خرج المسلمون من المحطة الرمضانية بعد شهر قصير ” ثلاثين يوما” من الصلاة والصيام، والقيام، وقراءة القرآن، واكثر المسلمين يعتقدون أنهم بامتناعهم عن المفطرات في نهار شهر رمضان قد أسقطوا عن أنفسهم ركناً من أركان الإسلام، وأنهم قد أدوا مناسك ذلك الشهر بالتمام والكمال، وقد ضمنوا الأجر والثواب، رغم أن العديد من المسلمين يعلمون أن ما ارتكبوه من ظلم لغيرهم لا زال معلقاً برقابهم، ناهيك عن أكلهم أموال الناس بالباطل، وامتهان البعض النصب والاحتيال على الغير كمهنة تؤدى باحتراف عال، وهناك شهادة الزور والبهتان، والغيبة والنميمة، وأكل أموال الناس بالسحت، والغش في البيع والشراء، والتلاعب بالموازين والأسعار، والاحتكار، كل تلك الأعمال فيها من الكبائر والمحرمات التي لا يرتكبها إلا من اختار أن يؤتى كتابه بشماله، فما حاجة الله لصيام أولئك المرتكبين للمحرمات، وقد قال نبينا الكريم محمد صل الله عليه وسلم : “رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صِيامِه إلَّا الجوعُ”، وهذا محمول على من صام ولم يتجنب قول الزور والكذب والبهتان والغيبة ونحوها من المعاصي، فيحصل له الجوع والعطش، ولا يحصل الأجر والثواب والفائدة من الصيام، فمثل هؤلاء لن ينفعهم صيام شهر رمضان ولا ألف شهر ما لم يردوا الحقوق لأصحابها، يقول الدكتور مصطفى محمود في هذا الشأن: يجب على المسلم ألا يتوهم أن الدين هو أن يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ويزكي ويحج بعد أن ينطق الشهادة وانتهى الأمر عند هذه العبادات، لا، لأن هذه العبادات (عبادات شعائرية) وهي فرائض سنحاسب عليها صحيح، ولكنها ليست كل الدين بل إن تلك العبادات محجوبة ولن يقطف المسلم ثمارها وتحقق أهدافها إلا إذا صحت (العبادات التعاملية) فهي لن تصح إذا ظلمت، وآذيت، وكذبت وشتمت، فأداء المسلم للشعائر التعبدية هو انتماء شكلي إلى الدين وهو بين المسلم وبين الله ، فأن يذهب المسلم للحج أو العمرة ثلاثين مرة لا يكفي، وأن يقف المسلم على سجادة الصلاة ٧٠ ألف مرة في اليوم لا يكفي، لأن الدين هو استقامة المسلم ومعاملته ورحمته بالآخرين، وهو صدقه وعدله، الدين -كما يقول الدكتور مصطفى محمود- حفظ المسلم للسانه من قول الزور وشهادة الزور، وهو عمله لكسب رزقه وسعيه بالحلال، هو نظافته وأمانته، الدين خلق المسلم مع أهل بيته وبيئته والناس أجمعين عملا بقول رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وآله وسلم: ” إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ” .. فالدين الإسلامي منظومة متكاملة، فالقيام بالعبادات يصدقها العمل والمعاملات، فالدين ليس بالمظاهر والشكليات ولكنه بالمعاملات والسلوكيات والالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية ورد المظالم والحقوق لأصحابها، وإلا فمهما كانت أعمال المسلم من العبادات والصلاة والصيام والصدقات والحج وعديد من العمرات، فهي محجوبة حتى تؤدى الحقوق لأصحابها، يقول الله سبحانه وتعالى: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58]. ويقول رسولنا الكريم : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)، ولذلك لما عرَّف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقوق العظيمة للعباد، خاف أن يلقى الله سبحانه وتعالى وفي ذمته شيء لعبد من عباد الله، فقام عليه الصلاة والسلام وهو في مرض الموت خطيباً في الناس قائلاً :(أيها الناس، من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني اليوم ـ أي فليقتص مني اليوم -، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني اليوم، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد مني اليوم قبل أن لا يكون هناك دينار ولا درهم)، وهناك الأحداث الدائرة في غزة منذ أكثر من مائتي يوم من قتل واغتصاب وهتك للحرمات وفعل المحرمات من قبل العدو الصهيوني البغيض الذي لم يترك قبحاً ودناءة وإجراماً إلا وفعله أمام مرأى ومسمع من العالم الهزيل، وغياب الضمير الإنساني من كل ما حدث ويحدث لأهل غزة أكثر ما يحير ويزيد من مرارة الحدث وكأن شعب غزة ريبوتات، أو بشر من حجر لا يتألمون، أو من عالم من خارج كوكبنا الأرضي لا يعني البشر أمرهم! وفي مقدمة العالم شعوب وقادة العالمين العربي والإسلامي الذين اكتفوا بالفرجة ومصمصة الشفاه، باستثناء دول محور المقاومة من اليمن ولبنان والعراق وفلسطين الذين شرفهم الله بالوقوف ونصرة إخوانهم في غزة، وسينتصرون لهم وبهم، أما من فضلوا التنديد والفرجة من بعيد، فقد حبطت أعمالهم وسيرون أي منقلب ينقلبون ولو بعد حين .٠