الانتخابات بأشهر قليلة مع ما رافق العملية من ضجة إعلامية جعلت الناخب الأمريكي يقتنع بأن “أوباما” بطل قومي يستحق صوته ، واليوم ها هو التاريخ يُعيد نفسه والرئيس ترامب يكرر نفس العملية قبل موعد الانتخابات التي سيرشح نفسه فيها للمرة الثانية من خلال مفاجآت يحاول عبرها إقناع الشعب الأمريكي بأنها إنجازات عظيمة ، أولها إرغام الدول الخليجية على المسارعة لإعلان التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني ، مع أنه كان قائماً منذ فترة طويلة ، وظلت العلاقة تمارس تحت الطاولة وفي الخفاء ، وكانت كل من الإمارات والبحرين تتلهفان للإعلان عنها ومن خلفهما السعودية التي تتحاشى رد الفعل الشعبي في نطاقها ، وإلا لكانت قد بادرت قبل هاتين الدولتين للكشف عن سوءتها والقبول بالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، إلا أن ترامب أجَّل الأمر إلى الوقت المناسب ليحقق إنجازاً خاصاً به يستطيع من خلاله إقناع الشعب الأمريكي بأهمية إعادة انتخابه ، وعلى هذا الأساس أعلن إعادة المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية ، كما أعلن بدء انسحاب قواته من العراق ، وهذه هي المرة الثالثة التي يبادر فيها إلى مثل هذا الإعلان لكنه يتبخر بمجرد أن يحقق ما يرمي إليه.
إذاً هذا هو حال أمريكا وهذا هو رئيسها يتلاعبون بالمشاعر ويتهلون بأحلام الشعوب المغلوبة على أمرها بعد أن أصبحت مسلوبة الإرادة ، وتسلط عليها حكام هم في الأساس صنيعة هذه الدول ويتعاملون مع المواطنين باعتبارهم رعايا مُلزمين بطاعة الحاكم القائم استناداً إلى الحديث المزعوم الذي تروجه أبواق الوهابية ومن سار على نهجها والذي يقول ” أطع ولي الأمر وإن سلخ جلدك أو كسر عظمك ” وهو حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. المهم أن أمريكا ومن معها من دول أوروبا يتعاملون مع المواطنين في العالم الثالث بدونية ، وكأنهم قطيع من الغنم ويزداد الاحتقار والتنكيل والتجريم ضد كل من يرفع صوته أو يطالب بالحد الأدنى من حقوقه المشروعة وفق شروط المواطنة والقيم والمبادئ المقرة من الأديان السماوية والأنظمة الوضعية ، فإلى متى ستظل أمريكا تمارس كل أنواع البلطجة والدجل والتضليل والخداع على هذه الشعوب وتشعرها بأنها قاصرة وتحتاج إلى من يفكر بأسمها ويتحدث نيابة عنها ؟!
لا أقول هذا الكلام جزافاً أو من باب التخمين لكنه يعود إلى وثيقة هامة أطلقها “زيني أنطوني” قائد القوة المركزية الأمريكية في المنطقة عام 2000م، حيث قال إن أمريكا تحاول مغازلة سوريا والفلسطينيين ولبنان للتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني ، كونها من دول الطوق وأكثر فاعلية في هذا القرار ، أما دول الخليج بالذات فهي مستعدة للتطبيع من الآن، فقط تنتظر إصدار التوجيهات الأمريكية ، لاحظوا هذا الكلام منذ عام 2000م يعني أن أمريكا تضع الخطط لعقود ثم تحاول ترجمتها ولو تكبدت في ذلك خسائر كبيرة ، كما حدث مع موضوع التطبيع، وهو ما يؤكد نظرية أن أمريكا هي التي أقدمت على أحداث 11 سبتمبر 2001م في مدينة نيويورك وأسندتها إلى الجماعات الإرهابية باعتبار أنها كانت مسنودة من السعودية ، كي تمارس ضغطاً أكبر على هذه الدولة، ومع أن التضحيات كانت جسيمة إلا أنها اليوم تقطف الثمار مطمئنة وكل شيء يتم كما رتبت له ، ألستم معي في أن هذه هي السياسة غير السوية التي تتلهى بآمال الشعوب وتحبط تطلعاتها من أجل خدمة المصالح الأمريكية الذاتية.
في هذا الصدد تعمل على إضعاف الاستقرار السياسي وإشاعة الفوضى لكي يتسنى لها الاستقطاب المتشعب للبسطاء من أبناء هذه الشعوب بهدف خلط الأوراق وجعل ردود الأفعال متباينة، فتبدأ بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية والمذهبية في إطار كل شعب وداخل كل دولة ، ولقد أصبحت هذه الوسيلة ظاهرة شائعة بالذات في الدول العربية والإسلامية ، حيث يتم استغلال تركيبة الشعوب القائمة على تعدد القوميات والمذاهب والديانات في الكثير منها ، فيتم استخدامها ككتلة بارود قابلة للانفجار في أي لحظة، ويمكن للآخرين استخدامها متى شاءوا ذلك ، وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما هي الديمقراطية التي تتحدث عنها أمريكا؟!! وما هي حقوق الإنسان في تصورها؟!! وهي تمارس كل هذه الأنواع من الدجل والكذب والخداع والتضليل بهدف سحق إرادة الشعوب والحيلولة بينها وبين التفكير السليم الذي يمكِّنها من صنع المستقبل اللائق بأجيالها ، إنها في هذه الحالة تظهر العداء الصارخ لكل ما هو حيوي وهام في هذه المنطقة.
للأسف الشديد أصبح الواقع العربي والإسلامي موبوءاً ويحمل زاداً فكرياً وثقافياً سقيماً غير ملائم للواقع ولهوية هذه الشعوب المعروفة بقوة إيمانها وارتباطها بالخالق سبحانه وتعالى والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث يغلب على هذه الدول اتباع الإسلام، فكلهم مسلمون إلا نسب بسيطة كما هو الحال في مصر والعراق وعدد من الدول العربية والإسلامية الأخرى ، لكن ما لم تعرفه أمريكا ومن يسير في فلكها أنهم مهما تمادوا في الغي فإن الباطل سيضمحل يوماً وينتصر الحق، وهذه هي سُنَّة الحياة المعززة بإرادة الخالق سبحانه وتعالى.. والله غالب على أمره.. وهو من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا