قانون الرياضة.. الغائب الأبرز

 

حسن الوريث

قانون الرياضة الذي ظل تحقيقه حلماً يراود كل الرياضيين في بلادنا ما زال بعيد المنال، رغم أن هذه الأيام تعد الفرصة الذهبية لإعداد هذا القانون واستكمال الإجراءات التشريعية لإصداره، على اعتبار أن وزارة الشباب والرياضة أوقفت كل الأنشطة، وبالتالي يمكنها أن تتفرَّغ له من خلال تشكيل لجنة خبراء -وليس “خُبرة”- لتقوم بدراسة المشاريع السابقة والاستفادة من قوانين الرياضة في مختلف البلدان، وتقديم مشروع قانون حقيقي وواقعي للرياضة اليمنية.
سمعنا وزير الشباب والرياضة الحالي وكل الوزراء الذين سبقوه يتحدثون عن قانون الرياضة وضرورة أن يكون لرياضتنا قانون يسيِّرها، لكن أياً منهم لم يجرؤ على إخراجه إلى النور رغم أهميته، ورغم أن التاريخ سيسجل أن القانون صدر في عهد الوزير فلان، لكن قانون الرياضة هو المولود الذي طال انتظاره، ولم يجرؤ أي من مسؤولي وزارة الشباب والرياضة على مدى تاريخها على إجراء العملية القيصرية اللازمة للقانون ليرى النور، ويخرج الرياضة اليمنية من تخبطها، ويواكب كل التطورات التي يشهدها العالم في قطاع الرياضة، وينظم العلاقة بين كافة أطراف العمل الرياضي، ويضع الرياضة اليمنية في الطريق الصحيح لتنطلق انطلاقة حقيقية وصحيحة صوب المستقبل.
أعتقد أن الكثير من المسؤولين وفي أولى تصريحاتهم يحاولون دغدغة عواطف الرياضيين بهذا الموضوع، ويؤكدون أن أول مهمة لهم هي إصدار قانون الرياضة، لكنهم حين يدخلون إلى تفاصيل الموضوع يفرّون منه كما يفر الشخص السليم من المجذوم؛ لأن هناك محاذير كثيرة في هذا الموضوع، أهمها أن هذا القانون لو صدر فإن أغلب المسؤولين في وزارة الشباب والرياضة سيغادرونها وفقاً للقانون، لذلك تجدهم يتراجعون كثيراً، بل ويعرقلون أي محاولة لإخراجه إلى النور، كي يظل العبث بها من قبلهم أكثر سهولة.
بالطبع فإن هذا الوزير كغيره من الوزراء الذين جاءوا من خارج الوسط الرياضي يقعون تحت تأثير البعض الذين يحيطون بهم، مستغلين انعدام خبرتهم في المجال الرياضي، فيحاولون احتواءهم والسيطرة عليهم، وكل يعمل على إيهامهم بأنه أبو “العرِّيف” كما يقال، وأنه لا يمكن أن تسير الرياضة والعمل في الوزارة بدونهم، وبالتالي فقد كل الوزراء السيطرة على العمل والأمور، وانساقوا وراء تلك الرغبات التي أضاعت الرياضة ودمرتها.
ربما أن كل المسؤولين الذين مرُّوا على وزارة الشباب والرياضة لم يعرفوا أهمية وجود قانون للرياضة ينظم العلاقة بين مختلف الأطر الرياضية بدءاً من الوزارة واللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضة، وصولاً إلى الأندية، وكافة المؤسسات العامة والقطاع الخاص والاستثماري، ويعطي كل ذي حق حقه، ولو أنهم كانوا يعرفون أو يشعرون بأهمية وجود هذا القانون لكانوا ناضلوا من أجل إخراجه إلى النور، لكنه الجهل أو ربما الخوف من وجوده حتى لا يقضي على وجودهم أو هكذا يتخيلون؛ لأن العاجز والفاشل يخاف من وجود مثل هذه القوانين.
بالتأكيد أن كل الدول المتقدمة والمتخلفة في الرياضة جميعها تمتلك قوانين للرياضة باستثناء بلادنا التي ابتليت بمثل هؤلاء المسؤولين الذين لا يعرفون قيمة الرياضة وأهميتها في حياة الشعوب، وأنها أصبحت عملية استثمارية تتنافس فيها الشعوب والبلدان، وترصد لها الحكومات موازنات، وتدرج ضمن برامجها العامة والخاصة، وتنفذ مشاريع عملاقة وضخمة في البنية التحتية للرياضة، وتهيئة البيئة السليمة لممارستها، بينما نحن ما زلنا نعتبر الرياضة مجرد لعب ولهو، لم نصل بمستوى تفكيرنا إلى اعتبار الرياضة أهم مجال من مجالات الاستثمار، ولنا أسوة في الكثير من الدول التي باتت تعتمد في جزء كبير من دخلها القومي على الرياضة.
وكما تحدثنا فهذه هي أنسب الظروف لتشكيل لجنة من خبراء القانون والرياضة والاستثمار والإعلام لإعداد قانون قوي ولوائح تنظيمية حديثة تضع حجر أساس صلبة للرياضة اليمنية ومن ثم إقامة ورش عمل يشارك فيها نخبة من الرياضيين السابقين والحاليين والإعلاميين الرياضيين، وكذا المختصين في الشأن الرياضي لمناقشة المشروع وإثرائه لإخراج قانون يليق بالرياضة اليمنية، ويكون بمثابة التعويض للرياضيين اليمنيين الذين انتظروا صدور قانون ينصفهم لسنوات طويلة، وأعتقد جازماً أن هذا هو الوقت الملائم كما قلنا؛ لأن الأنشطة متوقفة، وسيتفرغ الجميع له، وعندما تعود عجلة الرياضة إلى الدوران سيكون لدينا قانون ينظمها بالشكل الأمثل، وليس كما هو الحال عشوائية وفوضى وارتجال، وحينها سيكون قانون الرياضة هو الحاضر الأبرز وليس الغائب الأبرز.

قد يعجبك ايضا