عشنا وشفنا

 

محمد العزيزي

يردد الناس والعالم وصفهم كرة القدم بأنها معشوقة الجماهير والساحرة المستديرة التي يعشقها ملايين الناس حول العالم، والبعض منهم لم يقفوا عند هذا الوصف والعشق وحسب بل هم مجانين حبا وعشقا لكرة القدم ولاعبيها.. يسافرون ويقطعون المسافات وينفقون المال على حبها ومن أجلها.
من منا كان يتوقع أو يخطر على باله أو يفكر مجرد تفكير أن يأتي يوم من الأيام تصفد فيه الجماهير وتوصد الأبواب أو بوابات ومداخل الملاعب أمام الجماهير، أو أن تقام مباراة كرة قدم بدون جماهير باعتبارهم جمال وفاكهة الملاعب وهم أيضا السر وراء تطور وازدهار هذه اللعبة ماليا وفنيا واستثماراً، فلولا الجماهير وأموالهم التي أنفقوها ما تطورت الساحرة ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، أما أن تقام مباراة بدون جماهير فذلك كان من سابع المستحيلات ويندرج ضمن أفلام الخيال، ويعتبر كما يقول المثل اليمني “مغني جنب أصنج”.. ليس للساحرة لا شم ولا طعم ولا حلاوة ولا حتى حماس عند اللاعبين في تقديم أداء كروي ممتع ومشوق.
اليوم عشنا وشفنا .. تقام المواجهات الكروية بدون جمهور وأصبحت مدرجات ملاعب كرة القدم فارغة من المشجعين ومن صدى الهتافات الجماهيرية التي كانت تهز أرجاء الملعب تشجيعا لمنتخباتها وفرقها، وهذا أمر لم يحدث إلا في هذا الزمن الأغبر -كما يقولون- يجبر هواتها إجبارا على متابعتها من خلف الشاشات.
أعرف العديد من الأشخاص والمهووسين الذين يعشقون كرة القدم بجنون حد الإفراط وهم من جيل الزمن الجميل أضاعوا حياتهم ومستقبلهم حبا في متابعة منتخباتهم ومؤازرتهم من على المدرجات وشكلوا جمعيات لتشجيع المنتخبات والأندية.. وأفرطوا بل وأنفقوا كل ما يملكون من الأموال والجهد والسهر، ليس لشيء ولكن عشقا في كرة القدم.. والبعض منهم ظلوا يتنقلون ويخسرون أموالا من أجل حضور ومشاهدة مباراة كرة قدم من على المدرجات، ويسافرون وراء تلك الأندية من بلاد إلى بلاد لذات الهدف والغاية، أما اليوم وفي زمن الفيروسات فليس بالإمكان سوى المتابعة عبر القنوات التلفزيونية ،والملاعب بلا جماهير.
فيروس كورونا جعل هذه المعشوقة العالمية هذا العام بلا شم ولا طعم، كما فعل هذا المرض العصي بالمصابين به، طبعا هذا الوضع المأساوي للعبة كرة القدم والملاعب والجماهير في بلدان العالم أثر تأثيرا مباشرا على اللاعبين والشركات المستثمرة وأيضا على الجماهير العاشقة للساحرة المستديرة وأفقدها بريقها ومتعتها وزخمها الذي كانت عليه قبل زمن كورونا.
بطبيعة الحال .. بلادنا تأثرت كغيرها من البلدان بسبب هذه الجائحة التي اجتاحت العالم، وقد أخذ منا هذا الفيروس نصيبه وضاعف معاناة الشباب والألعاب المختلفة، إضافة إلى تلك المعاناة التي خلَّفها العدوان الذي دمَّر كل مقدرات الشباب وعطَّل كل الأنشطة الرياضية على مدى أكثر من خمس سنوات متتالية، جاء كورونا ليزيد الطين بلة، فأفشل كل أعمال وزارة الشباب والرياضة وصندوق النشء والشباب والاتحادات والأندية ووضع كل هذه الجهات مع اللاعبين والأجهزة الفنية في ثلاجة الموتى، فلا أنشطة ولا دوري ولا بطولات داخلية ولا مشاركات خارجية ولا حتى جماهير تشاهد وتستمتع من خلف الشاشات كما في كل العالم.
ربما لم يعد هناك حتى لاعبين ،فقد غيَّب الفيروس كل شيء، ورغم أن الإمكانيات المالية متوفرة لدى وزارة الشباب وصندوق النشء والشباب إلا أن تعليق مختلف الأنشطة الرياضية بسبب كورونا قد جاء “فكة من مكة” بالنسبة لقيادة الوزارة وبقية الجهات التابعة لها، وكما يقولون “عشنا وشفنا” في العالم مباراة بدون جماهير، وفي بلادنا وزارة للرياضة ولكن بدون رياضة!!

قد يعجبك ايضا