الدكاك المثقف الثائر ..ومعارج فكره الراقي

 

عفاف محمد

أحدثكم اللحظة عن شاعر له مكانة ثقافية شاهقة في الساحة الثقافية ،تميز بفكره وأدبه ونقده، وله عطاءات ثقافية متنوعة ذات حضور متوهج في المشهد اليمني ، ولا أبالغ إن قلت إنه من أبرز القامات الفكرية التي تضخ آراء ومفاهيم ومصطلحات ثقافية اختزلت المراحل والمنعطفات السياسية والفكرية ،وقد استطاع هذا الأديب الشاعر السياسي المحنك أن يمثل بأنشطته المتنوعة حالة وعي ويقظة راقية، لدى الجمهور ،حالة تثير الدهشة، إما لجمال صيغها أو لتفردها بالجديد ..حرص على دقة العبارات وسلامتها ووضوح الدليل وقوة استدلاله ،والصدق في التوثيق ..حمل رؤى فكرية متميزة تميزت أعماله الفكرية والثقافية بخصوصية عجيبة ،وكان ممن أجادوا تعرية الأساطير السياسية والخرافات الثقافية .. إنه الكاتب الشاعر الأديب*صلاح الدكاك..
تحتار من أين تبدأ معه هل من جانبه اللامع في شعره ،أم من تبنيه قضايا الإنسان بكل أشكالها ،أم من كتابته الجديدة التي تلمع بالدلالة ومن قلب الحدث ،أم من لغته الفريدة التي تعرِّفك باكتشاف جديد لمعاني الكلمات..
تجد شعره يبدد العتمة في نفسك ..ولطالما شحن شعره بريق صوفي يصعقك مسه وله ضوء يبصرك بدايات لا نهاية لها..
اللغة العربية أطوع له من بنانه، وحركته الشعرية أسلس من لسانه.. ومن يستعرض ما هو عليه يبهت، فتارةً يبني منها قصوراً وآناً يحولها غيماً ..لم يغادر تعز هوية وهوى ..حين يتحدث عن المنشأ تراه حيناً عاشقا ..وآخر متمرداً..
عاشق للأرض التي أنجبته ،ولهواء الحرية الذي تشبعت منه رئتاه .. متمرد على كل ما يقيد حرية الإنسان ويستغل حقوقه ..كل من يمد يده ليسرق رغيف الخبز من أفواه الجائعين ..ويستثمر معاناة المنكوبين ..
يندفع بفكره اندفاع الشباب وأحلامه التي لا تأفل، يوفق بين توجهه الروحي الغامر وبين ممالك المتنبي .. بين كونية الصوفي وروحانيته وبين شراسة القصيدة ..
تعودنا على كلماته المشحونة بإحساس حاد والتي تحكي عن وجوه مسافرة بلا هوية وبلا جواز سفر .. نراه في بيوت الفقراء والأحياء
أملاً واعداً ينبض ،تتدفق كلماته .. يرميها سهاماً تصيب أصحابها في مقتل ..عنيف في لغته، صوره الشعرية، والاخيلة الحسية ..وقد تكون غريزته اللغوية غير مهذبة إن أراد .؟؟؟
تنزف رئته شعراً ..لا يسكت قلمه أمام الفوضى الكونية ..يأبى إلا أن تكون له بصمة تساند الحق وأهله .. تتذوق في أشعاره نكهة المعري والمتنبي والشريف الرضي في مرحلة الصبا .. ويؤثر الرافد الحيوي في لون كلماته ومذاقها .. ذكر الله حاضر في أنفاس الهواء الذي يتنفسه.. طير مهاجر يحط رحاله على أبواب مدن السلام ..
انتصر للقصيدة الحديثة وهو لايزال مبدعا في القصيدة العمودية لأنها فضاؤه الممتد.. لغته الشعرية خاصة جدا ،ففيها تتلاقى الدهشة مع عذرية الرؤية ..وعذوبة الجمال..
كان للبيئة والطقوس التعزية التي نشأ فيها تأثير على لغته الشعرية ومحيطه ومفرداته، فتلمس اطلاعه الخصب على التراث الإنساني ككل ،واجه العدوان والمستكبرين بجرأة لا حدود لها و بسلاح الكلمة، حاربهم وجاهر ضد ما هو غير سوي ..وقال في وجه الطواغيت بملء فمه (لا ) ..وأنشأ (لا) الصحيفة العامرة بمحتوياتها المتعددة..
ومعاً نتعرف أكثر على شخصية الكاتب الصحفي والأديب والشاعر صلاح الدكاك:
الاسم /صلاح الدين عبدالفتاح سيف الدكاك.
مواليد 1973م شرعب السلام تعز.
متزوج وأب لخمسة أطفال بنتان وثلاثة أولاد (زينب _ أدهم _ أشرف _ نهى_ يوسف).
المؤهل /بكالوريوس آداب اللغة العربية.
درس دورات داخلية وخارجية في الصحافة التخصصية والإعلام.
عمل عام 1999م محرراً في “الثقافية” الصادرة عن مؤسسة الجمهورية للصحافة تعز ورئيساً لقسم التحقيقات فيها ومشرفاً لها عندما تحولت لملحق 2005م.
مديراً لإدارة التحقيقات الصحفية في الجمهورية 2005م.
عضو نقابة الصحفيين اليمنيين ونقابة الصحفيين العرب واتحاد الصحافيين الدوليين منذ العام 2003م.
عضو مؤتمر الحوار الوطني عن مكون أنصار الله 2013م.
دواوينه الشعرية -كما يخبرنا هو عنها جميعها- لاتزال “فوق الطبع” لا تحت الطبع لأنه حتى اللحظة لم يعثر على دار نشر تهضم كل طيشه وجنونه وخروجه على إشارات المرور السياسية والدينية والاجتماعية.
ومعاً نتنسم منه هبوب قصيدة دافئة يتحدث فيها عن علاقته بالأبجدية مصوراً إياها بالأم ..!
هذه الأبجديةُ أمي/ صلاح الدكاك 2013م
(1)
أنا يوسفُ السَّمْتِ؛ في قبضتي صولجانُ الغوايةِ؛ من جُبِّ ماء المعاني بزغتُ ككلِّ إلهِ..
فاحترسنَ لأيديكنَّ إذا ما دخلتُ عليكنَّ؛ أيتها القارئاتُ اللواهيْ..
فغداً تتعمَّدْنَ خلقاً جديداً شديد التباهيْ
في مهبِّ شجوني و شلالِ آآآآهيْ
وغداً تتحمَّمْنَ مثل الدلافينِ في لُجَّةٍ من بحيراتِ حزني و غَوْرِ اكتناهيْ
وتهجرنَ عطرَ القناني و كُحْلَ العيونِ و رُوجَ الشِّفاهِ . . .
– كنت أحبو على عتبات العماءِ، على مَهَلٍ كنت في اللا مكان وفي اللازمان؛ و لا شيءَ حوليَ؛ لا شيءَ فِيَّ عدا ظمأٍ مبصرٍ؛ يسْبُرُ الوحشةَ الصِّفْرَ ليْ..
– “هذه هيَ.: قالَ؛ فمالتْ على شفتي كرمةُ القُبْلةِ البِكرِ؛ وانسكبَ الدفءُ ملءَ الفمِ المخمليْ،
واستويتُ على تربةِ الذاتِ؛ صرتُ أنا الجسدَ الظلَّ؛ والظمأَ الماءَ؛ والكَرْمةَ الفمَ؛ يبزغُ من يقْظتي ثَمَلِيْ، والعناقيدُ صارت تبرعمُ من أَنْمُليْ ..
-“هذه هيَ : قلتُ؛ فلا أُمَّ لي لِأُسَمِّيْ..
هذه الأبجديَّةُ أمِّيْ ، هذه الأبجديةُ مهدُ عمايَ؛ و تختُ مراهقتي؛ و مخدَّةُ حلمي
حلْمةٌ لا تكفُّ تنزُّ الرِّوا في عروقي؛ خرافيةٌ؛ و عريشةُ كَرْمِ في نُهايَ نبيذَ النبوءَةِ تهميْ ..
-“هذه هي: قلتُ؛ إذَناً فارقدي في ثرى الغيب هادئةَ البالِ يا “مريمي”؛ لا تبالي بيُتْمِيْ.. هذه الأبجديةُ أميْ ..
وهنا نلاحظ في هذه القصيدة أن أسلوبه امتاز بأنه: حسن، شائق، جذاب ،ورائق ،بليغ المعنى، متين المبنى ،لطيف الإشارة ،فصيح العبارة، نسقه متتابع ،بيانه رائع تبيانه بارع ،تمتاز عباراته بالإشراق والوضوح والدقة .
وله رائعة أخرى يخاطب فيها الأيام الخوالي في مسقط رأسه يبثها لوعته وحنينه وكمده.
تقول قصيدته :
يا صبا أقرئي تعز السلاما
وصفيني لها جوىً وهياما
طحنتنا رحى النوى نصف عقد
وذرتنا ريح الحنين رغاما
قد نأينا بالرغم منا وعفنا
بعد عينيك يا تعز المناما
وكرهنا الأيام مما لقينا
وخبرنا صفاءهن سخاما
يا صبا شقوتي وتيه شبابي
ظمأ الروح لا يطيق الفطاما
مثخنٌ خافقي بكل جراحٍ
من حواليك بعد يأبى التئاما
لك في كل موضع نصلُ ذكرى
وبقلبي للحزن شعب يتامى
هل إلى رجعةٍ لنا من سبيلٍ
قبل أن يطوي الترابُ العظاما
شتت القار شملنا والقرابـــ
ــات أباحت لحلفه الأرحاما
والرفاق الذين كانوا رفاقاً
سفحوا العرض للعداء والذماما
قد نفرنا مهاجرين لأن الله
يأبى لمثلنا أن نضاما
واحتسبنا فراق كل عزيزٍ
فيك كرمى لأن نعيش كراما
ووجدنا في فيء أنصار طه
مستقراً على الطغاة حراما
عهد أوفى بنيك ألا تظلي
في خنى القيد بعد عامك عاما
لا حيينا إن لم نُرَوِّ العوالي
من دم الحلف قرقفاً ومُداما
لا حيينا إن عاث فيك الزواني
واستطبنا عن الجهاد المقاما
هي إحدى اثنتين إما نفرنا
واستعدناك عنوةً واقتحاما
أو جررنا الذيول في كل ملهى
نستخير الأفلاك والأجراما
ونسوق الوعيد قيد المنصات
ونحشو مُشطَ الرصاص كلاما.
وهذه القصيدة فاح منها ريح ريف تعز ونسائم الوادي وصوت السواقي وكأنها الأرواح الضماء ترتوي منها والدكاك بحرا هادرا من القصائد، مفعما بعشقه للشعر والأدب ولطالما تغنى للوطن والهوية وجذورها ،لطالما رصد مشاعره بلسان حال الشعب وكان للهوية الإسلامية دور في تشكيل اعتزازه بوطنه .
وهنا قصيدة دكاكية أخرى تحدث عاصفة يقول مطلعها :
– أيسلو وقد يمَّنت قلبٌ مُغَرَّبُ
بشاهقِ قرطٍ في الشآم مُصَلَّبُ
– بتولٍ بيافا ما تغوثت باسمها
أغاثك ربٌّ وانحنى حادباً أبُ
– يدوزن شَعثَ الأبجدية ثغرُها
أناجيل للمعنى تُطَرّي وتُطربُ
– تعاقر أنثى من سلافٍ وأحرفٍ
فلا الصحو يدنيها ولا السُّكرُ يذهبُ
– ولا أنت تستشفي ولا أنت ترتوي
ولا أن تستكفي ولا هي تنضبُ
– تُسِرُّ ويفشي ما تواريه في الحشا
لوجدك نابٌ مستبدٌّ ومخلبُ
– ودونكما صحراء “نجدٍ” ورملةٌ
وهابيةٌ تدجي الضحى وتغيهبُ
***
– و عزَّى فؤادي في أساهُ فوارسٌ
إذا بكرت تقعي الحتوفُ تَنَكَّبوا
– فوارسُ من خولان عامرَ لم يَشُب
أرومتَهم شَينٌ ولا عيبَ يثلبُ
– غذَاهم حسينٌ حكمةً وبصيرةً
فآخى عليَّاً في المسيرة مكربُ
– سهام قضاءٍ لا غرابةَ إن هُمُو
أصابوا فأَصموا حيث بالحق صُوّبوا
– و ما صَبَّحَ البرق اليمانيُّ معشراً
وأومضَ إلا صَبَّحَ القومَ صَيِّبُ
– إذا خذل الشعبَ الرفاقُ فإن لي
بصعدةَ قوماً شعبُهم لا يُخَيّبُ
– هم الأمميون الطلائع رَوَّضوا
برحب العرى شوك الفروق وشذّبوا
– جبرتُ بهم كسرَ الرفاق ولم يكن
بغير حسينٍ ما تَكَسَّرَ يشعُبُ
وقصيدته تمس صميم الواقع، إذ استخدم فيها عبارات قد يعجز البعض عن فك شفراتها ويحار في معناها لكأنه من ذوي الحجى لكن من اتقن الغوص في الأبجديات تبهره تلك البلاغة والفصاحة وذاك الولاء.
وهنا تحفة أخرى من تحف الدكاك يستدرجك لتغوص تفاصيلها وهي بعنوان “وليمة أموية في رأس السنة”

سنةٌ على شرق الكنائس تقرع الأجراس، لاهيةً ،تغرر بالقلوبِ
كنا ومازلنا ننزُّ النخب من دمنا، ونعتجنُ الفطائر من حصاد لحومنا فوق الدروبِ
ونذود عن لحم المسيح خناجر الغزو الصليبي

سنةٌ على شرق المساجد تقرع الأبواب ، لاهيةً تغرر بالقلوبِ
لم يبرح (الحبشيُّ) يحمل صخرة الإقطاع،
والأكباد تُحملُ في الخراج لـ(هند)..
أحشاءُ (الحسين) تئن ظامئةً..
وخصيانُ (ابن هندٍ) بين نهرٍ من سلافٍ فاكهون وبين نهرٍ من حليبِ
بطحاءُ (مكة) تشتري (الكولا) بزوجات النبيِّ،
وتنسخ القرآن بالتلمود،
والبيت المعظم صار فرعاً من فروع الـ(ماكدونالدز) و متجراً لليانصيبِ
فقراء (يثرب) يشحذون التمر في الكامب (البريطاني)،
فتيانُ المدينة يُنشدون لطالعاتٍ من ثنِيّات البناطيلِ الشهيات الثقوبِ

لا خندقٌ يحمي عيال الله من شبق اجتياح النفط للغدران،
والساطور يغتصب النخيل ويصلب (ابن الفارسي) بتهمة التجديف والمدّ الشعوبي
لا جاء نصر الله يا وجعي ولا أنباء عن فتحٍ قريبِ..
وفيها يمزج فصاحته بأحداث تاريخية ومعاصرة تشوبها السخرية وكالعادة تميز بأسلوبه الشيق والبليغ ،ولطالما طرح قضايا جوهرية، وصاغ ألفاظه بما يخدم فكرته التي يعرضها بشيء من السحر .
هو ممن استخدموا هواية الكتابة كقضية وهدف.. قد تلمس في فنه حزنه على أرضه وأهله ،يجذب المتلقى بقصائده حيث الشدو مؤتلق على وقعها وايقاع آياته التي تطرب كل من سمعها .
هنا نترنم بأعجوبة دكاكية أخرى يقول فيها :
والرفاق الذين كانوا رفاقا
هجروا البحر واستطابوا الزقاقا
كفروا حقبةً بأبال نجدٍ
ثم عادوا يؤلهون النياقا
صار تمسيد ركبة النفط ديناً
أممياً وثورةً وانعتاقا
صارت النجمة الأثيرة زراً
في حذاء الأمير يطوي الرواقا
وغدا المنجل المقدس ساطوراً
يجز الرقاب والأعناقا
أين باذيب؟! أين فتاح؟!
إني لا أرى في الحما الجياد العتاقا
لا أرى في الجموع إلا مطايا
لمطايا الخليج أو أبواقا
يبذلون الحمى بجرعة ويسكي
وبأخرى التاريخ و الأعراقا
أين (عبود) ؟! بال شيخ الإمارات
على قبره وعاث بصاقا
حَزَّم الحزب خصره بعقالٍ
وتثنى خلاعةً وارتزاقا
وكبار الرفاق أمسوا جراءً
لابن سلمان تحمد الأطواقا
ومن حديقة الدكاك هاكم زهرة فواحة أخرى:
في سباق مع الموت يعدو وأبطئ ، أحتاج وقتاً لأرسل بعضي خارج مضماره ، قبل أن أختم الشوط مستسلماً لقواطع دود العدمْ..
في سباق مع الموت يبطئ في عدوه مطمئناً لحتمية الفوز أما أنا فأحاول تخسيس راحلتي ما استطعت..أقول سألقي بأحلى بنات مخيلتي وسلاف أنامل روحي للريح والغيم علّ المواسم تغزلني معزفاً سرمدي النغم.. فوق أرض ممردة من محاجر أسلافي الشعراء ، ترعرعت ، أنقف حنظلها بـ”قفا نبك” ، أدمى بنصل نحاول ملكاً ، أعاقر يا ساقيي وأعجن خبز التعلل من وجع المتنبي وأعلك في هذيان المعري الحصى والأدم..
أنا كل الذين مضوا والذين سيأتون ، يختلف الاسم والوسم والدور والرسم في دفق هذا الخضمْ.. ويبقى الألمْ جوهر الجريان ومجرى التعاقب ، مجرى التباين في الدفق ما بين فرثٍ ودمْ..
ولي لحظتي لا مزيد أكورها من خميرة روحي وأنفخ فيها الجوى والهوى والهدى والغوى والسُّدى والسأمُ..
في سباق مع الموت ، لا تنقص الأرض مني ، أبرعم في آخر الشوط كنهيَ ،أعبر برزخ عَوْدي مثل تويج القرنفل تحت انسكاب الديَمْ..
أنا مروحة الوقت ، حادي المواسم ، لا ينقص الموت منيَ إلا كما ينقص البحر ، فوق الصخور ارتمى و ارتطمْ..
أنا كنْهُ القِدمْ..
وأخيرا يسوقنا الحديث مع الدكاك الى قصيدة حميمية يخاطب فيها روح والده بأبلغ العبارات ،ومنها يستشف القارئ حلاوة ذكرياته وحنينه الجارف لريح والده وتنساب كلماته وهو يقول:
يا أبي
لم أزل بعد أنا ذاك الصبي
يعقد الإبهام بالوسطى إلى قربك في باب مصلى العيد ما زلت أنا ذاك الصبي
لُعَبي صارت حروفي وحروفي ملعبي
لاهثاً خلفك في الزحمة أحذو عطر أعطافك ..أقدامك ..أعدو راجفاً كالأرنبِ
وإلى جذعك آوي يا أبي
لم أزل ذاك الصبي
واقفاً باب مصلى العيد منسياً ومهجوراً كبيت خرِب
طاوياً أضلاع أيامي على خافقٍ عمري المتعبِ
غارقاً في لُجَّةِ الذكرى التي لم تذهبِ
لم أزل ذاك الصبي
في خواء الزحمة الكبرى أحاذي ظلك العاري على وعد المعاد الكذبِ
ذبحتني وحشة الممشى لعينيك وما من هُدُبِ
تعبت حتى الثواني يا أبي
من تعبي
لم أزل ذاك الصبي
مثخناً بالعيد ..لا كفّاً عليها أتدلى
في مصلى
لم يعد فيه النبي
لم يعد فيه أبي
ولم ينس شاعرنا ان يهدي لروح الشهيد زنبقة شعرية ،فصاغ لوحة في كلمات بديعة أحبها كل من سمعها كأنشودة وعظَّم شأن كاتبها ..تقول كلماتها:
– كثيرُ مديحي في بطولاتكم نزرُ
فأنتم شموسُ الحق والأنجم الزهرُ
– وأنتم بيانُ الله للخلق صاغه
لجاناً وجيشاً نهيُهُ فيه والأمرُ
– وأنتم سيوف الله في الأرض سلّها
رجالاً يضيق الكون بالبغي إن كرُّوا
– بأيِّ القوافي نقتفي خطواتكم
وبين قوافينا وأقدامكم دهرُ
– وأي براقٍ زلفةً نرتقي إلى
سماواتكم ، إذ عشرُها دونها عشرُ
– شططتم سمواً فالقصائد باعُها
قصيرٌ وخيلُ الشعر إن رامكم مُهرُ
– وشتان جوداً بين من كان رِفدهُ
مداداً وثانٍ رفده القلب والنحرُ
– وبحرين هذا ماؤه الحرف والرؤى
وهذا الدمُ الفوّار والمهجُ الخضرُ
– أقلّبُ تاريخ الرجال فلا أرى
رجالاً كأنصار الهدى بين من مرُّوا
– هنا (يمنُ الجبريِّ) بَزَّ (ابن ياسرٍ)
جِلاداً وفي قدرِ (الرزاميِّ) ما (حُجرُ)؟
– فليس كأنصار اليمانيّ معشرٌ
ولا مثل بدر الدين بين الأُلى بدرُ..
هذا هو صلاح الدكاك.. من سبق للمعالي بثاقب فكره ،هذا من تجده بين السطور يقتحم ذائقتك بلا استأذان ،معرفاً بنفسه من خلال قصائده العصماء التي لا يحتاج الواصف لوصفها بل هي تحكي نفسها ،بات له جمهور يترقب في كل حدث كيف سيصوغ الحدث وبأي باقة سيشكله .

قد يعجبك ايضا