كانت باكورة انطلاقة المسيرة القرآنية المباركة:

القدس ..مكانة كبيرة وحضور دائم في فكر الشهيد القائد

 

 

• وعي عميق ومبكر بحجم المخاطر والمؤامرات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية

ربما لا يعلم الكثيرون أن المشروع القرآني ومسيرته المظفرة التي حمل مشعلها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – بدأت في أولى خطواتها المباركة بقضية القدس، الأمر الذي يعكس المكانة العظيمة التي تحتلها قضية المسلمين الأولى في فكر ورؤى الشهيد القائد طيب الله ثراه .

الثورة / حمدي دوبلة

باكورة المسيرة
باكورة انطلاق المسيرة القرآنية تمثلت بمحاضرة رمضانية للشهيد القائد حملت عنوان “يوم القدس العالمي” هذا العنوان جسَّد ومنذ وقت مبكر الأهمية الكبرى التي أولاها الشهيد المؤسس للقدس وللقضية الفلسطينية وظلت هذه القضية العظيمة حاضرة على الدوام وبشكل متواصل في كل الفعاليات والأنشطة الثقافية التي صاحبت المسيرة القرآنية طيلة السنوات الماضية، ولاتزال حاضرة بقوة الى يومنا وهو الحضور الفاعل الذي كان له صدى كبير وآثار إيجابية على صعيد إحياء الوعي بين شعوب الأمة بأهمية القضية وبما تمثله من رمزية عظيمة في قلوب المسلمين.
لقد امتلك الشهيد القائد وعيا استراتيجياً كبيرا تجاه الصراع مع الكيان الصهيوني وحذر- منذ وقت مبكر – من مخاطر ومخططات الأعداء لتصفية هذه القضية الأساسية في مسار هذه المواجهة بين الأمة وأعدائها.
كانت هذه المحاضرة للشهيد القائد عن يوم القدس العالمي في العام 2002م وفيها حذر بشكل واضح وبرؤية ثاقبة من المخاطر الاستعمارية القادمة من جانب التحالف الأمريكي الإسرائيلي تجاه فلسطين ومقدساتها والمنطقة العربية والإسلامية عموما..
لقد رأى الشهيد القائد في تحرك الأساطيل الأمريكية في بحار المنطقة حينها أنه أمر غير طبيعي، كما لم يتعامل مع هذا الخطر بالانزواء وقبول الأمر الواقع بل دق جرس الإنذار في الوعي الاجتماعي السياسي في اليمن محذراً من الخطر القادم، مستشعراً أبعاد الخطر على العالم الإسلامي ككل، ومُحذراً من الوصول إلى يوم تُباع فيه القدس وتُصفى القضية الفلسطينية بصفقة أبرمها التحالف الأمريكي الصهيوني، وهو ما وقع بالفعل بعد سنوات من تلك التحذيرات ورأى العالم كيف تجرأ الحلف الصهيوني الأمريكي على إبرام صفقة القرن المشبوهة قبل أشهر وبمشاركة مفضوحة من قبل أنظمة الخزي والعار والعمالة في المنطقة العربية.
تحذيرات مبكرة
قبل أكثر من 18 عاماً كان الشهيد القائد يحذر وينبه ويدق ناقوس الخطر في وعي الأمة حول المخاطر المحدقة التي تهدد القدس وفلسطين كقضية مركزية، مستشعراً المسؤولية لمواجهة هذه التحديات، وكان سلاح الفكر هو الممكن آنذاك فدعا إليه.
لقد اعتمد الشهيد القائد استراتيجية تحررية الفكر في مواجهة تلك الأخطار منذ وقت مبكر، ولم تكن تلك الرؤية الاستراتيجية مرتبطة بمنظومة مفاهيم متخصصة تنتمي إلى مدرسة أيديلوجية محددة، بل كانت قضية الشخصية الوطنية الذي جسدها القائد بالاستناد إلى الثقافة القرآنية.. قضية وجود هذا الإنسان وموقفه العملي والفكري من الصراع القائم في عالمه، لأن وجوده الإنساني الحر مشروط بقدرته على الصمود في وجه القوى الاستعمارية التي تريد محو شخصيته وبنية وجوده الإنساني واستعباده من دون الله، وكان تحركه مصداقاً وترجمة فعلية لذلك الوعي العميق، وظل مستسمكا بهذا النهج حتى آخر لحظات حياته الحافلة بالعطاء الخلاَّق قبل ان يرتقي شهيدا إلى ربه، لكنه ترك ارثا ومنهاجا عظيما مازالت تواصله هذه المسيرة القرآنية المباركة.
“الشِعار” ودوره التوعوي
شعار الصرخة الذي اطلقه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي في تلك اللحظة التاريخية كان بمثابة رد فعل توعوي مواجه للدعايات الأمريكية، سواء تلك التي كانت تطلقها الإدارة الأمريكية وتتضمن مزاعم “محاربة الإرهاب و”حماية حقوق الإنسان”، أو الدعايات التي كانت تروج لها بعض القوى السياسية الاقليمية والمحلية، وعموم المُنظرين اللبراليين المبشرين بنموذج “الديمقرطية الأمريكية”، والداعين إلى قبول الحكومات العربية بالتبعية تحت شعار “العولمة” وذرائع “الاندماج الكوني وتغير مفهوم السيادة الوطنية” و”نهضة التنمية” وفق السياسة الأمريكية القائمة على الهيئات الاحتكارية الربوية الاستغلالية صناديق الاقراض ومنظمة التجارة العالمية.
كما أن “الصرخة” المدوية التي اُطلقت في وجوه الطغاة والمستكبرين وهم في عز قوتهم وسطوتهم هدفت إلى إزالة الرُهاب من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، حيث بدأت تظهر – حينها – دعوات ومواقف سياسية تدعو إلى الاستسلام والانبطاح وبث روح الهزيمة المسبقة في نفوس الشعوب ودفعها إلى رفع الراية البيضاء وقبول الأمر الواقع والكف عن مواجهة تلك القوى التي كانت تروج الأبواق الإعلامية للأنظمة العميلة بأنها لا تقهر وأن الهزيمة هي النتيجة المحسومة في أي مواجهة معها، ونجد هذه الأهداف العظيمة التي وضعها الشهيد القائد للشعار قد تجسدت بشكل اكثر وضوحا في عدد من المحاضرات والدروس التالية للشهيد ومنها وعلى سبيل المثال لا الحصر محاضرات “معرفة الله” و”لا عذر للجميع أمام الله” و”السلاح شعار وموقف” وأيضا “الصرخة في وجه المُستكبرين”، و” خطر دخول أمريكا اليمن”، و”يوم القدس العالمي” وكلها هدفت إلى إحياء الجانب الإيماني في النفوس وإعادة الإنسان لثقته بالله ليكون قادراً على خوض الصراع، فيما ارتكزت سياسياً على فضح المشروع الأمريكي والتحذير من خطورته على القضية المركزية الأولى للمسلمين فلسطين ومقدساتها وعلى سائر البلدان العربية الإسلامية..
وقد ترافق مع شعار ” الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” شعاران ” قاطعوا البضاعة الأمريكية والإسرائيلية”، و” القاعدة صناعة أمريكية”، ليصب في ذات المجرى.
التشخيص الدقيق للمشروع الأمريكي الصهيوني
عادة ما كانت تأتي احاديث ومحاضرات الشهيد القائد متشبعة بالروح القرآنية حاملة تشخيصا دقيقا لنفسيات اليهود وممارساتهم العدوانية مع تقديم ً تحليل ملموس للسياسة العدوانية لدولة الاحتلال الصهيونية، والمشاريع التي تسعى لها انطلاقا من كونها دولة لديها أطماع جيبولوتيكية.
وكذلك التوضيح كيف تنطلق الدولة الصهيونية من حقيقة أن قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية لا تتثبت إلا عبر التوسع وأنها لا تكتمل إلا عبر السيطرة على كل فلسطين والمحيط العربي، وفي هذا الصدد يقول الشهيد القائد في ملزمة “السلاح شعار وموقف “الإسرائيليون الذين دولتهم ما تزال جديدة ولها فترة قصيرة عندهم طموح أن يهيمنوا على المنطقة هذه، لأنهم يعتقدون أن الهيمنة على هذه المنطقة يعني هيمنة على العالم بكله، وهذه حقيقه، باعتبار موقعه وباعتبار ثرواته الهائلة”.
مرجعية القرآن الكريم
وفق القاعدة المركزية في النظرة المعرفية للشهيد القائد ” عين على الأحداث، وعين على القرآن” والتي يجمع وفقها الملاحظات والشواهد من الواقع الملموس ويُحيلها إلى القرآن كمرجعية وآيات قرآنية تعد بمثابة مقولات وتعميمات هي مفاتيح معرفية وتوجيهات سياسية -إذا صنفناها بمفاهيم العصر الحديث- وقد حلل الشهيد القائد الصراع الجاري آنذاك وحذر من خطورة تكرار ذات الأخطاء أو البقاء على ذات الغفلة والأوهام عن اليهود، وهو ما حدث في نهاية الأمر فظهر رئيس السُلطة الفلسطينية شاكياً من صفقة ترامب وفي ذات الوقت رافضاً نهج الكفاح المسلح ومتمسكاً باتفاقيات “السلام” التي مكنت الصهاينة، والتي بُنيت عليها صفقة القرن التي جاءت بعد نحو عقدين من الزمن من تحذيرات الشهيد القائد لكن العزاء الوحيد أن المسيرة القرآنية التي اختطها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي لاتزال حية ومتنامية في نفوس أبناء الأمة، وها هي تتوسع وتزداد يوما بعد يوم ومرحلة إثر أخرى، وها هي تواصل النهج ذاته الذي بات يرعب الأعداء الذين يعلمون جيدا أن هزيمتهم باتت محسومة أمام هذا المد الإيماني العظيم، لذلك ما انفكوا يحيكون المؤامرات والدسائس ويقيمون التحالفات العدوانية للنيل من هذا الشعب العظيم ومسيرته الإيمانية المباركة .

قد يعجبك ايضا